
03-01-2022, 09:32 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,873
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (40)
صــ220 إلى صــ 224
[ ص: 220 ]
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
فصلبوه حيا ، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد حولي يبلغ رسولك سلامي ، فجاءه رجل منهم يقال له: أبو سروعة ، ومعه رمح ، فوضعه بين يدي خبيب ، فقال له خبيب: اتق الله ، فما زاده ذلك إلا عتوا . وأما زيد ، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، فجاءه أبو سفيان بن حرب حين قدم ليقتله ، فقال: يا زيد! أنشدك الله ، أتحب أن محمدا مكانك ، وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي ، ثم قتل . وبلغ النبي الخبر ، فقال: أيكم يحتمل خبيبا عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد ، فخرجا يمشيان بالليل ويمكثان بالنهار ، حتى وافيا المكان ، وإذا حول الخشبة أربعون مشركا نيام نشاوى ، وإذا هو رطب يتثنى لم يتغير فيه شيء بعد أربعين يوما ، فحمله الزبير على فرسه ، وسار فلحقه سبعون منهم ، فقذف الزبير خبيبا فابتلعته الأرض ، وقال الزبير: ما جرأكم علينا يا معشر قريش؟! ثم رفع العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام ، وأمي صفية بنت عبد المطلب ، وصاحبي المقداد ، أسدان رابضان يدفعان عن شبلهما ، فإن شئتم ناضلتكم ، وإن شئتم نازلتكم ، وإن شئتم انصرفتم ، فانصرفوا ، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده ، فقال: "يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك"
وقال بعض المنافقين في أصحاب خبيب: ويح هؤلاء المقتولين ، لا في بيوتهم قعدوا ، ولا رسالة صاحبهم أدوا ، فأنزل الله تعالى في الزبير والمقداد وخبيب وأصحابه والمنافقين هذه الآية ، وثلاث آيات بعدها . وهذا الحديث بطوله مروي عن ابن عباس .
[ ص: 221 ] قوله تعالى: (ويشهد الله على ما في قلبه) فيه قولان . أحدهما: أنه يقول: إن الله يشهد أن ما ينطق به لساني هو الذي في قلبي . والثاني: أنه يقول: اللهم اشهد علي بهذا القول . وقرأ ابن مسعود: "ويستشهد الله" بزيادة سين وتاء . وقرأ الحسن ، وطلحة بن مصرف ، وابن محيصن وابن عبلة: "ويشهد" بفتح الياء "الله" بالرفع .
قوله تعالى: (وهو ألد الخصام) الخصام: جمع خصم ، يقال: خصم وخصام وخصوم . قال الزجاج: والألد: الشديد الخصومة ، واشتقاقه من لديدي العنق ، وهما صفحتا العنق ، ومعناه: أن خصمه في أي وجه أخذ من أبواب الخصومة ، غلبه في ذلك .
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد .
قوله تعالى: (وإذا تولى) . فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه بمعنى: غضب ، روي عن ابن عباس ، وابن جريج . والثاني: أنه الانصراف عن القول الذي قاله ، قاله الحسن . والثالث: أنه من الولاية ، فتقديره: إذا صار واليا ، قاله مجاهد والضحاك . والرابع: أنه الانصراف بالبدن ، قاله مقاتل وابن قتيبة .
وفي معنى: "سعى" قولان . أحدهما: أنه بمعنى: عمل ، قاله ابن عباس ومجاهد . والثاني: أنه من السعي بالقدم ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي الفساد قولان . أحدهما: أنه الكفر . والثاني: الظلم . والحرث: الزرع . والنسل: نسل كل شيء من الحيوان ، هذا قول ابن عباس وعكرمة في آخرين . وحكى الزجاج عن قوم: أن الحرث: النساء ، والنسل: الأولاد . قال: وليس هذا بمنكر ، لأن المرأة تسمى حرثا .
وفي معنى إهلاكه للحرث والنسل ثلاثة أقوال . أحدها: أنه إهلاك ذلك بالقتل والإحراق والإفساد ، قاله الأكثرون . والثاني: أنه إذا ظلم كان الظلم سببا لقطع القطر ، [ ص: 222 ] فيهلك الحرث والنسل ، قاله مجاهد . وهو يخرج على قول من قال: إنه من التولي . والثالث: أنه إهلاك ذلك بالضلال الذي يؤول إلى الهلاك ، حكاه بعض المفسرين .
قوله تعالى: والله لا يحب الفساد قال ابن عباس: لا يرضى بالمعاصي . وقد احتجت المعتزلة بهذه الآية ، فأجاب أصحابنا بأجوبة . منها: أنه لا يحبه دينا ، ولا يريده شرعا ، فأما أنه لم يرده وجودا; فلا . والثاني: أنه لا يحبه للمؤمنين دون الكافرين ، والثالث: أن الإرادة معنى غير المحبة ، فإن الإنسان قد يتناول المر ، ويريد بط الجرح ، ولا يحب شيئا من ذلك . وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة; بطل ادعاؤهم التساوي بينهما ، وهذا جواب معتمد . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: ولا يرضى لعباده الكفر . [ الزمر: 7 ] .
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
قوله تعالى: (أخذته العزة) قال ابن عباس: هي الحمية . وأنشدوا:
أخذته عزة من جهله فتولى مغضبا فعل الضجر
ومعنى الكلام: حملته الحمية على الفعل بالإثم . وفي "جهنم" قولان ، ذكرهما ابن الأنباري ، أحدهما: أنها أعجمية لا تجر للتعريف والعجمة . والثاني: أنها اسم عربي ، ولم يجر للتأنيث والتعريف . قال رؤبة: ركية جهنام: بعيدة القعر .
وقال الأعشى:
دعوت خليلي مسحلا ودعوا له جهنام جدعا للهجين المذمم
فترك صرفه يدل على أنه اسم أعجمي معرب .
وفي معنى الكلام قولان . أحدها: فحسبه جهنم جزاء عن إثمه . والثاني: فحسبه [ ص: 223 ] جهنم ذلا من عزة . والمهاد: الفراش ، ومهدت لفلان: إذا وطأت له ، ومنه: مهد الصبي .
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد .
قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على خمسة أقوال .
أحدها: أنها نزلت في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وهو معنى قول قمر وعلي رضي الله عنهما . والثاني: أنها نزلت في الزبير والمقداد حين ذهبا لإنزال خبيب من خشبته ، وقد شرحنا القصة . وهذا قول ابن عباس والضحاك . والثالث: أنها نزلت في صهيب الرومي ، واختلفوا في قصته ، فروي أنه أقبل مهاجرا نحو النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه نفر من قريش ، فنزل ، فانتثل كنانته ، وقال: قد علمتم أني من أرماكم بسهم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، فإن شئتم دللتكم على مالي . قالوا: فدلنا على مالك نخل عنك ، فعاهدهم على ذلك ، فنزلت فيه هذه الآية ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ربح البيع أبا يحيى"؟ وقرأ عليه القرآن . هذا قول سعيد بن المسيب ، وذكر نحوه أبو صالح عن ابن عباس ، وقال: إن الذي تلقاه فبشره بما نزل فيه أبو بكر الصديق . وذكر مقاتل أنه قال للمشركين: أنا شيخ كبير لا يضركم إن كنت معكم أو عليكم ، ولي عليكم حق لجواري ، فخذوا مالي غير راحلة ، واتركوني وديني ، فاشترط أن لا يمنع عن صلاة ولا هجرة ، فأقام ما شاء الله ، ثم ركب راحلته ، فأتى المدينة مهاجرا ، فلقيه أبو بكر ، فبشره وقال: نزلت فيك هذه الآية . وقال عكرمة: نزلت في صهيب ، وأبي ذر الغفاري ، فأما صهيب ، فأخذه أهله فافتدى بماله ، وأما أبو ذر ، فأخذه أهله فأفلت منهم حتى قدم مهاجرا . والرابع: أنها نزلت في المجاهدين [ ص: 224 ] في سبيل الله ، قاله الحسن وابن زيد في آخرين . والخامس: أنها نزلت في المهاجرين والأنصار حين قاتلوا على دين الله حتى ظهروا ، هذا قول قتادة . و"يشري" كلمة من الأضداد ، يقال: شرى ، بمعنى: باع ، وبمعنى: اشترى . فمعناها على قول من قال: نزلت في صهيب; معنى: يشتري . وعلى بقية الأقوال بمعنى: يبيع .
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور .
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب ، كانوا بعد إسلامهم يتقون السبت ولحم الجمل ، وأشياء يتقيها أهل الكتاب . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أمروا بالدخول في الإسلام . روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الضحاك . والثالث: أنها نزلت في المسلمين ، يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام كلها ، قاله مجاهد وقتادة .
وفي "السلم " ثلاث لغات: كسر السين ، وتسكين اللام ، وبها قرأ أبو عمرو ، وابن عامر في "البقرة" وفتحا السين في "الأنفال" وسورة "محمد" وفتح السين مع تسكين اللام . وبها قرأ ابن كثير ، ونافع ، والكسائي في المواضع الثلاثة ، وفتح السين واللام . وبها قرأ الأعمش في "البقرة" خاصة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|