عرض مشاركة واحدة
  #156  
قديم 14-12-2021, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (154)

سُورَةُ الْحِجْرِ(15)
صـ 321 إلى صـ 325




قوله تعالى : وأعرض عن المشركين .

في هذه الآية الكريمة قولان معروفان للعلماء :

أحدهما : أن معنى : وأعرض عن المشركين ، أي : لا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ، ولا يصعب عليك ذلك . فالله حافظك منهم .

والآية على هذا التأويل معناها : ( فاصدع بما تؤمر ) أي : بلغ رسالة ربك ، ( وأعرض عن المشركين ) ، أي : لا تبال بهم ولا تخشهم . وهذا المعنى كقوله تعالى : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [ 5 \ 67 ] .

الوجه الثاني وهو الظاهر في معنى الآية : أنه كان في أول الأمر مأمورا بالإعراض عن المشركين ، ثم نسخ ذلك بآيات السيف . ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين [ 6 \ 106 ] ، وقوله : فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون [ 32 \ 30 ] ، وقوله : فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا [ 53 \ 29 ] ، وقوله : ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم [ 33 \ 48 ] [ ص: 321 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : إنا كفيناك المستهزئين .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه كفى نبيه - صلى الله عليه وسلم - المستهزئين الذين كانوا يستهزئون به وهم قوم من قريش . وذكر في مواضع أخر أنه كفاه غيرهم . كقوله في أهل الكتاب : فسيكفيكهم الله الآية [ 2 \ 137 ] ، وقوله : أليس الله بكاف عبده . . . . الآية [ 39 \ 36 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

والمستهزئون المذكورون هم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب .

والآفات التي كانت سبب هلاكهم مشهورة في التاريخ .
قوله تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه يعلم أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - يضيق صدره بما يقول الكفار فيه من : الطعن ، والتكذيب ، والطعن في القرآن . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون [ 6 \ 33 ] ، وقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك [ 11 \ 12 ] ، وقوله : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] ، وقوله : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ 26 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا شيئا من ذلك من " الأنعام " .
قوله تعالى : فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين .

أمر - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية بأمرين : أحدهما قوله : فسبح بحمد ربك [ 15 \ 98 ] ، والثاني قوله : وكن من الساجدين [ 15 \ 98 ] .

وقد كرر تعالى في كتابه الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية الكريمة ، كقوله في الأول : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ 110 \ 3 ] ، وقوله : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها [ 20 \ 130 ] ، وقوله : فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار [ 40 \ 55 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة .

وأصل التسبيح في اللغة : الإبعاد عن السوء . ومعناه في عرف الشرع : تنزيه الله [ ص: 322 ] - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله . ومعنى : " سبح " : نزه ربك - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله . وقوله بحمد ربك ، أي في حال كونك متلبسا بحمد ربك ، أي : بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال ; لأن لفظة : بحمد ربك أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله - جل وعلا - . فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال ; لأن الكمال يكون بأمرين :

أحدهما : التخلي عن الرذائل ، والتنزه عما لا يليق ، وهذا معنى التسبيح .

والثاني التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال ، وهذا معنى الحمد ، فتم الثناء بكل كمال .

ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) ) ، وكقوله في الثاني وهو السجود : كلا لا تطعه واسجد واقترب [ 96 \ 19 ] ، وقوله : ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا [ 76 \ 26 ] ، وقوله : واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ 41 \ 37 ] ، ويكثر في القرآن العظيم إطلاق التسبيح على الصلاة .

وقالت جماعة من العلماء : المراد بقوله : فسبح بحمد ربك [ 15 \ 98 ] ، أي : صل له ، وعليه فقوله : وكن من الساجدين ، من عطف الخاص على العام ، والصلاة تتضمن غاية التنزيه ومنتهى التقديس . وعلى كل حال فالمراد بقوله : وكن من الساجدين ، أي : من المصلين ، سواء قلنا إن المراد بالتسبيح الصلاة ، أو أعم منها من تنزيه الله عما لا يليق به ; ولأجل كون المراد بالسجود الصلاة لم يكن هذا الموضع محل سجدة عند جمهور العلماء ، خلافا لمن زعم أنه موضع سجود .

قال القرطبي في تفسيره : قال ابن العربي : ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه ، فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن ، وقد شاهدت الإمام بمحراب زكريا من البيت المقدس - طهره الله - يسجد في هذا الموضع ، وسجدت معه فيه ، ولم يره جماهير العلماء .

قلت : قد ذكر أبو بكر النقاش : أن هاهنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن رئاب ، ورأى أنها واجبة . انتهى كلام القرطبي .

وقد تقدم معنى السجود في سورة ( ( الرعد ) ) ، وعلى أن المراد بالتسبيح الصلاة ; فالمسوغ لهذا الإطناب الذي هو عطف الخاص على العام هو أهمية السجود ; لأن أقرب [ ص: 323 ] ما يكون العبد من ربه في حال كونه في السجود .

قال مسلم في صحيحه : وحدثنا هارون بن معروف ، وعمرو بن سواد ، قالا : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ، عن سمي مولى أبي بكر ، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ; فأكثروا الدعاء " .

تنبيه

اعلم أن ترتيبه - جل وعلا - الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره - صلى الله عليه وسلم - بسبب ما يقولون له من السوء ، دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه ; ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة . وقال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة الآية [ 2 \ 45 ] .

ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث نعيم بن همار - رضي الله عنه - : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله تعالى : يا ابن آدم ، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " ، فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه ; أن يفزع إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من صلاة وغيرها .
قوله تعالى : واعبد ربك

. أمر الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يعبد ربه ، أي : يتقرب له على وجه الذل والخضوع والمحبة ، بما أمر أن يتقرب له به من جميع الطاعات على الوجه المشروع . وجل القرآن في تحقيق هذا الأمر الذي هو حظ الإثبات من لا إله إلا الله ، مع حظ النفي منها . وقد بين القرآن أن هذا لا ينفع إلا مع تحقيق الجزء الثاني من كلمة التوحيد ، الذي هو حظ النفي منها ، وهو خلع جميع المعبودات سوى الله تعالى في جميع أنواع العبادات ; قال تعالى : فاعبده وتوكل عليه [ 11 \ 123 ] ، وقال فاعبده واصطبر لعبادته [ 19 \ 65 ] ، وقال : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا [ 4 \ 36 ] ، وقال فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى [ 2 \ 256 ] ، وقال : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ 12 \ 106 ] ، والآيات في مثل ذلك كثيرة جدا .
قوله تعالى : حتى يأتيك اليقين .

قالت جماعة من أهل العلم ، منهم سالم بن عبد الله بن عمر ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم : [ ص: 324 ] اليقين : الموت ، ويدل لذلك قوله تعالى : قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين [ 74 \ 43 - 47 ] ، وهو : الموت .

ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أم العلاء ( امرأة من الأنصار ) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت أم العلاء : رحمة الله عليك أبا السائب ! فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله قد أكرمه " ؟ فقالت : بأبي وأمي يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : " أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير . . " الحديث . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن اليقين الموت . وقول من قال : إن المراد باليقين انكشاف الحقيقة ، وتيقن الواقع لا ينافي ما ذكرنا ; لأن الإنسان إذا جاءه الموت ظهرت له الحقيقة يقينا . ولقد أجاد التهامي في قوله :



والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري


وقال صاحب الدر المنثور : أخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه ، والديلمي ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن : ( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ 15 \ 98 - 99 ] .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن : " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " .

وأخرج ابن مردويه والديلمي ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أوحي إلي أن أكون تاجرا ولا أجمع المال متكاثرا ، ولكن أوحي إلي أن : " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " .

تنبيهان

الأول : هذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حيا وله عقل ثابت يميز به ، فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته . فإن لم يستطع الصلاة قائما فليصل قاعدا ، فإن لم [ ص: 325 ] يستطع فعلى جنب ، وهكذا قال تعالى عن نبيه عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - : ‎وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ 19 \ 31 ] ، وقال البخاري في صحيحه " باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب " ، وقال عطاء : إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة ، صلى حيث كان وجهه ، حدثنا عبدان عن عبد الله ، عن إبراهيم بن طهمان ، قال : حدثني الحسين المكتب ، عن بريدة ، عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - ، قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ، فقال : " صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب " . اه .

ونحو هذا معلوم ; قال تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 \ 16 ] ، وقال تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم . . . " الحديث .

التنبيه الثاني : اعلم أن ما يفسر به هذه الآية الكريمة بعض الزنادقة الكفرة المدعين للتصوف ، من أن معنى اليقين المعرفة بالله - جل وعلا - ، وأن الآية تدل على أن العبد إذا وصل من المعرفة بالله إلى تلك الدرجة المعبر عنها باليقين ، أنه تسقط عنه العبادات والتكاليف ; لأن ذلك اليقين هو غاية الأمر بالعبادة .

إن تفسير الآية بهذا كفر بالله وزندقة ، وخروج عن ملة الإسلام بإجماع المسلمين . وهذا النوع لا يسمى في الاصطلاح تأويلا ، بل يسمى لعبا كما قدمنا في " آل عمران " . ومعلوم أن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم هم وأصحابه - هم أعلم الناس بالله ، وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع ذلك أكثر الناس عبادة لله - جل وعلا - ، وأشدهم خوفا منه وطمعا في رحمته . وقد قال - جل وعلا - : إنما يخشى الله من عباده العلماء [ 35 \ 28 ] . والعلم عند الله تعالى .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]