غزوة أوطاس: أحداث دلالات
محمد السيد حسن محمد
كانت غزوة غزوة أوطاس: أحداث دلالات بعد غزوة حنين، وسببها محاولة هوازن من ثقيف أن تثأر لهزيمتها على أيدي المؤمنين يوم حنين.
لكن هذا لم يحدث، وإذ تكبدوا هزيمة نكراءَ أخرى، ولتنضاف إلى هزيمة يوم حنين، وليكون الاندحار مركبًا، فيعمل فيهم عمله؛ من خزيهم، ومن حمقهم، ومن سفههم، وحين أخذتهم جرأتهم، بل رعونتهم، ولما لم يحسبوا حساباتهم العسكرية بدقة، ومن خلال واقعهم المهزوم، ما زال جرحهم نازفًا!
وهذا درس حاسم للمنهزم، ألا يطل برأسه من جديد، ولربما كان رأسًا أينعت، فحان قطافها!
أو على الأقل إن شئت فقل، وريثما يعيد ترتيب أوراقه من خطط جديدة، ولتتلاءم مع وضع جديد، وإذ كان نتاج رعونته خزيه، وإذ كان من حمقه شينه واندحاره وانهزامه، وحين ناصب الله تعالى العداء، وعلى الحقيقة وإن ظن سوءًا أنه يحارب نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم وحزبه! وهذه آفة كل جواظ عتو متكبر جبار.
لكن هذا وفي معزل عن جندنا، ولأنهم يتكيفون مع كل واقع جديد، ولأنهم يعملون بنور ربهم، وعن عون منه وسند سبحانه.
فالتأمل التأملَ!
والتأني التأني!!!
والتهور التهور!!!
هذا شريد أبي عامر:
وهذا هو قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم أوطاس، يوم أن راحت فلول هوازن ثقيف تجر أذيال خيبتها، وبعد هزيمة ثلاثين ألفًا، وأمام جند الله تعالى البواسل، وإذ كان عدادهم اثني عشر ألفًا، ولتعلم هوازن ثقيف وغير هوازن ثقيف، وعلى مدار الزمان والمكان كليهما - أن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العقاب، وإذ كانت هذه هي سننه الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل، وحين تدك حصون الكفر، وأمام جند الله تعالى المخلصين، وحين أوحى الله تعالى ربنا إلى الملائكة الكرام البررة المنزلين، وليقوموا بواجب نصرتهم، لعبيد الله تعالى وأوليائه، وعلى أرض الميدان، وإذ ها هو جبريل أحدهم، وإذ إن له ستمائة جناح، لو بسط اثنين منهما لملأ الأفق! بل سد الأفق!! وبينهما فارق عظيم، وكما بين جناحيه عليه السلام وجناح طائر من طيور أرضنا الممهدة المنبسطة لنا! نعمة من ربنا! وكما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ [البقرة:165].
وإذ ها هم فلول يتتبعون أعالي جبال الطائف، وفي محاولة بائسة يائسة، وأن يلملموا بعض أوراقهم المبعثرة، وبدل أن يكون من أخذهم الدرس إسلامهم، وإذ ها هم أولاء يتعرضون بأنفسهم، وأمام أبي عامر الأشعري، وحين لوى على عشرة إخوة ليحصدهم حصدًا، واحدًا ومن بعد أخيه الآخر، وفي كل مرة يقول: اللهم اشهد عليه، وحتى أتى عاشرهم فانفلت، وثم عاد مسلمًا، ومن بين يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين أسلم بعدُ، وحسن إسلامه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: هذا شريد أبي عامر! وفي واقعة تشهد لأبي عامر يوم فعله هذا؛ لأنه ما قدم على فعل ما فعل إلا لله تعالى العلي الأعلى سبحانه.
وهذا دريد بن الصمة، وكان قد بلغ عمرًا طويلًا، ويكأن الله تعالى لم يمنن عليه بإسلامه، ولحكمة يعلمها الله تعالى، وإذ كان يعد حكيمًا في قومه، ومثل هذه الحكمة أن تتشرب الحق تشربا، وأن تتفاعل معه، وله، فتغترف من هديه، وتتنشق من رحيقه، وتتنسم من عليله، وتتسنم ظلاله، وإذ بها تعلو مرفرفة آفاق المجد والعلا، وحين ختمت حياتها بميلاد يوم النشأة الجديد، ويوم أن أسلمت وجهها لله، وهي محسنة.
لكنك تعجب! وأيما عجب! وحين يدغدغ دريد بن الصمة هذا مشاعر ذات نفسه، وهو إذ يشرح لربيعة بن رافع السلمي، وحين ضربه بسيفه، فلم يغن شيئًا.
وليقول له دريد: بئس ما سلحتك أمك! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال!
ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب والله يوم منعت فيه نساءك، فزعم بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس، من ركوب الخيل أعراء.
فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه، فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثًا[1].
وفيه أن أعمال البر ليست تغني عن العبد شيئًا، وحين لا يكون موسومًا بالعلم والتقوى والصلاح ومنابذة الأعداء، ومن بعد إسلام وجهه لله تعالى وهو محسن، ولأنه الله تعالى ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان:23].
وغير أن هذا صلف وكبر، وحين يموت هذا الرجل، وعلى سنه ذلك، وإذ كان أولى له أن يشهد شهادة الحق! ولكن هكذا الشيطان، وحين يمثل للكبار، ولما يشخص للصغار، وكما من شأنه يوم دريد هذا، وكما أن يوم أبي طالب عنا ليس بعيدًا!
وأقول: إن يوم أوطاس هذا كان هزيمة، ولا كهزيمة جيش جرار، وأمام نده، ومن قول، وإنما هي هزيمة! ومن نوع آخر تمامًا! ومن بعد هزيمة يوم حنين، وإذ وكما أنف، وكيف حسب هذا الأحمق عامر بن مالك النصري، وأنه يمكنه أن يستعيد مجدا قد كان؟! وهو إذ يواجهه قوم لا قبل له بهم؟! أو بأحدهم! ومن أمثال أبي عامر الأشجعي! واحدًا من هؤلاء الجبال الرواسي، بل أشد بأسًا من تيكم الجبال الرواسي، وحين دكت معادنهم الاثني عشر ألفًا الثلاثين ألفًا! وفي عقر دارهم! يوم حنين، وها هم يطلون برؤوسهم، ومن قرب مكة البلد الحرام، ومن وراء الطائف، ولحكمة يعلمها الله تعالى، أنهم جاؤوا إلى حيث هنا، وليعمل أهل الطائف ذعرًا، وحين يدفن أهل أوطاس في جبالها، ومن أمامهم، وأن يومهم ومن كمثلهم لقريب!
وهذه مهارة عسكرية، وحين يخوف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الخصم بخصم آخر، ويبدو أن هذا نظام عسكري نبوي حميد، وخاصة لأننا لمسناه في غير هذا الموضع، ومن هذه السيرة النبوية المباركة، وإذ ليست عنا دومة الجندل ببعيدة، وحين أخاف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بها بني تميم، وإذ أخاف أيضًا بها قيصر الروم، وحين دب الذعر من فرائصه، وحين قد سمع صراخ بني تميم، ومن صراخ دومة الجندل أيضًا! وإذ ويكأنك تراه ليس يكاد يمشي أو يسير، وليعثر هنا مرة، ولينكفئ هناك الكرة! وحين غلبه بوله! ومن رعدته وخوفه وذعره!
وهذا لعمري هو الإعجاز، وبعينيه لا عين واحدة! ولأن يوم الفنون العسكرية، ولأن يوم الجهبذة التعبوية لم يزل خالدا أبدًا، وماثلًا أبدًا أيضًا؛ ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وبأيديهم هم، لا بأيدي المؤمنين وحسب.
ولسنا ننسى أيضًا يوم بني النضير، وإذ ما زال حاضرًا، وكأنما هو عمل اليوم! وحين خربوا بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وحين قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر:2].
* * *
« يا ابن أخي أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس »:
وهذا قول أبي عامر الأشجعي، يوم أوطاس، ويوم أن أبلى في الله تعالى البلاء الحسن، وكما أنه أوجب، وحين باع نفسه كريمة لله تعالى العلي الأعلى سبحانه، وحين كان هذا الجيل، وكل جيل مسلم آخر، يرى الجنة، تحت ظلال السيوف، وكما أنها أيضًا في محاريب العلم، وحين تنفر كل طائفة على وجهها، فهذه تقاتل في سبيل الله، وهذه تتلقى علما في سبيل الله تعالى أيضا، وكل على ثغر، وفي ترتيب أمة ماهرة، وفي ضبط قيادة ساهرة، وإذ كل ينهض بما تمثل له من دوره وعمله، وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة:122]، ومن جانب آخر يقول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال:60]، وإذ وحين لزوم الأمر، يتعانق السيف مع الكتاب، وحين يتبادلان معا أعنة رماحهم، وأغماد سيوفهم؛ قضًّا لمضاجع الكفران، ورفعًا لأعلام الهدى والإسلام والفرقان والإيمان!
وإذ كان بالعلم تعرف الأمة طريقها، ولتفعل هذا، وعن علم، ولتترك هذا، وعن فقه، ولتجاهد هذا، وعن بينة، ولتقاتل هذا، وعن حجة ودليل وبرهان، والعلم والجهاد هما عمادًا ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها، وهما موجبا التقدم لا التقهقر، وهما سببا السعادة لا الشقاء، وهما ذراعا الحضارة لا التأخر، وشرط أن يكون كل ذلك لله تعالى، وخشية أن يكون صاحب هذا، أو ولي ذلك من أول من تسعر بهم النيران!! وعلى حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الشأن.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ، ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المالِ، فيقولُ اللَّهُ للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي، قالَ بلى يا ربِّ، قالَ فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ، قالَ كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ، وتقولُ الملائِكةُ كذَبتَ، ويقولُ له اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ، فقد قيلَ، ذلكَ ويؤتى بصاحبِ المالِ، فيقولُ اللَّهُ ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ، قالَ بلى يا ربِّ، قالَ فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك، قالَ كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ، وتقولُ الملائِكةُ لَه كذَبتَ، ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جَوادٌ وقد قيلَ ذلكَ، ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ، فيقولُ اللَّهُ لَه في ماذا قُتلتَ، فيقولُ أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك، فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ، فيقولُ اللَّهُ لَه كذبتَ، وتقولُ لَه الملائِكةُ كذبتَ، ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ، فقد قيلَ ذلكَ، ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى رُكبتي، فقالَ يا أبا هريرةَ أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامة[2].
وعود على خبر أبي عامر الأشجعي، وحين قدمت نفسه طريحًا بين يدي صاحبه، وإذ يرمق من رمقه الأخير، وبعد أن كان نصر يوم أوطاس من سببه، ويوم أن كان فوز يومه ذلك من بذله، وإلا أنه يودع دنياه، ويطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يستغفر له، وهذه المغفرة هي ذلكم الهدف الذي يصبو إليه كل عبد قانت، وهذه المغفرة هي التي حولها يدندن كل منيب تائب.
وبيد أننا نقرأ ملامح الإخبات والخضعان والخشعان، وحين تبدى من قول أبي عامر الأشجعي رضي الله تعالى عنه، وإذ كان له شرف التكليف، من القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسلامية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يوم أوطاس هذا.
بيد أننا نندهش، وحق لنا ذلك! ويوم أن قتل التسعة الإخوة، وما بقي منهم إلا واحد، وليكون له شرف نيل الشهادة ومن سببه!
وإلا أننا نزداد دهشة، وحين يطلب أبو عامر من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له وأمامه عمله هذا، وإذ مات شهيدًا! وإذ كان جزاء الشهداء عند ربهم عظيمًا، وأنهم لأحياء عند ربهم يرزقون، وكما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران:169].
وإلا أننا أيضًا نجيب على ذلكم، وحين يسعفنا الرد، أن هؤلاء قوم، كان عملهم لله.
ودل على قيام أبي عامر بمهمته، لا أننا وهكذا نراه مسجى بين يدي الله تعالى وحسب، وإلا أننا أيضًا نشهد ومع الملائكة الكرام الكتبة البررة، أنه قدم لنا مرحلة من مراحل الفوز العظيم، وحين كان نصرًا، يوم أوطاس، ومن سببه وقيادته وبلائه وعمله في الله تعالى العمل العسكري الحاسم، والنبل القتالي الفائق!
وإلا أن هذا ليس يصرفنا عن بيان حال هذا القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسلامية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم أن راح إليه عبدالله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وليخبره وصية أخيه في الله تعالى أبي عامر الأشجعي، وأن يستغفر له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وهذا حاله، وقد قام بواجب القتال، وحين رأته ملائكة السماء الكرام الكتبة البررة، وهكذا مسجى، من ضربة سيف، أو من طعنة رمح.
وإذ لا زال الاندهاش قائمًا مقامه!
وأي استغفار طلب أبو عامر الأشجعي؟! وها هو إذ تحمله ملائكة الرحمة حملًا، وإلى جنات عرضها السماوات والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم؟!
وإذ ليس أمامنا إلا ذلكم الاستغفار، الذي كان ديدنًا لهم ونظامًا يعيشون عليه، وكأنما كان طعامهم الذي يقتاتون به، أو كأنه كان شرابهم الذي به يرتوون أيضًا، عملًا خالصًا متقبلًا، وحين قد تعلموا ذلكم من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان يمكن أن يكون زيادة طهر، وحين أقبلوا على رب كريم رؤوف رحيم عفو حسن التجاوز سبحانه.
* * *
يتبع