عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-12-2021, 11:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,225
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف في تراث الآل والأصحاب

الوقف في تراث الآل والأصحاب (2)

الوقف في حياة الآل والأصحاب رضوان الله عليهم



عيسى القدومي

هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

حرص آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته -رضي الله عنهم- على الوقف الإسلامي، وسارعوا إلى حبس الدور والآبار والبساتين ووقفها، اقتداء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته، وامتثالاً لتوجيهه وإرشاده، ورغبة في الثواب العظيم من الله -تعالى.

حضور سُنَّةِ الوقف في حياة الآل والأصحاب

ويُستدلُّ على حضورِ سُنَّةِ الوقف في حياتهم -رضي الله عنهم- في الدرجة الأولى بالفعل، فإنّهم -رضي الله عنهم- تواتر عن مجموعهم الوقف، حتى روي عن جابر - رضي الله عنه -أنّه قال: «... فما أعلمُ أحدًا كان له مالٌ من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله، صدقةً مؤبّدةً لا تُشترى أبدًا، ولا تُوهب ولا تورَث». ورُوي مثلُه عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: «ما أعلمُ أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلّا وقد وقف من ماله حبسًا، لا يُشترى ولا يُورَث ولا يُوهَب حتى يرث الله الأرض ومن عليها».

مشروعيّة الوقف

وقد رضي الإمام مالك -رحمه الله- بهذا التواتر الفعليّ حجةً في الردّ على من أنكر مشروعيّة الوقف، مثل شريح بن الحارث القاضي، فقد رُوي عنه أنّه قال: «جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بمنع الحبس»، وفي رواية عنه قال: «لا حبسَ عن فرائض الله»، ووقع في مضمونِ ذلك كلامٌ بين الإمام مالك -رحمه الله- والإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، فقد أخرج البيهقي -بسنده- عن الإمام الشافعي -رحمه الله- قال: اجتمع مالك وأبو يوسف عند أمير المؤمنين، فتكلّما في الوُقوف وما يحبسه الناس، فقال يعقوب: هذا باطل، قال شريح: جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بإطلاق الحبس. فقال مالك: إنّما جاء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسائبة، فأمّا الوقوف، فهذا وقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ حيث استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «احبِسْ أصلَها وسبِّلْ ثمرتَها»، وهذا وقْفُ الزبير، فأعجبَ الخليفةَ ذلك منه.

وقد نُقِلَت كلمةُ شريح هذه لمالك -رحمه الله- فيما يبدو أنّه مناسبةٌ أخرى، فقال: «تكلّم شريح ببلدِه، ولم يَرِدْ المدينةَ فيرى أحباسَ الصّحابة باقية، فينبغي للمرءِ ألّا يتكلّم إلّا فيما أحاطَ به خُبرًا».

الاجماع على مشروعية الوقف

فهي مسألة إجماع عمليّ، أكدها القرطبي بقوله: «المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص والزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة»، وبياناً لشيوع الوقف عند الصحابة -رضي الله عنهم-، قال الشافعيّ في القديم: «ولقد بلَغَنِي أنّ ثمانين نفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار، تصدَّقُوا بصدقاتٍ محرّماتٍ موقوفاتٍ»، كما ذكره ابن الرّفعة، «والشافعيُّ يسمّي الأوقاف: الصّدقات المحرّمة»، وقال ابن حزم: «وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس، لا يجهلها أحد».

تخير الصحابة أنفس ما يملكون للوقف

وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخيرون لأوقافهم أثمن وأنفس ما يملكون؛ لأنهم أرادوا أن يعمروا آخرتهم بما يحبون من نفائس أموالهم وكرائمها، وكانوا -رضي الله عنهم- إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله -سبحانه وتعالى-، وهذه الأوقاف خير دلالة على امتثال الصحابة لتوجيه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في وقف الأوقاف التي تنوعت أصولها، وتعددت مصارف ريعها، ليعم النفع للمجتمع المسلم، فدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصدقة الجارية لاقت آذاناً صاغية، من عباد الله المخلصين، ولاسيما الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين عاصروا التنـزيل، وفهموا أسراره، وعرفوا ما تستهدفه الشريعة. فبادروا مستجيبين لنداء الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فأوقفوا الأراضي والحدائق والأسلحة والدروع.

ثمَّ تتابعت الأوقاف، واستمرَّ القادرون على الوقف -على مدى التاريخ الإسلامي- بوقف أموالهم، واتَّسمت هذه الأوقاف بالضخامة والتنوع، حتى غدت هذه الأوقاف من مفاخر المسلمين، ولم يَدَعُوا جانباً من الجوانب الخيِّرة إلا أوقفوا فيه من أموالهم، حتى شملت أوقافهم الإنسان والحيوان، وبلغت ما لا يخطر فِعلُه على بالِ إنسان في شرقٍ ولا غربٍ.

أنواع الوقف عند الآل والأصحاب

ينقسمُ الوقف من حيث الموقوفُ عليه، أو (جهة الوقف) إلى قسمين رئيسين، هما: الوقف الخيري، والوقف الأهلي، وقد يستخدمُ بعضُهُم تقسيمًا ثلاثيًّا، فيقول: الوقف الخيري، والوقف الأهلي، والوقف المشترك.

1- الوقف الخيري

هو ما يُصرَف فيه الريعُ ابتداءً على جهةٍ من جهاتِ البِرّ، ولو كان ذلك لمدّةٍ معيّنةٍ، ثمّ يؤولُ بعدها إلى أشخاص معيّنين، وهذا النّوع هو الأصلُ في الوقف بالنسبةِ لسائر الأنواع، وهذا كالوقف على الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، والمشافي والمدارس والمكتبات وسائر الخدمات المشابهة.

2- الوقف الأهلي (الذُّرِّي)

هو ما يكون الاستحقاقُ فيه أوّلَ الأمرِ على معيّنٍ، واحدًا أو أكثر... ثمّ من بعد هؤلاء المعيّنين على جهةِ برٍّ.


3- الوقف المشترَك

هو ما وُقف على جهة بِرٍّ، وعلى الذّرّيّة، وكان ذلك في وقْفٍ واحدٍ، فهو جمعٌ بين الصورتين السابقتين، وقد يكون نصيبُ كلٍّ من الذريّة وجهةِ البرٍّ محدّدًا، بنصف الرّيعِ لكلٍّ منهما مثلاً، وقد يُجعَلُ مقدارٌ محدودٌ للذرّيّة، ويُطلَقُ في الباقي على أنّه لجهةِ البِرِّ، وقد يكون العكس.

على أنّ هذه الاصطلاحات والتسميات لم تكن معروفةً فيما مضى، بل كان يُعبَّر عن الوقف بلفظ «الصدقة» كما دلّت عليه الآثار، فكان يقال: هذه صدقةُ فلان.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]