
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الاول
الحلقة (76)
صـ 529 إلى صـ 535
صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع، إذا أمر بطاعة الله.ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار (1) : " أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إلى أن قال: " ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا ".
وقال في رواية إسحاق بن منصور (2) ، وقد سئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية» " (3) ما معناه؟ فقال: تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون، كلهم يقول: هذا إمام؛ فهذا معناه
(1) عبدوس بن مالك أبو محمد العطار، من أئمة الحنابلة، وكانت له منزلة عند الإمام أحمد. ترجمته في طبقات الحنابلة 1/241 - 246. وانظر: " مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي، ص 137، 616، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، 1399/1979.
(2) ن، م: إسحاق بن إبراهيم، وهو خطأ. وإسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي المتوفى سنة 251. سمع من سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح، وروى عن أحمد، وأخرج عنه البخاري ومسلم. ترجمته في طبقات الحنابلة 1/113 - 115؛ مناقب الإمام أحمد، ص 129، 615؛ تذكرة الحفاظ 2/524؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/362 - 364، القاهرة، 1349/1931.
(3) الحديث عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - في المسند (ط. الحلبي) 4/96 ولفظه: " من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ".
*********************
والكلام هنا في مقامين: أحدهما: في كون أبي بكر كان هو المستحق للإمامة، وأن مبايعتهم (1) له مما يحبه الله ورسوله، فهذا ثابت بالنصوص والإجماع.
والثاني: أنه متى صار إماما، فذلك بمبايعة أهل القدرة له. وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر، إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما، سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز.
فالحل والحرمة متعلق بالأفعال، وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة، ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله، كسلطان الخلفاء الراشدين، وقد تحصل على وجه فيه معصية، كسلطان الظالمين.
ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة، لم يصر إماما بذلك، وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة، الذين هم أهل القدرة والشوكة. ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة؛ لأن ذلك [لا] (2) يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل (3) مصالح الإمامة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك.
(1) ن، م: متابعتهم.
(2) لا: ساقطة من (ن) ، (م) ، وبها يتم المعنى.
(3) ن، م: الذي به يفعل. . . إلخ.
***********************
فمن قال إنه يصير إماما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة، وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة، فقد غلط؛ كما أن من ظن أن تخلف الواحد أو الاثنين والعشرة يضره، فقد غلط.
وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار، الذين هم بطانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذين بهم صار للإسلام قوة وعزة، وبهم قهر المشركون، وبهم فتحت جزيرة العرب، فجمهور الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم الذين بايعوا أبا بكر. وأما كون عمر أو غيره (1) سبق إلى البيعة، فلا بد في كل بيعة (2) من سابق، ولو قدر أن بعض الناس كان كارها للبيعة، لم يقدح ذلك في مقصودها، فإن نفس الاستحقاق لها ثابت بالأدلة الشرعية الدالة على أنه أحقهم بها، ومع قيام الأدلة الشرعية لا يضر من خالفها، ونفس حصولها ووجودها ثابت بحصول القدرة والسلطان، بمطاوعة (3) ذوي الشوكة.
فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} [سورة الحديد: 25] (4) .
(1) ن، م: عمر وغيره.
(2) أ: في كل بيعة فلا بد؛ ب: ففي كل بيعة لا بد.
(3) ن، م: بطاعة.
(4) ن، م: للناس الآية.
*************************
فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده.
وأبو بكر ثبت بالكتاب والسنة أن الله أمر بمبايعته، والذين بايعوه كانوا أهل السيف المطيعين لله في ذلك، فانعقدت خلافة النبوة في حقه بالكتاب والحديد.
وأما عمر (1) فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر، فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له (2) .
وأما قوله: ثم عثمان [بن عفان] (3) بنص عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم (4) .
[كانت بيعة عثمان بإجماع المسلمين]
فيقال أيضا: عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم، بل بمبايعة الناس له، وجميع المسلمين بايعوا عثمان [بن عفان] (5) ، ولم يتخلف (6) عن بيعته أحد.
قال الإمام أحمد في رواية حمدان بن علي (7) : " ما كان في القوم
(1) انظر كلام ابن مطهر فيما سبق، ص 126.
(2) له: زيادة في (ن) فقط.
(3) بن عفان: ساقطة من (ن) ، (م) .
(4) انظر ما سبق، ص 126 - 127.
(5) بن عفان: زيادة في (أ) ، (ب) .
(6) أ، ب: بن عفان لم تتخلف. . .
(7) حمدان بن علي، أبو جعفر الوراق، وهو محمد بن علي بن عبد الله بن مهران بن أيوب الجرجاني الأصل، البغدادي المنشأ، قال أبو بكر الخلال لما ذكره: رفيع القدر، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان. وقد توفي حمدان سنة 272. ترجمته في طبقات الحنابلة 1/308 - 310؛ تاريخ بغداد 3/61 - 62.
*********************************
أوكد بيعة من عثمان (1) كانت بإجماعهم " فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما، وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه، ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما.
ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، ثم إنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم، وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن [بن عوف] (2) ، واتفق الثلاثة باختيارهم على أن عبد الرحمن [بن عوف] (3) لا يتولى ويولي أحد الرجلين، وأقام عبد الرحمن ثلاثا حلف أنه لم يغتمض فيها بكبير نوم يشاور السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان، ويشاور أمراء الأنصار، وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام، فأشار عليه المسلمون بولاية عثمان، وذكر (4) أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه، لا عن رغبة أعطاهم إياها، ولا عن رهبة أخافهم بها.
ولهذا قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني (5) وأحمد
(1) ب: ما كان في القوم من بيعة عثمان. . إلخ.
(2) بن عوف: زيادة في (أ) ، (ب) .
(3) بن عوف: زيادة في (أ) ، (ب) .
(4) ن، م: وذكروا.
(5) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري، مولى عنزة، ويقال: مولى جهينة. قال ابن سعد والنسائي وغيرهما: كان ثقة ثبتا، وقال البخاري عن ابن المديني: مات سنة 131. زاد غيره: وهو ابن ثلاث وستين. . ويقال: مات سنة 125، وقيل: قبلها بسنة. ترجمته في تهذيب التهذيب 1/397 - 399.
***************************
[بن حنبل] (1) ، والدارقطني (2) ، وغيرهم (3) : من لم يقدم عثمان على علي (4) فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان أفضل لأنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم.
[اتفاق المسلمين على بيعة أبي بكر أعظم من اتفاقهم على بيعة علي]
وأما قوله: " ثم علي بمبايعة الخلق له " (5) .
فتخصيصه عليا بمبايعة الخلق له، دون أبي بكر وعمر وعثمان، كلام ظاهر البطلان. وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن اتفاق الخلق ومبايعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان، أعظم من اتفاقهم على بيعة علي رضي الله [عنه] وعنهم أجمعين، (6) وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على [بيعة] (7) عثمان أعظم مما اتفقوا على [بيعة] (8) علي. والذين بايعوا عثمان في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا عليا، فإنه بايعه علي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير] وعبد الله] بن مسعود والعباس
(1) بن حنبل: زيادة في (أ) ، (ب) .
(2) والدارقطني: ساقطة من (ن) ، (م) . وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، البغدادي، الحافظ الشهير، صاحب السنن. . . قال القاضي أبو الطيب الطبري: أمير المؤمنين في الحديث. وقد توفي الدارقطني سنة 385. ترجمته في تذكرة الحفاظ 3/991 - 995 ابن خلكان 2/459 - 460.
(3) ن، م: وغيرهما.
(4) أ، ب: من قدم عليا على عثمان.
(5) انظر ما سبق ص 127.
(6) ن: رضي الله عنهم أجمعين؛ م: رضي الله عنه (سقطت عبارة: وعنهم أجمعين) .
(7) بيعة: ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) بيعة: ساقطة من (ن) ، (م) .
*****************************
[بن عبد المطلب] وأبي (1) بن كعب وأمثالهم، مع سكينة وطمأنينة، بعد (2) مشاورة المسلمين ثلاثة أيام.
وأما علي [رضي الله عنه] (3) فإنه بويع عقيب (4) قتل عثمان [رضي الله عنه] (5) والقلوب مضطربة مختلفة، وأكابر الصحابة متفرقون، وأحضر طلحة إحضارا حتى قال من قال: إنهم جاءوا به مكرها، وأنه قال، بايعت واللج - أي السيف - (6) على قفي.
وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة لما قتلوا عثمان، وماج الناس لقتله موجا عظيما. وكثير من الصحابة لم يبايع عليا، كعبد الله بن عمر وأمثاله، وكان الناس معه ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه. فكيف يجوز أن يقال في علي: بمبايعة الخلق له، ولا يقال مثل ذلك في مبايعة (7) الثلاثة ولم يختلف عليهم (8) أحد؟ بل (9) بايعهم (10) الناس كلهم لا سيما عثمان.
(1) ن، م: وابن مسعود والعباس وأبي. . .
(2) أ، ب: وبعد.
(3) رضي الله عنه: زيادة في (أ) ، (ب) .
(4) أ، ب: عقب.
(5) رضي الله عنه: زيادة في (أ) ، (ب) .
(6) عبارة " أي السيف ": ساقطة من (أ) ، (ب) .
(7) ن (فقط) : مبايعته، وهو تحريف.
(8) ن، م: عليه، وهو خطأ.
(9) أ، ب: لما.
(10) ن: تابعهم.
*****************************