عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-12-2021, 04:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,898
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقيقة العلاقة بين الزوجين في الإسلام

حقيقة العلاقة بين الزوجين في الإسلام
أ. د. السيد عبدالحليم محمد حسين






قواعد العلاقات الأسرية:
المعاشَرة.
الحقوق والواجبات.
هذه حقوق وواجبات تبادلية؛ بمعنى: أن كلًّا من الزوجين يحرص على الالتزام بها على وجه المشاركة، وكلما تناغم الزوجان، واتسقت جهودهما - كانا أدنى إلى السعادة الزوجية.

أما أن ينال أيُّ طرف حقوقه، ويتلكأ أو يتقاعس في الوفاء بواجباته، فإن الحياة الزوجية لن تكونَ قائمة على نظام المعاشرة الجميلة بمفهومها الديني والأخلاقي.

الحقوق: مِن أوجب الواجبات الأولية في الحياة الزوجية تبادُل الاحترام الصادق بينهما؛ كي ينجحا في هذه العَلاقات الطيبة.

وليس الاحترام والتوفير مجرد واجب أخلاقي، أو التزام إنساني، وإنما هو ضرورة عملية كي ينتقلا مِن حياة الغوغاء إلى حياة الإنسان، صانع الأفكار والفلسفات والحضارات والتقدم العلمي والتكنولوجي المتنامي.

لا يُمكن تفجير عناصر السعادة الذاتية والفرح المشترك، إلا عند إبداء مشاعر صادقة ومخلصة مِن الاحترام الأخلاقي.
والاحترام الذاتي والغيري هما أساس المجتمع المتحضِّر.
والاحترام بين الزوجين يستولدُ فضائل أخرى بحكم التمازج النوعي بين الفضائل الأخلاقية.

ليس مِن حق أي من الرجل والمرأة توجيه إهانة للآخر، أو المساس بهيبته أو بكرامته، فالخلافات تفضي إلى طرقٍ مسدودة في العَلاقات الزوجية يترتَّب عليها الطلاق في أسوأ الحالات، أو فتور هذه العَلاقات، ومن ثَمَّ تدهورها في أحسن الحالات.

2- حق الاستمتاع بدفء ومودة:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: 223]، وهذا يعني: أن الإله الحقَّ أباح - بحكم عقد النكاح للرجال - وطءَ فراش أزواجهنَّ متى شاؤوا، نهارًا أو ليلًا، ويترتَّب على هذا الحق القواعد الزوجية:
أ‌- أنه حق مشترك، فكما أنَّ للرجل أن يُضاجع زوجته، فإنَّ للزوجة الحق ذاته، دون إفراط أو تفريط.

ب‌- لا يَحق أن ينفردَ أحدهما بإشباع رغبته غير آبهٍ بمشاعر الثاني.

ت‌- فالزوجة مجموعة مِن الأحاسيس والعواطف التي تَتَطَلَّب مِن الزوج مواجهتها بنفس فضائلها من الحرارة والدفء، والتناغُم والمشاركة الحسية والوجدانية الكاملة.

ليس مِن حق الزوجة رفضُ نداءِ زوجها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما مِن رجلٍ يدعو امرأتَه إلى فراشه فتأبَى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها))؛ متفق عليه.

بل لا يحق للمرأة أن تمنعَ نفسها عن زوجها، وإن كانت على رأس قتب (الرَّحل الصغير على قدر سنام البعير)؛ البيهقي، السنن الكبرى، ابن أبي شيبة.

للأسف بعض النساء يمتنعن وهن راغبات؛ لاستخدام ذلك كسلاحٍ لترويض الرجل، أو للحصول منه على مَغْنَم، وهو مسلك غير صحيح شرعًا وخُلُقًا؛ فالمرأة لا تملك مَنْع مراودة زوجها إلا في حالاتٍ ثلاث:
الحيض - المرض - والإرهاق البدني والعصبي الشديدين.
وعلى الرجل أن يتفهم دوافع زوجتِه المشروعة.

وفي المقابل لا يَحقُّ للرجل ردُّ دعوة زوجته طالما وجدها تلمس السعادة بهذا المسلك، فمِن حُسْن المعاشَرة استجابة الزوج لها فورًا.

إنَّ استمتاع الرجل بزوجتِه بدفء وحنان ومودة - دليلٌ على أخلاقيته وتحضُّره وإنسانيته، أما الهجوم واتباع حركات عنيفة، فدلالة على عدوانيَّته وإساءته؛ قال ابن الجوزي: (مرَّ شاعرٌ بنسوةٍ، فأعجبه شأنهنَّ، فقال:
إنَّ النساءَ شياطينٌ خُلِقْنَ لنا ♦♦♦ نعوذُ بالله مِن شرِّ الشياطينِ

فأجابته واحدة منهنَّ:
إنَّ النساء رياحينٌ خُلِقنَ لكم ♦♦♦ وكلُّكم يشتهي شمَّ الرياحينِ

3- حق الغَيرة المشتركة:
والغيرة: كراهة شركة الغير في حقِّه.
وهي خُلُق فاضل مُركَّب من النجدة والعدل؛ لأن مَن عدل كرِه أن يعتدي إلى حرمة غيره، وأن يعتدي غيره على حرمته، ومَن كانت النجدة فيه طبعًا حدثتْ فيه عزة، ومن العزة تحدث الأنفة في الاهتضام.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الغيرة ما يُحب الله عز وجل، ومنها ما يبغضه الله عز وجل، فأمَّا الغيرة التي يُحب الله عز وجل فالغيرةُ في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض اللهَ عز وجل، فالغيرةُ في غير ريبة))؛ سنن أبي داود والنسائي.

ومَن لا يغار على زوجه، أو أنه يُسَمْسِر عليها، فهو ديُّوث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة ديوث))؛ متفق عليه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتعجبون من غَيرة سعد؟ أنا والله أَغْيَرُ منه، والله أَغْيَرُ مني))؛ الشيخان (البخاري ومسلم).

وكانت أسماء بنت أبي بكر زوجةً للزبير بن العوام - وكان في بَدْء أمره فقيرًا، وهي تنقل النوى على رأسها من مسافة بعيدة لتعلف به بعيرها، فرآها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهي تحمل النوى، فأحب أن يُركِبَها معه على بعيره، ولكنها تذكَّرت غيرة زوجها الزبير، ثم حدثتْ بذلك زوجَها حين قدِم البيت، فقال لها: والله، لحملك النوى على رأسك أهون عليَّ من ركوبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحبيب ذو الخلق العظيم؛ مصطفى السباعي: أخلاقنا الاجتماعية.

قالت عائشة: كنت أرى امرأة تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يُقبِل عليها بحفاوة، فشق ذلك عليَّ، فقال: ((يا عائشة، هذه كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد مِن الإيمان))؛ أبو حيان التوحيدي: الصداقة والصديق.

حدث في سنة 282 هـ أن تقدَّمت امرأة لقاضي الري، فادَّعى وليُّها على زوجها خمسمائة درهم مهرًا، فأنكره، فقال القاضي للمدعي: شهودك، قال: لقد أحضرتهم، فاستدعى بعض الشهود، لينظر للمرأة ليشهد إليها في شهادته - وهذه تُقدَّر بوقت الشهادة فقط؛ لِما هو مُقرَّر في الفقه الإسلامي - فقام الشاهدُ، وقيل للمرأة: قومي، فقال الزوجُ: تفعل ماذا؟ فقال الوكيل: ينظرون إلى امراتك وهي مُسفِرة، يتعرفون عليها، فقال الزوج: إني أُشهِد القاضي أن لها هذا المهرَ الذي تدَّعيه، ولا تسفر عن وجهها! فردَّت المرأة للمحكمة وأخبرت بما كان من زوجها، فقالت: إني أشهد اللهَ والقاضي أني قد وهبت له المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة...، فقال القاضي: يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.

صفوة القول:
إن الغيرة حق مشترك للزوجين، وهي دليلُ تعلق أحدهما بالآخر، ودليل الاعتزاز بالشرف، فالعَلاقات القائمة على السكينة والود والرحمة بين الزوجين تقتضي حِرْص الواحد على الثاني.

ب) الواجبات:
الواجبات المشتركة بين الزوجين لا عدَّ لها ولا حصر، والسعادة الزوجية قائمة في إطار الواجبات المشتركة.

أبرز الواجبات:
1- واجب العفَّة المشتركة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأما حقكم على نسائكم، فلا يُوطئن فُرُشكم مَن تكرهون))، فالزوجة مُلزَمة شرعًا وأخلاقًا بالحفاظ على عفافها.

قال محمد بن سلام: أربعُ قواصم للظهر: سلطان تطيعه ويفلُّك، وزوجة تأمنها وتخونك، وجار إن علم خيرًا ستره، وإن علم شرًّا أظهره، وفقرٌ حاضرٌ لا يجد صاحبه حاجته متلدِّدًا))؛ الماوردي: الأمثال والحكم.

والشرع لا يُفرِّق بين الزوجين في واجب العفاف، حفاظًا على نقاوة النَّسل وصيانة الأصول، والتقيُّد بالسلوك الإسلامي.

2- واجب التسامُح المتبادل:
تبايُن الأمزجة، واختلاف الطباع بين الزوجين، ووجود وجهات نظَر متقاطعة بين الرجل والمرأة، بسبب اختلاف المنشأ الاجتماعي والتربية الأسرية والثقافة العلمية - يسمح بحدوث نزاعات بين الزوجين؛ لهذا ينبغي أن يعامل وَفْق التسامح كقيمة معيارية وفضيلة أخلاقية.
وتسامحهما إزاء بعضهما يخلق أسسًا وطيدة للسعادة الزوجية.

3- واجب تكوين النيات الطيبة وتنميتها: مِن قبل الطرفين؛ وذلك أن الزوجين اعتنقَا فضيلة الصدق، ونأيَا بعيدًا عن رذيلة الكذب، فلا تخفى الحقائق عن الطرف الآخر، أو سوء الظن أو الكذب للطرف الآخر، وسنجد نفوس الزوجين بريئة مؤمنة متَّصفة بالإخلاص المطلق، مرتضية بالوفاء هدفًا.

4- واجب المعاشرة بالتلطف والمعروف، والمعاملة بالإحسان، وذلك أساس العَلاقة الزوجية القائمة على القاعدة الإلهية: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، وقال: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم))، وقال: ((خيركم خيركم لأهله))؛ سنن الترمذي، والنسائي، والحاكم في المستدرك.

ومما يطيب العشرة الزوجية:الابتسامة، والضحك، والمزاح في الحق.
وهذه عائشة رضي الله عنها تُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبَّت الريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة لُعَبٍ، فقال: ((ما هذه يا عائشة؟))، قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان مِن رقاع، فقال: ((ما هذا الذي أرى وسطهن))، قالت: فرسي، قال: ((وما هذا الذي عليه؟))، قالت: جناحانِ، قال: ((فرسٌ له جناحان؟))، قالت: أَمَا سمِعتَ أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ قالت: فضحِك حتى رأيتُ نواجذه".

قال ابن الجوزي: حدثني العتبي قال: قال رجل لامرأته: أمرُك بيدك، ثم ندم، فقالت: أما لا والله، لقد كان بيدِكَ عشرين سنة، فأحسنت حفظه وصنتَه، فلن أضيعَه إذا كان بيدي ساعةً مِن نهار، وقد رددتُه إليك! فأعجب بذلك من قولها وأمسكها.

فالرجل أخطأ ثم ندم، وبما أن علاقته بزوجته قائمة على المعروف الذي استمر طيلة عشرين سنة، فإن مصير هذه العلاقة لم يضع هدرًا، وإنما استجاب كل منهما لهذا المعروف.

كان أبو العباس السفَّاح يومًا مشرفًا على صحن داره ينظرها، ومعه امرأته أم سليم، فعبثت بخاتمها، فسقط مِن يدها إلى الدار، فألقى السفاح أيضًا خاتمه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ما أردت بهذا؟ قال: خشيت أن يستوحش خاتمك، فأنسته بخاتمي غَيرة عليه لانفراده؛ لطائف اللطف للثعالبي.

5- واجب الإيمان بأن السعادة جهد مشترك ومسؤولية تضامنية:
السعادة بين الزوجين ثمرة جهد مشترك، فعملية السعادة حصيلة تضافر نيات الاثنين، وتشابك السلوكين، وتلاحم الجهدين.

6- واجب فَهْم نفسية الآخر:
مِن الأهمية أن يُدرِك كل طرف نفسيةَ الآخر، وإعادة ترتيب أولوياته أو أهدافه، والحياة الزوجية إذا خَلَتْ مِن معرفة نفسية كلِّ طرف فلن ينسجمَا بتاتًا في الحوار، وسيتعالَى الصراخ، ويتشعب النزاع بينهما.

7- المسامرة والتحيات إكسير المحبة:
لا يوجد أقربُ للزوجين من بعضهما؛ فهما مستودَعان للأسرار والهموم والاهتمامات المشتركة لكل منهما، وهذا يتطلب أن يتعلما المسامرة؛ لأن لها وظائف تعليمية وتربوية، إضافة إلى المباهج التي تحققها بدلًا مِن أن يَتَسَكَّع الزوج في المقاهي أو الطرقات، فإنه مِن خلال المسامرة يجد صدرًا رَحْبًا، وقلبًا مفتوحًا، ونفسًا مستقبلة، وعقلًا محاورًا، وهذه هي زوجه الوفية ذات الإخلاص المطلق، وكي يمهد الطريق ويغرسه بالمودة، فإن التحية والسلام - سواء عند الخروج من البيت أو عند دخوله - ضروري جدًّا؛ لأن الزوجة إنسان جديرة بأن يُغدِق عليها بَعْلُها الحنان والدفء والاحترام، ويحقق ذلك من خلال توديعها للزوج ومبادلته هذا الشعور العاطفي، كما أن استقباله بالمودة الحسية - إضافة إلى مبادلتها نفس السلوك الودود - يجعل العلاقة الزوجية تسير على منوالها المنشود من السعادة الصادقة.

حقوق الزوج وواجباته:
أولًا: الحقوق:
1- حق الطاعة في غير معصية الله تعالى: قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّتِ المرأة خَمْسها، وصامتْ شهرَها، وأطاعتْ بَعْلها، فلتدخل مِن أيِّ أبواب الجنة شاءتْ))؛ أحمد والطبراني.
فالزوجة عليها أن تطيعَ زوجها في غير معصية الله تعالى.

وحقيقة الطاعة ليستْ مَرؤوسًا لرئيس، أو صغيرًا لكبير، وإنما هي طاعة امرأة زوجَها، فالرجلُ قد يكون أكثر خبرةً مِن المرأة، ومن ثَم فإن طاعتها لزوجِها هي حُسن توجيهها، بشرطِ أن يكون عاقلًا مؤمنًا تقيًّا ورِعًا، فلا طاعة لفاجرٍ أو فاسقٍ أو مجنونٍ.

2- حق التأديب:
أ- الضرب: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: ((أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت))؛ ابن ماجه، وأحمد، والبيهقي، والحاكم.

وقال صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ويعظ الرجال والنساء -: ((عَلامَ يجلد أحدكم امراته جلد العبد، ثم يضاجعها من أول يومه))؛ البخاري ومسلم، وابن ماجه، والترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم في نهاية خطبة الوداع: ((ولا تضربوهنَّ، فإن ضربتموهنَّ، فاضرِبوهنَّ ضربًا غير مبرح))؛ تفسير الطبراني، وابن حجر في المطالب العالية، وابن أبي الدنيا.
والضرب يكون: بالسواك، أو اللكز الخفيف، أو الضرب بطرف المنديل!
والمراد بالضرب: إظهار الغضب، وليس إلحاق الأذى الجسدي بالزوجة.

والإسلام لا يُقِر الضرب إلا تجاه زوجة عاصية متمردة في غير وجه الحق، ولا يقر الضرب المبرح، أو القسوة التي تدل على عنف أسري، فهذا المسلك لا يحقق بناء أسرة قائمة على السعادة المتينة، والبناء على الحوار التربوي يكون فعالًا في ضمان سعادة قائمة على الحب لا على القسوة والعنف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هنَّ عوان عندكم، ليس تملكون منهنَّ شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلْنَ فاهجروهنَّ في المضاجع، واضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا))؛ الشيخان، البخاري ومسلم.


وسيلة التأديب؛ هي: الوعظ، الهَجْر، الضرب، ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34].
غاية التأديب: تهذيب الزوجة، ومواجهة نُشُوزها.

ب- الفَرَك: البُغْض فيما بين الزوجين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة؛ إن كرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخر))، أو قال: ((غيره))؛ مسلم.

والفَرَك: كراهية ناشئة من الزوجة لزوجها أو العكس، وإذا وصلت الحياة إلى مثل هذه المشاعر المدمِّرة، فهذا يعني: أن يتوقف الزوجان ويتقيا الله عز وجل ويتساءلا: هل هذا الفَرَك ناشئ وطارئ بفعل عامل جديد، أو أنه شعور سائد ينمُّ عن فشل الحياة الزوجية؟

وإذا تدخل أهل المروءة وصالحَا الزوجين، فهذا أدعى للمروءة وأدنى لمصلحة الزوجين.

قال ابن عباس: كنت أطوف مع عمر حول الكعبة، فإذا أعرابي على عنقه امرأة مثل المهاة، وهو يقول:
صرتُ لهذي جَمَلًا ذَلُولا

موطَّأً أتَّبِع السُّهولا

أَعْدِلُها بالكفِّ أن تميلَا

أحذَرُ أن تَسْقُطَ أو تَزُولَا

أرجو بذاك نائلًا جزيلا


فقال عمر: مَن هذه المرأة التي وهبتَ لها حجتَك؟ قال: هذه امرأتي، والله إنها مع ما ترى مِن صنعي بها، حمقاء مرغامة (مهاجرة ومعادية له)، أكولٌ (شرهة الطعام)، مشمومة (مشؤومة) الهامة، ما تبقى لها خامة، فقال عمر: ما تصنع بها إذا كان هذا قولك فيها؟ حسناء (تبغض) لا تُفرَك، وأم عيال فلا تترك، قال: فشأنك بها.

ثانيًا: الواجبات:
1- واجب تعليم أمور الدين والدنيا:
الزوج واجبُه تعليم الزوجة والأبناء الصلاة بمواقيتها، ويعلمها أمور الدين والدنيا، ويقدم الوسائل المعينة على التعليم، ويقضي معها وقتًا في تناول أمور الدنيا، ويعطيها من خبرته وتجاربه، وعليه إعادة تثقيفِها وتزويدها بما يجعلها تفهم الحياة، وكيف تتعامل مع المجتمع وَفْق حالته الحقيقية.

2- واجب تجهيز احتياجات الأسرة:
ينبغي على الزوج أن يسدَّ جميع الاحتياجات الغذائية والمادية للأسرة، كي تنعم الزوجة والأولاد بالسعادة والراحة، ويندفع النزاع لنقص المواد الضرورية.

3- واجب استكمال مرافق البيت:
في البيت مرافق ضرورية متعلقة بالنوم، أو الطعام، أو الراحة، ينبغي توافرها فيه، ومن المرافق مكتبة البيت ليزدهرَ الوعي ويتم التثقيف، ولا بأس مِن وجود صيدلية تُخزَّن فيها بعض الأدوية الأولية الضرورية.

حقوق الزوجة وواجباتها:
أولًا: الحقوق:
1- حق السكن: الزوج مسؤول عن إسكان زوجه بمنزل مستقلٍّ عن ذويه، ولكن إذا ارتضت الزوجة أن تعيش مع أهله فلها ذلك.


والسكن المستقل مطلوبٌ للزوجين كي ينعما بالعيش الهادئ بعيدًا عن المنغصات والشكاوى، أو الصعوبات التي يسببها السكن المشترك.


2- حق النفقة:
عن معاوية بن حيدة قال: يا رسول الله، ما حق الزوجة؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت))، فالزوج مسؤول عن الإنفاق على زوجته، فيغطي جميع احتياجاتها الإنسانية والنسائية، كلٌّ على قدر سَعَتِه؛ لقوله تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].


عن عائشة قالت: دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بِنِيك))؛ رواه البخاري (5049)، ومسلم (1714).


قال ابن الجوزي: خاصمَتِ امرأةٌ زوجَها في تضييقه عليها وعلى نفسه، فقالت: والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن، وإلا فهو يسترزق من بيوت الجيران"؛ ابن الجوزي: كتاب الأذكياء.


3- حق الكرامة: على الزوج أن يصون كرامة زوجته ويحترمها لإنسانيتها وشخصيتها، ويحفظ خصوصيتها، فلا يكلفها بأفعال مهينة، ولا يسمعها كلامًا هابطًا، ولا يكسر كبرياءها، ولا يسلبها حقوقًا أعطاه الله إياها.

4- حق إدارة أثاث البيت: البيت جنة الزوجة، فهي حريصة على تأثيثه تأثيثًا ملائمًا، وعلى الزوج أن يدعها تغير في هيئته أو إعادة ترتيبه، وهي عالِمة بشؤون بيتها، فتنظمه وَفْق ما ترى، وقد يتم ذلك بالحوار الهادئ الثنائي بين الزوجين.

ثانيًا: الواجبات:
1- واجب الحياء: الحياء ضرورة للإنسان، وأكثر ضرورة للمرأة، وحياؤها يتحقق بكلامها فلا يكون فاحشًا، وبلباسها فلا يكون فاضحًا، وتصرفاتها فلا تكون إلا وقورة، وهو مطلوب منها تجاه زوجها، ولا يعني هذا: عدم الملاطفة، وإنما يعني: التمسك بمكارم الأخلاق.

2- واجب الطهو: على الزوجة أن تتقن فن طبخ الطعام، كي تغزو قلب الرجل بواسطة مَعِدَته، وكلما أتقنت فنونه وأشكاله وأنواعه، كانت أقرب إلى قلب زوجها وأولادها؛ لأنها تقدم لهم طعامًا لذيذًا وجيدًا.

3- واجب النظافة: يجب أن تكونَ الزوجة نظيفة في نفسها وبيتها وملابس أفراد الأسرة، وأدواتهم وجميع مرافق المسكن.

4- واجب توفير أسباب الراحة: يجب على الزوجة أن تجعل مناخ البيت هادئًا؛ لأن الزوج يحتاج إلى الراحة في بيته، كما يحتاج الأولاد إلى الهدوءِ لغرض المذاكرة أو الدراسة، فالجميع في حاجة إلى السكينة النفسية؛ لأنه من الضروري أن تتعلم الأسرة احترام حق كل فرد في الهدوء والدعة والطمأنينة والراحة.

5- ضرورة إتقان عمَل المعجنات والفطائر والحلويات:
المعجنات والحلويات تشيع البهجة والفرح في البيت، فيقبل عليها الصغير والكبير، وهي دليل على أن ربة البيت ترغب في إسعاد أسرتها؛ حيث لا تكلفهم عبئًا ماليًّا في شرائها من خارج البيت.

6- واجب التخلِّي عن نزعة الهيمنة على الزوج:
بعض الزوجات يَعْتَقِدْنَ أنَّ طريق السعادة الزوجية يتحقق بامتلاك الزوج ملكية فردية، ومن ثَم الهيمنة عليه؛ بحيث تحسب عليه أنفاسَه وفلوسه، وفراغه وعلاقاته مع الأهل والغرباء، ومِن مظاهر هيمنتها استيلاؤها على دخل الزوج برمته، وإعطاؤه دريهمات معدودة مصروفًا يوميًّا أو شهريًّا، وقد يبدو هذا الإجراء ملائمًا للزوج المبذِّر الذي يُنفق نصف الموازنة على دُخَانِه وملذَّاته، دون احتساب أن الدخل حق للجميع مِن أفراد أسرته، ولكن ليس كل الأزواج كذلك، فيكون تصرف الزوجة ممقوتًا!

إن انعدام شخصية الزوج من خلال هيمنة الزوجة عليه، إنما هو تشويه للعَلاقة الزوجية، وتخريب لسعادة الزوج الخارجية، ومسلك ينم عن أنانية غبيَّة!

وعلى الزوجة أن تُقلِع عن هذه الرغبة بلا تردد، فمعظم الرجال الذين يعيشون في مثل هذه الحالة غير سعداء، وعَلاقاتُ السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين تقضي احترام شخصية الآخر، فلا يلغيها، ولا ينقص من شأنها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]