
17-12-2021, 12:01 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,823
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (20)
صــ103 إلى صــ 108
وَفِي الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِهَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَالثَّانِي: الْقَاتِلُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ بَعْدَ أَنْ سَمَّى قَاتِلَهُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ . وَفِي كَافِ "ذَلِكَ" ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِجَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَالثَّانِي: [ ص: 103 ] إِلَى كَلَامِ الْقَتِيلِ ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلْقَاتِلِ ، ذَكَرَهُمَا الْمُفَسِّرُونَ . وَالثَّالِثُ: إِلَى مَا شُرِحَ مِنَ الْآَيَاتِ مِنْ مَسْخِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، وَرَفْعِ الْجَبَلِ وَانْبِجَاسِ الْمَاءِ ، وَإِحْيَاءِ الْقَتِيلِ ، ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ .
وَفِي "أَوْ" أَقْوَالٌ ، هِيَ بِعَيْنِهَا مَذْكُورَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ قَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ حَجَرٍ يَنْفَجِرُ مِنْهُ الْمَاءُ ، وَيَنْشَقُّ عَنْ مَاءٍ ، أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ ، فَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خَاصَّةً ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمُؤْمِنُونَ ، تَقْدِيرُهُ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ تُصْدِّقُوا نَبِيَّكُمْ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمُ الْأَنْصَارُ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَسْلَمُوا أَحَبُّوا إِسْلَامَ الْيَهُودِ لِلرَّضَاعَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ ، ذَكَرَهُ النَّقَّاشُ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَأَلِفُ "أَفَتَطْمَعُونَ" أَلِفُ اسْتِخْبَارٍ ، كَأَنَّهُ آَيَسَهُمْ مِنَ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ .
وَفِي سَمَاعِهِمْ لِكَلَامِ اللَّهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَرَؤُوا التَّوْرَاةَ فَحَرَّفُوهَا ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ فِي آَخَرِينَ ، فَيَكُونُ سَمَاعُهُمْ لِكَلَامِ اللَّهِ بِتَبْلِيغِ نَبِيِّهِمْ ، وَتَحْرِيفِهِمْ: تَغْيِيرُ مَا فِيهَا . وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ السَّبْعُونَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى ، فَسَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ كِفَاحًا عِنْدَ الْجَبَلِ ، فَلَمَّا جَاؤُوا إِلَى قَوْمِهِمْ قَالُوا: قَالَ لَنَا: كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ فِي آَخِرِ قَوْلِهِ: إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا تَرْكَ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ; فَافْعَلُوا مَا تَسْتَطِيعُونَ . هَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ . وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمُ التِّرْمِذِيُّ صَاحِبُ "النَّوَادِرِ" هَذَا الْقَوْلُ إِنْكَارٌ شَدِيدٌ ، وَقَالَ إِنَّمَا خَصَّ [ ص: 104 ] بِالْكَلَامِ مُوسَى وَحْدَهُ ، وَإِلَّا فَأَيُّ مِيزَةٍ؟! وَجَعَلَ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَلْبِيُّ وَكَانَ كَذَّابًا .
وَمَعْنَى (عَقَلُوهُ) سَمِعُوهُ وَوَعَوْهُ .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ يَعْلَمُونَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوهُ . وَالثَّانِي: وَهُمْ يَعْلَمُونَ عِقَابَ تَحْرِيفِهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَوَّلًا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ .
هَذِهِ الْآَيَةُ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ ، كَانُوا إِذَا لَقُوا النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالُوا: آَمَنَّا ، وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، قَالُوا: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَعَطَاءٍ الْخُرَسَانِيِّ ، وَابْنِ زَيْدٍ ، وَمُقَاتِلٍ .
وَفِي مَعْنَى بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: بِمَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، وَالْفَتْحُ: الْقَضَاءُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [ الْأَعْرَافِ: 89 ] قَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ آَمَنُوا ثُمَّ نَافَقُوا ، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا عُذِّبُوا بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ . [مِنَ الْعَذَابِ ، لِيَقُولُوا: نَحْنُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْكُمْ ، وَأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْكُمْ ] . وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ: بِمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ: الَّذِي فَتَحَهُ عَلَيْهِمْ: مَا أَنْزَلُهُ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ الْمُسْلِمُ يَلْقَى حَلِيفَهُ ، أَوْ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مِنَ الْيَهُودِ ، فَيَسْأَلُهُ: أَتَجِدُونَ مُحَمَّدًا فِي كِتَابِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ، إِنَّهُ لَحَقٌّ . فَسَمِعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَغَيْرُهُ ، فَقَالَ لِلْيَهُودِ فِي السِّرِّ: أَتُحَدِّثُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، أَيْ: بِمَا بَيَّنَ لَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ أَمْرٍ مُحَمَّدٍ لِيُخَاصِمُوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ بِاعْتِرَافِكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؟! [ ص: 105 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: عِنْدَ رَبِّكُمْ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى: فِي حُكْمِ رَبِّكُمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [ النُّورِ: 13 ] . وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ يَعْنِي: الْيَهُودَ . وَالْأُمِّيُّ: الَّذِي لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَفِي تَسْمِيَتِهِ بِالْأُمِّيِّ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ عَلَى خِلْقَةِ الْأُمَّةُ الَّتِي لَمْ تَتَعَلَّمِ الْكِتَابَ ، فَهُوَ عَلَى جِبِلَّتِهِ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الرِّجَالِ كَانَتْ دُونَ النِّسَاءِ . وَقِيلَ: لِأَنَّهُ عَلَى مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ قَالَ قَتَادَةُ: يَدْرُونَ مَا فِيهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلا أَمَانِيَّ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ عَلَى تَشْدِيدِ الْيَاءِ ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ ، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ ، وَكَذَلِكَ: تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [ الْبَقَرَةِ: 111 ] وَ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [ النِّسَاءِ: 123 ] فِي أُمْنِيَّتِهِ [ الْحَجِّ: 52 ] وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ [ الْحَدِيدِ: 14 ] كُلُّهُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مِنْ "أَمَانِيِّهِمْ" . وَلَا بِخِلَافٍ فِي فَتْحِ يَاءِ "الْأَمَانِي" .
وَفِي مَعْنَى الْكَلَامِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْأَكَاذِيبُ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا أَمَانِي: يُرِيدُ إِلَّا قَوْلًا يَقُولُونَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ كَذِبًا . وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَاخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ . وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ قَالَ لِابْنِ دَأْبٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ: أَهَذَا شَيْءٌ رَوَيْتَهُ ، أَمْ شَيْءٌ تَمَنَّيْتَهُ؟ يُرِيدُ: افْتَعَلْتَهُ؟ .
وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَمَانِيَّ: التِّلَاوَةُ ، فَمَعْنَاهُ: يَعْلَمُونَ فِقْهَ الْكِتَابِ ، إِنَّمَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى مَا يَسْمَعُونَهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ . قَالَ الشَّاعِرُ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ تَمَنِّيَ دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رِسْلِ
وَهَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَالزَّجَّاجِ .
[ ص: 106 ] . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا أَمَانِيُّهُمْ عَلَى اللَّهِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ قَالَ مُقَاتِلٌ: لَيْسُوا عَلَى يَقِينٍ ، فَإِنْ كَذَبَ الرُّؤَسَاءُ أَوْ صَدَّقُوا ، تَابَعُوهُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
هَذِهِ الْآَيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ [الَّذِينَ ] بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَغَيَّرُوا صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا . وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ . فَأَمَّا الْوَيْلُ: فَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَيْلٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ ، يَهْوِي الْكَافِرُ فِيهِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ" وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْوَيْلُ: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ ، وَيَسْتَعْمِلُهَا هُوَ أَيْضًا . وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ: الْعَذَابُ ، وَالْهَلَاكُ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَيُقَالُ: مَعْنَى الْوَيْلِ الْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ . وَيُقَالُ: أَصْلُهُ: وَيْ لِفُلَانٍ ، أَيْ: حُزْنٌ لِفُلَانٍ ، فَكَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ لِلْحَرْفَيْنِ ، فَوَصَلَتِ اللَّامُ بِ "وَيْ" وَجُعِلَتْ حَرْفًا وَاحِدًا ، ثُمَّ خَبَّرَ عَنْ "وَيْلٍ" بِلَامٍ أُخْرَى ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ . وَالْكِتَابُ هَاهُنَا: التَّوْرَاةُ . وَذِكْرُ الْأَيْدِي تَوْكِيدٌ ، وَالثَّمَنُ الْقَلِيلُ: مَا يَفْنَى مِنَ الدُّنْيَا .
وَفِيمَا يَكْسِبُونَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَوَّضَ مَا كَتَبُوا . وَالثَّانِي: إِثْمُ مَا فَعَلُوا .
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهِ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَهْمُ: الْيَهُودُ . وَفِيمَا عَنَوْا بِهَذِهِ الْأَيَّامِ قَوْلَانِ .
[ ص: 107 ] أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ .
وَلِمَاذَا قَدَّرُوهَا بِأَرْبَعِينَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: بَيْنَ طَرَفَيْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ مَسِيرَةَ كُلِّ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ ، ثُمَّ يَنْقَضِي الْعَذَابُ وَتَهْلَكُ النَّارُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: عَتَبَ عَلَيْنَا رَبُّنَا فِي أَمْرٍ ، فَأَقْسَمَ لِيُعَذِّبَنَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ ، فَلَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي عَبَدُوا فِيهَا الْعِجْلَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَةِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَبْعَةَ آَلَافٍ ، سَنَةٍ وَالنَّاسُ يُعَذَّبُونَ لِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَيْ: عُهِدَ إِلَيْكُمْ أَنَّهُ يُعَذِّبُكُمْ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ؟!
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً : بَلَى: بِمَنْزِلَةِ "نَعَمْ" إِلَّا أَنَّ "بَلَى" جَوَابُ النَّفْيِ ، وَنَعَمْ ، جَوَابُ الْإِيجَابِ ، قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: مَا لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ ، فَقَالَ الْآَخَرُ: نَعَمْ ، كَانَ تَصْدِيقًا أَنَّ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ . وَلَوْ قَالَ: بَلَى; كَانَ رَدًّا لِقَوْلِهِ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنَّمَا صَارَتْ "بَلَى" تَتَّصِلُ بِالْجَحْدِ ، لِأَنَّهَا رُجُوعٌ عَنِ الْجَحْدِ إِلَى التَّحْقِيقِ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ "بَلْ" وَ"بَلْ" سَبِيلُهَا أَنْ تَأْتِيَ بَعْدَ الْجَحْدِ ، كَقَوْلِهِمْ: مَا قَامَ أَخُوكَ ، بَلْ أَبُوكَ . وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَلَا تَقُومُ؟ فَقَالَ لَهُ: بَلَى; أَرَادَ: بَلْ أَقُومُ ، فَزَادَ الْأَلِفَ عَلَى "بَلْ" لِيَحْسُنَ السُّكُوتُ عَلَيْهَا ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بَلْ; كَانَ يَتَوَقَّعُ كَلَامًا بَعْدَ بَلْ ، فَزَادَ الْأَلِفَ لِيَزُولَ هَذَا التَّوَهُّمُ عَنِ الْمُخَاطَبِ . [ ص: 108 ] وَمَعْنَى: بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً : بَلْ مَنَ كَسَبَ . قَالَ الزَّجَّاجُ: بَلَى: رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَالسَّيِّئَةُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَأَبِي وَائِلٍ ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَمُقَاتِلٍ .
وَأَحَاطَتْ بِهِ أَيْ: أَحْدَقَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ . وَقَرَأَ نَافِعٌ "خَطِيئَاتُهُ" بِالْجَمْعِ . قَالَ عِكْرِمَةُ: مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا ، وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: الْخَطِيئَةُ: صِفَةٌ لِلشِّرْكِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَحَاطَتْ بِحَسَنَتِهِ خَطِيئَتُهُ ، أَيْ: أَحْبَطَتْهَا ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْمُحِيطَ أَكْثَرُ مِنَ الْمُحَاطِ بِهِ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [ التَّوْبَةِ: 49 ] وَقَوْلُهُ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [ الْكَهْفِ: 29 ] أَوْ يَكُونُ مَعْنَى أَحَاطَتْ بِهِ: أَهْلَكَتْهُ ، كَقَوْلِهِ: إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [ يُوسُفَ: 66 ] .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَذَا الْمِيثَاقُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَعْبُدُونَ وَقَرَأَ عَاصِمٌ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ: بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ لَهُمْ . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: بِالْيَاءِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَيْ: وَوَصَّيْنَاهُمْ بِآَبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ خَيْرًا . قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أُوصِيكَ بِهِ خَيْرًا ، وَآَمُرُكَ بِهِ خَيْرًا وَالْمَعْنَى: آَمُرُكَ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ ، ثُمَّ تُحْذَفُ "أَنْ" فَيُوصَلُ الْخَيْرُ ، بِالْوَصِيَّةِ وَالْأَمْرِ . قَالَ الشَّاعِرُ
عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إِذْ تَشْكُونَا وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إِذْ يُوصِينَا
خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافَوْنَا
وَأَمَّا الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ; فَهُوَ بِرُّهُمَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَنْفُضْ ثَوْبَكَ فَيُصِيبَهُمَا الْغُبَارُ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا بَرَّ وَالِدَهُ مَنْ شَدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِ . وَقَالَ عُرْوَةُ: لَا تَمْتَنِعْ عَنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|