عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 17-12-2021, 11:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (16)

صــ79 إلى صــ 84


قوله تعالى: وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون الفرق الفصل بين الشيئين و"بكم" بمعنى "لكم" . وإنما ذكر آل فرعون دونه ، لأنه [ ص: 79 ] قد علم كونه فيهم . وفي قوله تعالى: وأنتم تنظرون قولان . أحدهما: أنه من نظر العين ، معناه: وأنتم ترونهم يغرقون . والثاني: أنه بمعنى: العلم ، كقوله تعالى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل [ الفرقان: 45 ] قاله الفراء .

الإشارة إلى قصتهم .

روى السدي عن أشياخه: أن الله تعالى أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ، وألقى على القبط الموت ، فمات بكر كل رجل منهم ، فأصبحوا يدفنونه ، فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس ، قال عمرو بن ميمون: فلما خرج موسى بلغ ذلك فرعون ، فقال: لا تتبعوهم حتى يصيح الديك ، ليلتئذ . قال أبو السليل: لما انتهى موسى إلى البحر قال: هيه أبا خالد ، فأخذه أفكل ، يعني: رعدة ، قال مقاتل: تفرق الماء يمينا وشمالا كالجبلين المتقابلين ، وفيهما كوى ينظر كل سبط إلى الآخر . قال السدي: فلما رآه فرعون متفرقا قال: ألا ترون البحر فرق مني ، فانفتح لي؟! فأتت خيل فرعون فأبت أن تقتحم ، فنزل جبريل على ماذيانة ، فتشامت الحصن ريح الماذيانة ، فاقتحمت في إثرها ، حتى إذا هم أولهم أن يخرج ، ودخل آخرهم أمر البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .

قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: "وَعَدْنَا" بِغَيْرِ أَلِفٍ هَاهُنَا ، وَفِي (الْأَعْرَافِ) وَ(طَهَ) وَوَافَقَهُمَا أَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ فِي (الْبَقَرَةِ) خَاصَّةً . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ "وَاعَدْنَا" بِأَلِفٍ . وَوَجْهُ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: إِفْرَادُ الْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ مُوسَى وَعْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، صَارَ ذَلِكَ مُوَاعَدَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى . وَمِثْلُهُ: لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [ الْبَقَرَةِ: 235 ] .

وَمَعْنَى الْآَيَةِ: وَعَدْنَا مُوسَى تَتِمَّةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، أَوِ انْقِضَاءِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . وَمُوسَى: اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ ، أَصْلُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ: مُوشَا ، فَمُو: هُوَ الْمَاءُ ، وَشَا: هُوَ الشَّجَرُ ، لِأَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ [ ص: 80 ] الْمَاءِ وَالشَّجَرِ ، فَعَرَّبَ بِالسِّينِ . وَلِمَاذَا كَانَ هَذَا الْوَعْدُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: لِأَخْذِ التَّوْرَاةِ .

وَالثَّانِي: لِلتَّكْلِيمِ . وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا ذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ الْوَعْدُ لِإِعْطَاءِ التَّوْرَاةِ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا ذُو الْحِجَّةِ وَعَشْرٌ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ الْوَعْدُ لِلتَّكْلِيمِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَامِ ، لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ التَّأْرِيخُ بِاللَّيَالِي ، لِأَنَّ أَوَّلَ شَهْرٍ لَيْلُهُ ، وَاعْتِمَادُ الْعَرَبِ عَلَى الْأَهِلَّةِ ، فَصَارَتِ الْأَيَّامُ تَبَعًا لِلَّيَالِي . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّيَالِي ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَيُوَاصِلُهَا بِاللَّيَالِي ، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ اللَّيَالِيَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ مِنْ بَعْدِهِ ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ انْطِلَاقِهِ إِلَى الْجَبَلِ .

الْإِشَارَةُ إِلَى اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ .

رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ لَمَّا انْطَلَقَ مُوسَى ، وَاسْتَخْلَفَ هَارُونَ ، قَالَ هَارُونُ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَ الْغَنِيمَةَ لَا تَحِلُّ لَكُمْ ، وَإِنَّ حُلِيَّ الْقِبْطِ غَنِيمَةٌ فَاجْمَعُوهُ وَاحْفُرُوا لَهُ حَفِيرَةً ، فَادْفِنُوهُ ، فَإِنْ أَحَلَّهُ مُوسَى فَخُذُوهُ ، وَإِلَّا كَانَ شَيْئًا لَمْ تَأْكُلُوهُ ، فَفَعَلُوا . قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ جِبْرِيلُ قَدْ أَتَى إِلَى مُوسَى لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَبِّهِ ، فَرَآَهُ السَّامِرِيُّ ، فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ: إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ حَافِرِ الْفَرَسِ ، فَقَفَهَا فِي الْحَفِيرَةِ ، فَظَهَرَ الْعِجْلُ . وَقِيلَ: إِنَّ السَّامِرِيَّ أَمَرَهُمْ بِإِلْقَاءِ ذَلِكَ الْحُلِيِّ ، وَقَالَ إِنَّمَا طَالَتْ غَيْبَةُ مُوسَى عَنْكُمْ لِأَجْلِ مَا مَعَكُمْ مِنَ الْحُلِيِّ ، فَاحْفُرَا لَهَا حَفِيرَةً وَقَرِّبُوهُ إِلَى اللَّهِ ، يَبْعَثْ لَكُمْ نَبِيَّكُمْ ، فَإِنَّهُ كَانَ عَارِيَةً ، ذَكَرَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ .

وَفِي سَبَبِ اتِّخَاذِ السَّامِرِيِّ عِجْلًا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّامِرِيَّ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، . وَالثَّانِي: أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا مَرُّوا عَلَى قَوْمٍ [ ص: 81 ] يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ، أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ ، فَلَمَّا سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِلَهًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ; أَخْرَجَ السَّامِرِيُّ لَهُمْ فِي غَيْبَتِهِ عِجْلًا لِمَا رَأَى مِنِ اسْتِحْسَانِهِمْ ذَلِكَ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .

وَفِي كَيْفِيَّةِ اتِّخَاذِ الْعِجْلِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّامِرِيَّ كَانَ صَوَّاغًا ، فَصَاغَهُ وَأَلْقَى فِيهِ الْقَبْضَةَ ، قَالَهُ عَلَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ حَفَرُوا حَفِيرَةً ، وَأَلْقَوْا فِيهَا حُلِيَّ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَعُوَارِيهِمْ تُنَزُّهًا عَنْهَا ، فَأَلْقَى السَّامِرِيُّ الْقَبْضَةَ مِنَ التُّرَابِ ، فَصَارَ عِجْلًا . رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَارَ لَحْمًا وَدَمًا وَجَسَدًا ، فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى قَدْ جَاءَ ، وَأَخْطَأَ مُوسَى الطَّرِيقَ فَعَبَدُوهُ وَدَفَنُوا حَوْلَهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ الْكِتَابُ: التَّوْرَاةُ . وَفِي الْفُرْقَانِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ النَّصْرُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، فَيَكُونُ الْفُرْقَانُ نَعْتًا لِلتَّوْرَاةِ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الْكِتَابُ ، فَكَرَّرَهُ بِغَيْرِ اللَّفْظِ . قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

فَأَلْقَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا

وَقَالَ عَنْتَرَةُ:


أَقْوَى وَأَفْقَرَ بَعْدَ أُمِّ الْهَيْثَمِ


هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ ، وَاخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ فَرَقَ الْبَحْرَ لَهُمْ ، ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ ، وَالزَّجَّاجُ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ . وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ الْقُرْآَنُ . وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ، وَمُحَمَّدًا الْفُرْقَانَ ، ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ ، وَهُوَ قَوْلُ قُطْرُبٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ ص: 82 ] الْقَوْمُ: اسْمٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٌ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٌ [ الْحُجُرَاتُ: 11 ] . وَقَالَ زُهَيْرٌ:


وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي أُقَوْمٌ آَلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ؟!


وَإِنَّمَا سُمُّوا قَوْمًا ، لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِالْأُمُورِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَانَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَكْسِرُونَ الْهَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاسٍ وَلَا تَخْفِيفٍ . وَرَوَى الْيَزِيدِيُّ وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: (بَارِئِكُمْ) بِجَزْمِ الْهَمْزَةِ . رَوَى عَنْهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ: "بَارِئِكُمْ" مَهْمُوزَةً غَيْرَ مُثَقَّلَةٍ . وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كَانَ أَبُو عُمَرَ يَخْتَلِسُ الْحَرَكَةَ فِي: "بَارِئِكُمْ" وَ: "يَأْمُرُكُمْ" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَالَى فِيهِ الْحَرَكَاتُ ، فَيَرَى مِنْ سَمْعِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْكَنَ وَلَمْ يَسْكُنْ .

وَالْبَارِئُ: الْخَالِقُ . وَمَعْنَى فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ لِيَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ خُوطِبَ بِهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْكُلِّ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْ لِيَقْتُلَ مَنْ عَبَدَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْعَابِدِينَ فَحَسْبُ ، أَمَرُوا أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ . وَفِيٌّ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ "ذَا" فِي "ذَلِكُمْ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْقَتْلِ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى التَّوْبَةِ .

الْإِشَارَةُ إِلَى قِصَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالُوا لِمُوسَى: كَيْفَ يَقْتُلُ الْآَبَاءُ الْأَبْنَاءَ ، وَالْإِخْوَةُ الْإِخْوَةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ظُلْمَةً لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَقَالُوا: فَمَا آَيَةُ تَوْبَتِنَا؟ [ ص: 83 ] قَالَ أَنْ يَقُومَ السِّلَاحُ فَلَا يَقْتُلُ ، وَتُرْفَعَ الظُّلْمَةُ . فَقَتَلُوا حَتَّى خَاضُوا فِي الدِّمَاءِ ، وَصَاحَ الصِّبْيَانُ: يَا مُوسَى : الْعَفْوَ الْعَفْوَ . فَبَكَى مُوسَى ، فَنَزَلَتِ التَّوْبَةُ ، وَقَامَ السِّلَاحُ ، وَارْتَفَعَتِ الظُّلْمَةُ . قَالَ مُجَاهِدٌ: بَلَغَ الْقَتْلَى سَبْعِينَ أَلْفًا . قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ الْقَتْلَ لِلْقَتِيلِ شَهَادَةً ، وَلِلْحَيِّ تَوْبَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

فِي الْقَائِلِينَ لِمُوسَى ذَلِكَ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمُ السَّبْعُونَ الْمُخْتَارُونَ ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَاهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً; فَيَقُولُ هَذَا كِتَابِي . وَفِي "جَهْرَةً" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ ، أَيْ: جَهَرُوا بِذَلِكَ الْقَوْلِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا الرُّؤْيَةُ الْبَيِّنَةُ ، أَيْ: أَرَنَاهُ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ عَنَّا بِشَيْءٍ ، يُقَالُ: فَلَانٌ يَتَجَاهَرُ بِالْمَعَاصِي ، أَيْ: لَا يَسْتَتِرُ مِنَ النَّاسِ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَمَعْنَى "الصَّاعِقَةِ": مَا يُصْعَقُونَ مِنْهُ ، أَيْ: يَمُوتُونَ . وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ مَاتُوا ، قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَمُوتُوا ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ ، فَقَالَ هُنَاكَ: فَلَمَّا أَفَاقَ وَقَالَ هَاهُنَا: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ وَالْإِفَاقَةُ لِلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ ، وَالْبَعْثِ لِلْمَيِّتِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَيْفَ يَقَعُ مَيِّتًا . وَالثَّانِي: يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ إِلَى إِحْيَاءِ بَعْضٍ . وَالثَّالِثُ: تَنْظُرُونَ الْعَذَابَ كَيْفَ يَنْزِلُ بِكُمْ ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [ ص: 84 ] (الْغَمَامَ): السَّحَابُ ، سُمِّيَ غَمَامًا ، لِأَنَّهُ يَغِمُّ السَّمَاءَ ، أَيْ: يَسْتُرُهَا ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّيْتَهُ فَقَدْ غَمَمْتَهُ ، وَهَذَا كَانَ فِي التِّيهِ . وَفِي الْمَنِّ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ فَيَأْكُلُهُ النَّاسُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالضَّحَّاكُ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ التَّرَنْجَبِينُ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ صَمْغُهُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّبَّ الْغَلِيظَ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ . وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ شَرَابٌ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ . وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ خُبْزُ الرُّقَاقِ مِثْلُ الذُّرَةِ ، أَوْ مِثْلُ النَّقِيِّ ، قَالَهُ وَهْبٌ . وَالسَّابِعُ: أَنَّهُ عَسَلٌ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ الزَّنْجَبِيلُ قَالَهُ السُّدِّيُّ .

وَفِي السَّلْوَى قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طَائِرٌ ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُشْبِهُ السُّمَانَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ السُّمَانَى . وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْعَسَلُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، وَأَنْشَدَ:


وَقَاسَمَهَا بِاللَّهِ جَهْدًا لَأَنْتُمْ أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا


قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا ظَلَمُونَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَقَصُونَا وَضَرُّونَا ، بَلْ ضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ .

فِي الْقَائِلِ لَهُمْ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِينَ سَنَةً . وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُوشَعُ بْنُ نُونَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى . وَالْقَرْيَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْجَمْعِ ، وَمِنْهُ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ . وَالْمِقْرَاةُ: الْحَوْضُ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ . وَفِي الْمُرَادِ بِ: هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا أَرِيحَا . قَالَ السُّدِّيُّ: وَأَرِيحَا: هِيَ أَرْضٌ بَيْنَ الْمَقْدِسِ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا قَرْيَةٌ مِنْ أَدَانِي قُرَى الشَّامِ ، قَالَهُ وَهْبٌ .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]