
01-01-2022, 01:44 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (44)
من صــ 43 الى صــ 49
وهذا باب واسع؛ لأن الناس مضطرون إلى هذين الأصلين فلا ينجون من العذاب ولا يسعدون إلا بهما. فعليهم أن يؤمنوا بالأنبياء وما جاءوا به وأصل ما جاءوا به أن لا يعبدوا إلا الله وحده كما قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
والأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ كلامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وأنبائه التي أنبأ بها عن أسمائه وصفاته وملائكته وعرشه وما كان وما يكون وليسوا وسائط في خلقه لعباده ولا في رزقهم وإحيائهم وإماتتهم ولا جزائهم بالأعمال وثوابهم وعقابهم ولا في إجابة دعواتهم وإعطاء سؤالهم؛ بل هو وحده خالق كل شيء وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه وهو الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} وقال تعالى:
{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون} {وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون} كما قال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}.
فبين أن كل ما يدعى من دون الله من الملائكة والأنبياء وغيرهم لا يملكون مثقال ذرة ولا لأحد منهم شرك معه ولا له ظهير منهم فلم يبق إلا الشفاعة {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} فالأمر في الشفاعة إليه وحده كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا} وقال: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة}.
وقوله {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} استثناء منقطع في أصح القولين.
فانقسم الناس فيهم " ثلاثة أقسام ": قوم أنكروا توسطهم بتبليغ الرسالة فكذبوا بالكتب والرسل: مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون وغيرهم ممن يخبر الله أنهم كذبوا المرسلين؛ فإنهم كذبوا جنس الرسل؛ يؤمنوا ببعضهم دون بعض.
ومن هؤلاء منكرو النبوات من البراهمة وفلاسفة الهند المشركين وغيرهم من المشركين وكل من كذب الرسل لا يكون إلا مشركا وكذلك من كذب ببعضهم دون بعض كما قال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا}.
فكل من كذب محمدا أو المسيح أو داود أو سليمان أو غيرهم من الأنبياء الذين بعثوا بعد موسى: فهو كافر قال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل} وقال تعالى: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} وقال تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} والفلاسفة والملاحدة وغيرهم منهم من يجعل النبوات من جنس المنامات ويجعل مقصودها التخييل فقط. قال تعالى: {بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر} فهؤلاء مكذبون بالنبوات.
ومنهم من يجعلهم مخصوصين بعلم ينالونه بقوة قدسية بلا تعلم؛ ولا يثبت ملائكة تنزل بالوحي. ولا كلاما لله يتكلم به بل يقولون إنه لا يعلم الجزئيات فلا يعلم لا موسى ولا محمدا ولا غيرهما من الرسل ويقولون: خاصية النبي - هذه القوة العلمية القدسية - قوة يؤثر بها في العالم وعنها تكون الخوارق وقوة تخيلية وهو أن تمثل له الحقائق في صور خيالية في نفسه فيرى في نفسه أشكالا نورانية ويسمع في نفسه كلاما. فهذا هو النبي عندهم. وهذه الثلاث توجد لكثير من آحاد العامة الذين غيرهم من النبيين أفضل منهم.
وهؤلاء وإن كانوا أقرب من الذين قبلهم فهم من المكذبين للرسل. وكثير من أهل البدع يقر بما جاءوا به إلا في أشياء تخالف رأيه فيقدم رأيه على ما جاءوا به ويعرض عما جاءوا به فيقول: إنه لا يدري ما أرادوا به أو يحرف الكلم عن مواضعه. وهؤلاء موجودون في أهل الكتاب وفي أهل القبلة ولهذا ذكر الله في أول البقرة المؤمنين والكافرين؛ ثم ذكر المنافقين وبسط القول فيهم.
وقسم ثان غلوا في الأنبياء والصالحين وفي الملائكة أيضا: فجعلوهم وسائط في العبادة فعبدوهم ليقربوهم إلى الله زلفى وصوروا تماثيلهم وعكفوا على قبورهم.
وهذا كثير في النصارى ومن ضاهاهم من ضلال أهل القبلة؛ ولهذا ذكر الله هذا الصنف في القرآن في " آل عمران " وفي " براءة " في ضمن الكلام على النصارى وقال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقال تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
وهذا الذي أمره الله أن يقوله لهم هو الذي كتب إلى هرقل ملك الروم.
وهؤلاء قد يظنون أنهم إذا استشفعوا بهم شفعوا لهم وأن من قصد معظما من الملائكة والأنبياء فاستشفع به شفع له عند الله كما يشفع خواص الملوك عندهم. وقد أبطل الله هذه الشفاعة في غير موضع من القرآن وبين الفرق بينه وبين خلقه؛ فإن المخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه ويقبل الشفاعة لرغبة أو رهبة أو محبة أو نحو ذلك فيكون الشفيع شريكا للمشفوع إليه. وهذه الشفاعة منتفية في حق الله قال تعالى:
{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}. وهؤلاء يحجون إلى قبورهم ويدعونهم؛ وقد يسجدون لهم وينذرون لهم وغير ذلك من أنواع العبادات.
وهؤلاء أيضا مشركون. وأكثر المشركين يجمعون بين التكذيب ببعض ما جاءوا به وبين الشرك فيكون فيهم نوع من الشرك بالخالق وتكذيب رسله ومنهم من يجمع بين الشرك والتعطيل. فيعطل الخالق أو بعض ما يستحقه من أسمائه وصفاته.
فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء بل يثبتون أنهم وسائط في التبليغ عن الله ويؤمنون بهم ويحبونهم ولا يحجون إلى قبورهم ولا يتخذون قبورهم مساجد. وذلك تحقيق " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ". فإظهار ذكرهم وما جاءوا به هو من الإيمان بهم وإخفاء قبورهم لئلا يفتتن بها الناس هو من تمام التوحيد وعبادة الله وحده. والصحابة وأمة محمد قاموا بهذا.
ولهذا تجد عند علماء المسلمين من أخبار أهل العلم والدين: من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. من مشايخ العلم والدين والعدل من ولاة الأمور: ما يوجب معرفة ذلك الشخص والثناء عليه والدعاء له وأن يكون له لسان صدق وما ينتفع به: إما كلام له ينتفع به وإما عمل صالح يقتدى به فيه. فإن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يقصد الانتفاع بما قالوه وأخبروا به وأمروا به والاقتداء بهم فيما فعلوه - صلوات الله عليهم أجمعين.
(فصل: أفضل العبادات البدنية الصلاة)
قال شيخ الإسلام - قدس الله روحه -
وأفضل العبادات البدنية الصلاة وفيها القراءة والذكر والدعاء وكل واحد في موطنه مأمور به ففي القيام بعد الاستفتاح يقرأ القرآن وفي الركوع والسجود ينهى عن قراءة القرآن ويؤمر بالتسبيح والذكر وفي آخرها يؤمر بالدعاء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في آخر الصلاة ويأمر بذلك والدعاء في السجود حسن مأمور به ويجوز الدعاء في القيام أيضا وفي الركوع وإن كان جنس القراءة والذكر أفضل فالمقصود أن سؤال العبد لربه السؤال المشروع حسن مأمور به.
وقد سأل الخليل وغيره قال تعالى عنه: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} {ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء} {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء} {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقال تعالى:
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|