
08-12-2021, 05:53 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (38)
من صــ 1 الى صــ 7
فإن جحود الصانع لم يكن دينا غالبا على أمة من الأمم قط وإنما كان دين الكفار الخارجين عن الرسالة هو الإشراك وإنما كان يجحد الصانع بعض الناس وأولئك كان علماؤهم من الفلاسفة الصابئة المشركين الذين يعظمون الهياكل والكواكب والأصنام والأخبار المروية من نقل أخبارهم وسيرهم كلها تدل على ذلك؛ ولكن فرعون موسى:
{فاستخف قومه فأطاعوه} وهو الذي قال لهم - دون الفراعنة المتقدمين -؛ {ما علمت لكم من إله غيري} ثم قال لهم بعد ذلك: {أنا ربكم الأعلى} {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} نكال الكلمة الأولى.
ونكال الكلمة الأخيرة وكان فرعون في الباطن عارفا بوجود الصانع وإنما استكبر كإبليس وأنكر وجوده ولهذا قال له موسى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} فلما أنكر الصانع وكانت له آلهة يعبدها بقي على عبادتها ولم يصفه الله تعالى بالشرك وإنما وصفه بجحود الصانع وعبادة آلهة أخرى.
والمنكر للصانع منهم مستكبر كثيرا ما يعبد آلهة؛ ولا يعبد الله قط؛ فإنه يقول: هذا العالم واجب الوجود بنفسه. وبعض أجزائه مؤثر في بعض ويقول إنما انتفع بعبادة الكواكب والأصنام ونحو ذلك ولهذا كان باطن قول هؤلاء الاتحادية المنتسبة إلى الإسلام هو قول فرعون.
وكنت أبين أنه مذهبهم وأبين أنه حقيقة مذهب فرعون حتى حدثني الثقة: عن بعض طواغيتهم أنه قال: نحن على قول فرعون؛ ولهذا يعظمون فرعون في كتبهم تعظيما كثيرا. فإنهم لم يجعلوا ثم صانعا للعالم خلق العالم ولا أثبتوا ربا مدبرا للمخلوقات وإنما جعلوا نفس الطبيعة هي الصانع ولهذا جوزوا عبادة كل شيء وقالوا من عبده فقد عبد الله ولا يتصور عندهم أن يعبد غير الله فما من شيء يعبد إلا وهو الله وهذه الكائنات عندهم أجزاؤه أو صفاته كأجزاء الإنسان أو صفاته فهؤلاء إذا عبدوا الكائنات فلم يعبدوها لتقربهم إلى الله زلفى؛ لكن لأنها عندهم هي الله أو مجلى من مجاليه أو بعض من أبعاضه أو صفة من صفاته أو تعين من تعيناته وهؤلاء يعبدون ما يعبده فرعون وغيره من المشركين لكن فرعون لا يقول:
هي الله ولا تقربنا إلى الله والمشركون يقولون: هي شفعاؤنا وتقربنا إلى الله وهؤلاء يقولون هي الله كما تقدم وأولئك أكفر من حيث اعترفوا بأنهم عبدوا غير الله أو جحدوه؛ وهؤلاء أوسع ضلالا من حيث جوزوا عبادة كل شيء وزعموا أنه هو الله وأن العابد هو المعبود وإن كانوا إنما قصدوا عبادة الله.
وإذا كان أولئك كانوا مشركين كما وصفوا بذلك. وفرعون موسى هو الذي جحد الصانع وكان يعبد الآلهة ولم يصفه الله بالشرك. فمعلوم أن المشركين قد يحبون آلهتهم كما يحبون الله أو تزيد محبتهم لهم على محبتهم لله؛ ولهذا: يشتمون الله إذا شتمت آلهتهم. كما قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.
فقوم فرعون قد يكونون أعرضوا عن الله بالكلية بعد أن كانوا مشركين به واستجابوا لفرعون في قوله: {أنا ربكم الأعلى} و {ما علمت لكم من إله غيري}. ولهذا لما خاطبهم المؤمن ذكر الأمرين فقال:
{تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} فذكر الكفر به الذي قد يتناول جحوده وذكر الإشراك به أيضا؛ فكان كلامه متناولا للمقالتين والحالين جميعا. فقد تبين: أن المستكبر يصير مشركا إما بعبادة آلهة أخرى مع استكباره عن عبادة الله لكن تسمية هذا شركا نظير من امتنع مع استكباره عن إخلاص الدين لله كما قال تعالى:
{إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} {ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} فهؤلاء مستكبرون مشركون؛ وإنما استكبارهم عن إخلاص الدين لله فالمستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء وإن كان عالما بوجود الله وعظمته كما أن فرعون كان أيضا عالما بوجود الله. وإذا كانت البدع والمعاصي شعبة من الكفر وكانت مشتقة من شعبه.
كما أن الطاعات كلها شعبة من شعب الإيمان ومشتقة منه وقد علم أن الذي يعرف الحق ولا يتبعه غاو يشبه اليهود؛ وأن الذي يعبد الله من غير علم وشرع: هو ضال يشبه النصارى؛ كما كان يقول من يقول من السلف: من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود؛ ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى.
فعلى المسلم أن يحذر من هذين الشبهين الفاسدين؛ من حال قوم فيهم استكبار وقسوة عن العبادة والتأله؛ وقد أوتوا نصيبا من الكتاب وحظا من العلم؛ وقوم فيهم عبادة وتأله بإشراك بالله وضلال عن سبيل الله ووحيه وشرعه وقد جعل في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها وهذا كثير منتشر في الناس؛ والشبه تقل تارة وتكثر أخرى؛ فأما المستكبرون المتألهون لغير الله الذين لا يعبدون الله. وإنما يعبدون غيره للانتفاع به؛ فهؤلاء يشبهون فرعون.
[فصل: رد دعوى النصارى أنهم هم الذين أنعم الله عليهم]
ثم قالوا: مع الأمر له في فاتحة الكتاب أن يسأل الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فإنه عنى بقوله: المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين الثلاث أمم الذين كانوا في عصره، وهم: النصارى، واليهود وعباد الأصنام، ولم يكن في زمانه غير هؤلاء الثلاث أمم.
فالمنعم عليهم نحن النصارى والمغضوب عليهم فلا - يشك أنهم - اليهود، الذين غضب الله عليهم في كتب التوراة والأنبياء وهذا الكتاب، والضالين فهم عباد الأصنام الذين ضلوا عن الله، فهذا أمر واضح بين ظاهر عند كل أحد، ولا سيما عند ذوي العقول والمعرفة والصراط: هو المذهب، أي الطريق، وهذه اللفظة رومية، لأن الطريق بالرومية اسطراطا.
والجواب:
أما قولهم: المنعم عليهم نحن النصارى، فمن العجائب التي تدل على فرط جهل صاحبها، وأعجب من ذلك قولهم إن هذا شيء بين واضح عند كل أحد، لا سيما عند ذوي العقل والمعرفة، فيا سبحان الله!
ألم يعرف العام والخاص علما ضروريا لا تمكن المنازعة فيه من دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، ودين أمته الذي تلقوه عنه من تكفير النصارى وتجهيلهم وتضليلهم واستحلال جهادهم وسبي حريمهم وأخذ أموالهم، ما يناقض كل المناقضة أن يكون محمد وأمته في كل صلاة يقولون: اللهم اهدنا صراط النصارى.
وهل ينسب محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته إلى أنهم في كل صلاة يطلبون من الله أن يهديهم صراط النصارى إلا من هو من أكذب الكذابين وأعظم الخلق افتراء ووقاحة وجهلا وضلالا؟
ولو كانوا يسألون الله هداية طريق النصارى، لدخلوا في دين النصارى، ولم يكفروهم ويقاتلوهم، ويضعوا عليهم الجزية التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون، ولم يشهدوا عليهم بأنهم من أهل النار، وأمته أخذوا ذلك جميعه عنه منقولا عنه بالنقل المتواتر بإجماعهم، لم يبتدعوا ذلك، كما ابتدعت النصارى من العقائد والشرائع ما لم يأذن به الله، فلا يلام المسلمون في اتباعهم لرسول الله الذي جاء بالبينات والهدى.
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - إن كان رسولا صادقا، فقد كفر النصارى، وأمر بجهادهم، وتبرأ منهم ومن دينهم، وإن كان كاذبا لم يقبل شيء مما نقله عن الله عز وجل.
وقد تقدم غير مرة قوله - تعالى -:
{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة: 73].
{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [المائدة: 17].
{وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} [التوبة: 30] (30) {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31].
فمن يقول عن النصارى مثل هذه الأقوال هل يأمر أمته في كل صلاة أن يقولوا: اهدنا طريقهم؟
ثم يقال: أي شيء في الآية مما يدل على أن قوله: صراط الذين أنعمت عليهم، هم النصارى.
وإنما المنعم عليهم هم الذين ذكرهم الله في قوله - تعالى -:
{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [النساء: 69].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|