
14-12-2021, 02:50 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (155)
سُورَةُ النَّحْلِ(1)
صـ 326 إلى صـ 330
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ النَّحْلِ
قوله تعالى : أتى أمر الله .
أي : قرب وقت إتيان القيامة .
وعبر بصيغة الماضي ; تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع . واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ، كقوله : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [ 21 \ 1 ] ، وقوله - جل وعلا - : اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، وقوله : وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [ 33 \ 63 ] ، وقوله : وما يدريك لعل الساعة قريب [ 42 \ 17 ] ، وقوله - جل وعلا - : أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة [ 53 \ 75 - 58 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي ; لتحقق وقوعه كثير في القرآن ، كقوله : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات الآية [ 39 \ 68 ] ، وقوله : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار . . . الآية [ 7 \ 44 ] ، وقوله : وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا . . الآية [ 39 \ 69 - 71 ] .
فكل هذه الأفعال الماضية بمعنى الاستقبال ، نزل تحقق وقوعها منزلة الوقوع .
قوله تعالى : فلا تستعجلوه ، نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة ، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة .
والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله - جل وعلا - : ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " [ 29 \ 53 ] ، وقوله : يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [ 29 \ 54 ] ، وقوله : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها [ 42 \ 18 ] ، وقوله : ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه الآية [ 11 \ 8 ] ، وقوله : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب [ 38 \ 16 ] ، [ ص: 327 ] وقوله : قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون [ 10 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
والضمير في قوله : فلا تستعجلوه [ 16 \ 1 ] في تفسيره وجهان :
أحدهما : أنه العذاب الموعد به يوم القيامة ، المفهوم من قوله : أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] .
والثاني : أنه يعود إلى الله ; أي : لا تطلبوا من الله أن يعجل لكم العذاب . قال : معناه ابن كثير .
وقال القرطبي في تفسيره : قال ابن عباس : لما نزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، قال الكفار : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ! فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا فانتظروا فلم يروا شيئا ، فقالوا : ما نرى شيئا ! فنزلت : اقترب للناس حسابهم الآية [ 21 \ 1 ] ، فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ; فامتدت الأيام ، فقالوا : ما نرى شيئا ، فنزلت : أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] ، فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وخافوا ، فنزلت : فلا تستعجلوه فاطمأنوا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها " . اه محل الغرض من كلام القرطبي ، وهو يدل على أن المراد بقوله : فلا تستعجلوه ، أي : لا تظنوه واقعا الآن عن عجل ، بل هو متأخر إلى وقته المحدد له عند الله تعالى .
وقول الضحاك ومن وافقه : إن معنى : أتى أمر الله ، أي : فرائضه وحدوده ، قول مردود ولا وجه له ، وقد رده الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره قائلا : إنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم ، فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . أما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا . اه .
والظاهر المتبادر من الآية الكريمة : أنها تهديد للكفار باقتراب العذاب يوم القيامة مع نهيهم عن استعجاله .
قال ابن جرير في تفسيره : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك ، وذلك [ ص: 328 ] أنه عقب ذلك بقوله : سبحانه وتعالى عما يشركون [ 16 \ 1 ] ، فدل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم . اه .
قوله تعالى : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده .
أظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة : أن المراد بها الوحي ; لأن الوحي به حياة الأرواح ، كما أن الغذاء به حياة الأجسام . ويدل لهذا قوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ 42 \ 52 ] ، وقوله : رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 15 ، 16 ] .
ومما يدل على أن المراد بالروح الوحي ; إتيانه بعد قوله : ينزل الملائكة بالروح [ 16 \ 2 ] بقوله : أن أنذروا [ 16 \ 2 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي ، بدليل قوله : قل إنما أنذركم بالوحي الآية [ 21 \ 45 ] ، وكذلك إتيانه بعد قوله : يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، بقوله : لينذر يوم التلاق الآية [ 40 \ 15 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي أيضا . وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو : " ينزل " - بضم الياء وإسكان النون وتخفيف الزاي - . والباقون بالضم والتشديد . ولفظة : " من " [ 16 \ 2 ] في الآية تبعيضية ، أو لبيان الجنس .
وقوله : على من يشاء من عباده [ 26 \ 2 ] ، أي : ينزل الوحي على من اختاره وعلمه أهلا لذلك .
كما بينه تعالى بقوله : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [ 22 \ 75 ] ، وقوله : الله أعلم حيث يجعل رسالته [ 6 \ 124 ] ، وقوله : يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، وقوله : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده [ 2 \ 90 ] .
وهذه الآيات وأمثالها رد على الكفار في قولهم : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] .
قوله تعالى : أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون .
الأظهر في " أن " من قوله : أن أنذروا أنها هي المفسرة ; لأن إنزال الملائكة بالروح ، أي : بالوحي فيه معنى القول دون حروفه . فيكون المعنى : أن الوحي الذي أنزلت به الملائكة مفسر بإنذار الناس " [ ص: 329 ] بلا إله إلا الله " وأمرهم بتقواه .
وقد أوضح - جل وعلا - هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 26 \ 36 ] ، وقوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] ، وقوله : قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون [ 21 \ 108 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا معنى الإنذار ، ومعنى التقوى .
قوله تعالى : خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون .
بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه هو خالق السماوات والأرض ، وأن من يخلق هذه المخلوقات العظيمة يتنزه ويتعاظم أن يعبد معه ما لا يخلق شيئا ، ولا يملك لنفسه شيئا .
فالآية تدل على أن من يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود ، لا يصح أن يعبد معه من لا يقدر على شيء ; ولهذا أتبع قوله : خلق السماوات والأرض بالحق [ 16 \ 3 ] بقوله : تعالى عما يشركون [ 16 \ 3 ] .
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الآية [ 2 \ 21 ] ; فدل على أن المعبود هو الخالق دون غيره ، وقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقوله : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، وقوله : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا [ 25 \ 1 - 3 ] ، وقوله - جل وعلا - : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين [ 31 \ 11 ] ، وقوله : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات الآية [ 35 \ 40 ] ، وقوله : قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين [ 46 \ 4 ] ، وقوله - جل وعلا - : أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ، [ ص: 330 ] [ 7 \ 191 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له [ 22 \ 73 ] ، وقوله : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض . . . الآية [ 52 \ 35 - 36 ] ، وقوله : والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء الآية [ 16 \ 20 - 21 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
فهذه الآيات تبين أن الذي يستحق أن يعبد هو من يخلق الخلق ، ويبرزهم من العدم إلى الوجود . أما غيره فهو مخلوق مربوب ، محتاج إلى من يخلقه ، ويدبر شئونه .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|