
08-12-2021, 04:51 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (36)
من صــ 486 الى صــ 492
والغلو في الأمة وقع في طائفتين: طائفة من ضلال الشيعة الذين يعتقدون في الأنبياء والأئمة من أهل البيت الألوهية وطائفة من جهال المتصوفة يعتقدون نحو ذلك في الأنبياء والصالحين فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئا من الألوهية والربوبية فهو من جنس النصارى وإنما حقوق الأنبياء ما جاء به الكتاب والسنة عنهم.
قال تعالى في خطابه لبني إسرائيل: {وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار} والتعزير: النصر والتوقير والتأييد.
وقال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} فهذا في حق الرسول ثم قال في حق الله تعالى: {وتسبحوه بكرة وأصيلا} وقال تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}. {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}.
وقال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}. وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا}.
وذكر طاعة الرسول في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن وقال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقال تعالى:
{إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} فجعل الطاعة لله والرسول وجعل الخشية والتقوى لله وحده. كما قال: {فإياي فارهبون}. وقال: {وإياي فاتقون} وقال: {فلا تخشوا الناس واخشون}.
وقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} وقال تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} وقال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}. وقال صلى الله عليه وسلم {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. وقال له عمر: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل أحد إلا من نفسي فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال: فأنت أحب إلي من نفسي قال:
الآن يا عمر}. فقد بين الله في كتابه حقوق الرسول من الطاعة له ومحبته وتعزيره وتوقيره ونصره وتحكيمه والرضى بحكمه والتسليم له واتباعه والصلاة والتسليم عليه وتقديمه على النفس والأهل والمال ورد ما يتنازع فيه إليه وغير ذلك من الحقوق.
وأخبر أن طاعته طاعته فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ومبايعته مبايعته فقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} وقرن بين اسمه واسمه في المحبة فقال: {أحب إليكم من الله ورسوله}.
وفي الأذى فقال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} وفي الطاعة والمعصية فقال: {ومن يطع الله ورسوله}. {ومن يعص الله ورسوله} وفي الرضا فقال: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} فهذا ونحوه هو الذي يستحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
(فصل: المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
(فصل:
قد ذكرت فيما تقدم من القواعد: أن " الإسلام " الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه؛ وأرسل به رسله؛ وهو أن يسلم العبد لله رب العالمين؛ فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألها له غير متأله لما سواه كما بينته أفضل الكلام ورأس الإسلام: وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
وله ضدان: الكبر والشرك ولهذا روي {أن نوحا عليه السلام أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك} في حديث قد ذكرته في غير هذا الموضع فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك.
ولفظ " الإسلام " يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص وقد علم أن الرسل جميعهم بعثوا بالإسلام العام المتضمن لذلك كما قال تعالى: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} وقال موسى:
{إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} وقال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه} وقال الخليل لما قال له ربه: {أسلم قال أسلمت لرب العالمين} {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} - أيضا وصى بها بنيه - {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}وقال يوسف: {توفني مسلما} ونظائره كثيرة.
وعلم أن إبراهيم الخليل هو إمام الحنفاء المسلمين بعده كما جعله أمة وإماما وجاءت الرسل من ذريته بذلك فابتدعت اليهود والنصارى ما ابتدعوه مما خرج بهم عن دين الله الذي أمروا به وهو الإسلام العام ولهذا أمرنا أن نقول: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون} وكل من هاتين الأمتين خرجت عن الإسلام وغلب عليها أحد ضديه فاليهود يغلب عليهم الكبر ويقل فيهم الشرك والنصارى يغلب عليهم الشرك ويقل فيهم الكبر. وقد بين الله ذلك في كتابه فقال في اليهود: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله}.
وهذا هو أصل الإسلام. إلى قوله: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}.
وهذا اللفظ الذي هو لفظ الاستفهام؛ هو إنكار لذلك عليهم. وذم لهم عليه وإنما يذمون على ما فعلوه فعلم أنهم كانوا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا فيقتلون فريقا من الأنبياء ويكذبون فريقا؛ وهذا حال المستكبر الذي لا يقبل ما لا يهواه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر الكبر في الحديث الصحيح بأنه بطر الحق وغمط الناس ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود.
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذاك؟ فقال: لا إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس} وبطر الحق جحده ودفعه وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم. وكذلك ذكر الله " الكبر " في قوله بعد أن قال: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} إلى أن قال: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}.
وهذا حال الذي لا يعمل بعلمه بل يتبع هواه وهو الغاوي كما قال: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه} الآية وهذا مثل علماء السوء وقد قال لما رجع موسى إليهم:
{ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} فالذين يرهبون ربهم؛ خلاف الذين يتبعون أهواءهم كما قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} {فإن الجنة هي المأوى}.
فأولئك المستكبرون المتبعون أهواءهم مصروفون عن آيات الله لا يعلمون ولا يفهمون لما تركوا العمل بما علموه استكبارا واتباعا لأهوائهم عوقبوا بأن منعوا الفهم والعلم؛ فإن العلم حرب للمتعالي كما أن السيل حرب للمكان العالي والذين يرهبون ربهم عملوا بما علموه فأتاهم الله علما ورحمة إذ من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ولهذا لما وصف الله النصارى: {بأن منهم قسيسين ورهبانا}.
والرهبان: من الرهبنة {وأنهم لا يستكبرون} كانوا بذلك أقرب مودة إلى الذين آمنوا. كما قال: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}.
فلما كان فيهم رهبة وعدم كبر كانوا أقرب إلى الهدى فقال في حق المسلمين منهم: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|