عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 17-12-2021, 11:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (14)

صــ67 إلى صــ 72

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَيْ: بِالْأَكْلِ لَا بِالدُّنُوِّ مِنْهَا .

فِي الشَّجَرَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا السُّنْبُلَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ ، وَوَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، وَقَتَادَةَ ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، وَمُقَاتِلٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْكَرَمُ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَجَعْدَةَ وَبْنِ هُبَيْرَةَ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا التِّينُ ، رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَابْنِ جُرَيْجٍ .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا شَجَرَةٌ يُقَالُ: لَهَا شَجَرَةُ الْعِلْمِ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالْخَامِسُ: أَنَّهَا شَجَرَةُ الْكَافُورِ ، نُقِلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .

وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، رُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ .

وَقَدْ ذَكَرُوا وَجْهًا سَابِعًا عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى جِنْسِهَا . [ ص: 67 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ .

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَيُقَالُ: ظَلَمَ الرَّجُلُ سِقَاءَهُ إِذَا سَقَاهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ زُبْدُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ:


وَصَاحِبُ صِدْقٍ لَمْ تَرِبْنِي شَكَاتُهُ ظَلَمْتُ وَفِي ظُلْمِي لَهُ عَامِدًا أَجْرُ


أَرَادَ بِالصَّاحِبِ: وَطْبُ اللَّبَنِ ، وَظُلْمُهُ إِيَّاهُ: أَنْ يَسْقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ زُبْدُهُ .

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هُوَ أَظْلَمُ مِنْ حَيَّةٍ ، لِأَنَّهَا تَأْتِي الْحَفْرَ الَّذِي لَمْ تَحْفِرْهُ فَتَسْكُنُهُ ، وَيُقَالُ: قَدْ ظَلَمَ الْمَاءُ الْوَادِي: إِذَا وَصَلَ مِنْهُ إِلَى مَكَانٍ لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إِلَيْهِ فِيمَا مَضَى . فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ بِالنَّهْيِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ابْتِلَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَادَ .

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ لَهَا ثِقَلٌ مِنْ بَيْنِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْهَا ، قِيلَ: اخْرُجْ إِلَى الدَّارِ الَّتِي تَصْلُحُ لِمَا يَكُونُ مِنْكَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ .

أَزَلَّهُمَا بِمَعْنَى: اسْتَزَلَّهُمَا ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: (فَأَزَالُهُمَا) ، أَرَادَ: نَحَّاهُمَا . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَمَّا كَانَ مَعْنَى اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ اثْبُتَا فِيهَا ، فَثَبَتَا; قَابَلَ حَمْزَةُ الثَّبَاتَ بِالزَّوَالِ الَّذِي يُخَالِفُهُ ، وَيُقَوِّي قِرَاءَتَهُ: فَأَخْرَجَهُمَا .

وَالشَّيْطَانُ: إِبْلِيسُ ، وَأُضِيفَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ السَّبَبُ . وَفِي هَاءِ (عَنْهَا) ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى الْجَنَّةِ . وَالثَّانِي: تَرْجِعُ إِلَى الطَّاعَةِ . وَالثَّالِثُ: تَرْجِعُ إِلَى الشَّجَرَةِ . فَمَعْنَاهُ: فَأَزَلَّهُمَا بِزِلَّةٍ صَدَرَتْ عَنِ الشَّجَرَةِ .

وَفِي كَيْفِيَّةِ إِزْلَالِهِ لَهُمَا ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ احْتَالَ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِمَا الْجَنَّةَ ، وَكَانَ الَّذِي أَدْخَلَهُ الْحَيَّةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالسُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، وَنَادَاهُمَا ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ وَسْوَسَ إِلَيْهِمَا ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُخَاطِبَةٍ [ ص: 68 ] وَلَا مُشَاهَدَةٍ ، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَفِيهِ بَعْدُ . قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَجْوَدُ: أَنْ يَكُونَ خَاطَبَهَا ، لِقَوْلِهِ: (وَقَاسَمَهُمَا) .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْصِيَةِ آَدَمَ بِالْأَكْلِ ، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ نُهِيَ عَنْ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا ، فَأَكَلَ مِنْ جِنْسِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ: تَأَوَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي النَّهْيِ دُونَ التَّحْرِيمِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ الْهُبُوطُ بِضَمِّ الْهَاءِ: الِانْحِدَارُ مِنْ عُلُوٍّ ، وَبِفَتْحِ الْهَاءِ: الْمَكَانُ الَّذِي يَهْبِطُ فِيهِ ، وَإِلَى مَنِ انْصَرَفَ هَذَا الْخِطَابُ؟ فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا: أَنَّهُ انْصَرَفَ إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَالْحَيَّةِ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةِ ، حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ: إِلَى آَدَمَ وَإِبْلِيسَ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالرَّابِعُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالْخَامِسُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتِهِمَا ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ . وَالسَّادِسُ: إِلَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ فَحَسْبُ ، وَيَكُونُ لَفْظُ الْجَمْعِ وَاقِعًا عَلَى التَّثْنِيَةِ ، كَقَوْلِهِ: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ: 78 ] ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ، وَهُوَ الْعِلَّةُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ أُهْبِطُوا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أُهْبِطُوا جُمْلَةً ، لَكِنَّهُمْ نَزَلُوا فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، قَالَهُ كَعْبٌ ، وَوَهْبٌ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أُهْبِطُوا مُتَفَرِّقِينَ ، فَهَبَطَ إِبْلِيسُ قَبْلَ آَدَمَ ، وَهَبَطَ آَدَمُ بِالْهِنْدِ ، وَحَوَّاءُ بِجَدَّةٍ ، وَإِبْلِيسُ بِالْأَبُلَّةِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُهْبِطَتِ الْحَيَّةُ بِنَصِيبَيْنِ ، قَالَ: وَأَمَرَ اللَّهِ تَعَالَى جِبْرِيلُ بِإِخْرَاجِ آَدَمَ ، فَقَبَضَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخَلَّصَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَبَضَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ ارْفُقْ بِي . قَالَ جِبْرِيلُ: إِنِّي لَا أَرْفُقُ بِمَنْ عَصَى اللَّهَ ، فَارْتَعَدَ آَدَمُ وَاضْطَرَبَ ، وَذَهَبَ كَلَامُهُ ، وَجِبْرِيلُ يُعَاتِبُهُ فِي مَعْصِيَتِهِ ، وَيُعَدِّدُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قَالَ: [ ص: 69 ] وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ضَحْوَةً ، وَاخْرُجْ مِنْهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، فَمَكَثَ فِيهَا نِصْفَ يَوْمٍ ، خَمْسَمِائَةِ عَامٍ مِمَّا يَعُدُّ أَهْلُ الدُّنْيَا .

وَفِي الْعَدَاوَةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّ ذَرِّيَّةَ بَعْضِهِمْ أَعْدَاءٌ لِبَعْضٍ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ . وَالثَّانِي: أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لِآَدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَهَمَا لَهُ عَدُوٌّ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّالِثُ: أَنَّ إِبْلِيسَ عَدُوٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ .

وَفِي الْمُسْتَقَرِّ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُبُورُ ، حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: مَوْضِعٌ الِاسْتِقْرَارِ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَابْنُ زَيْدٍ ، وَالزَّجَّاجُ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَهُوَ أَصَحُّ .

وَالْمَتَاعُ: الْمَنْفَعَةُ . وَالْحِينُ: الزَّمَانُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِلَى حِينٍ) ، أَيْ: إِلَى فِنَاءِ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

تَلَقَّى: بِمَعْنَى أَخَذَ ، وَقَبِلَ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ [وَسَيَتَقْبِلَهُ ] بِكَلَامٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَفَعَلَ [ذَلِكَ آَدَمُ ] فَتَابَ عَلَيْهِ . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: " فَتَلَقَّى آدَمَ " بِالنَّصْبِ ، " كَلِمَاتٌ " : بِالرَّفْعِ; عَلَى أَنَّ الْكَلِمَاتِ هِيَ الْفَاعِلَةُ .

وَفِي الْكَلِمَاتِ أَقْوَالٌ .

أَحَدُهَا: أَنَّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ الْأَعْرَافِ: 23 ] . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَابْنُ زَيْدٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: أَيْ: رَبِّ; أَلَمْ تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَلَمْ تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ إِلَيَّ قَبْلَ غَضَبِكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَلَمْ [ ص: 70 ] تُسْجِدْ لِي مَلَائِكَتَكَ ، وَتُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ: بَلَى . قَالَ: أَيْ: رَبِّ [أَرَأَيْتَ ] إِنْ تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ ، أَرَاجِعِي أَنْتَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ . حَكَاهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي ، فَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ، [اللَّهُمَّ ] لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَدْ ذُكِرَتْ أَقْوَالٌ مِنْ كَلِمَاتِ الِاعْتِذَارِ تُقَارِبُ هَذَا الْمَعْنَى .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَابَ عَلَيْهِ .

أَصْلُ التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ ، فَالتَّوْبَةُ مِنْ آَدَمَ: رُجُوعُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: رُجُوعُهُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ ، وَالثَّوَابُ الَّذِي كُلَّمَا تَكَرَّرَتْ تَوْبَةُ الْعَبْدِ تَكَرَّرَ قَبُولُهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ حَوَّاءُ فِي التَّوْبَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِرْ لَهَا ذِكْرٌ ، لَا أَنَّ تَوْبَتَهَا لَمْ تُقْبَلْ . وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا كَانَ مَعْنَى فِعْلِ الِاثْنَيْنِ وَاحِدًا; جَازَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدُهُمَا وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَهُمَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [ التَّوْبَةِ: 63 ] وَقَوْلُهُ: فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [ طه: 117 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ :

فِي إِعَادَةِ ذِكْرِ الْهُبُوطِ- وَقَدْ تَقَدَّمَ- قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُعِيدَ لِأَنَّ آَدَمَ أُهْبِطَ إِهْبَاطَيْنِ ، أَحَدُهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ ، وَالثَّانِي مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ . وَأَيُّهُمَا الْإِهْبَاطُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا كَرَّرَ الْهُبُوطَ تَوْكِيدًا .

[ ص: 71 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمَّا قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ "إِنَّ" الَّتِي لِلْجَزَاءِ ، ضُمَّتْ إِلَيْهَا "مَا" وَالْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ "إِنَّ مَا" مَفْصُولَةٌ ، وَلَكِنَّهَا مُدْغَمَةٌ ، وَكُتِبَتْ عَلَى الْإِدْغَامِ ، فَإِذَا ضُمَّتْ "مَا" إِلَى "إِنْ" لَزِمَ الْفِعْلُ النُّونَ الثَّقِيلَةَ أَوِ الْخَفِيفَةَ . وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ النُّونُ لِأَنَّ "مَا" تَدْخُلُ مُؤَكَّدَةً ، وَدَخَلَتِ النُّونُ مُؤَكَّدَةً أَيْضًا ، كَمَا لَزِمَتِ اللَّامُ النُّونَ فِي الْقَسَمِ فِي قَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ ، وَجَوَابُ الْجَزَاءِ الْفَاءُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِـ "الْهُدَى" هَاهُنَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الرَّسُولُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُقَاتِلٌ .

وَالثَّانِي: الْكِتَابُ ، حَكَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ .

وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلَا خَوْفَ: بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ . وَالْمَعْنَى: فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الْعَذَابِ ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ . وَالْخَوْفُ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ، وَالْحُزْنُ لِأَمْرٍ مَاضٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فِي مَعْنَى الْآَيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْعَلَامَةُ ، فَمَعْنَى آَيَةٍ: عَلَامَةٌ لِانْقِطَاعِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا ، وَالَّذِي بَعْدَهَا ، قَالَ الشَّاعِرُ:


أَلَا أَبْلِغْ لَدَيْكَ بَنِي تَمِيمٍ بِآَيَةِ مَا يُحِبُّونَ الطَّعَامَا


وَقَالَ النَّابِغَةُ:


تَوَهَّمْتُ آَيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامِ سَابِعُ


وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ .

وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ آَيَةً ، لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآَنِ ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُ . قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ بِآَيَاتِهِمْ ، أَيْ: بِجَمَاعَتِهِمْ . وَأَنْشَدُوا:


خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لَا حَيَّ مِثْلُنَا بِآَيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ الْمَطَافِلَا
[ ص: 72 ] . وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ آَيَةً ، لِأَنَّهَا عَجَبٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَارِئَهَا يَسْتَدِلُّ إِذَا قَرَأَهَا عَلَى مُبَايَنَتِهَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: فَلَانٌ آَيَةً مِنَ الْآَيَاتِ; أَيْ: عَجَبٌ مِنَ الْعَجَائِبِ . ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ .

فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: آيَاتُ الْكُتُبِ الَّتِي تُتْلَى . وَالثَّانِي: مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ ، . وَالثَّالِثُ: الْقُرْآَنُ . وَالرَّابِعُ: دَلَائِلُ اللَّهِ فِي مَصْنُوعَاتِهِ . وَأَصْحَابُ النَّارِ: سُكَّانُهَا ، سُمُّوا أَصْحَابًا ، لِصُحْبَتِهِمْ إِيَّاهَا بِالْمُلَازَمَةِ .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]