
08-12-2021, 03:50 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (35)
من صــ 479 الى صــ 485
والهدى إلى الصراط المستقيم يتناول هذا كله يتناول التعريف بما جاء به الرسول مفصلا ويتناول التعريف بما يدخل في أوامره الكليات ويتناول إلهام العمل بعلمه فإن مجرد العلم بالحق لا يحصل به الاهتداء إن لم يعمل بعلمه ولهذا قال لنبيه بعد صلح الحديبية:
{إنا فتحنا لك فتحا مبينا} {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} وقال في حق موسى وهارون: {وآتيناهما الكتاب المستبين} {وهديناهما الصراط المستقيم} والمسلمون قد تنازعوا فيما شاء الله من الأمور الخبرية والعلمية الاعتقادية والعملية مع أنهم كلهم متفقون على أن محمدا حق والقرآن حق فلو حصل لكل منهم الهدى إلى الصراط المستقيم فيما اختلفوا فيه لم يختلفوا ثم الذين علموا ما أمر الله به أكثرهم يعصونه ولا يحتذون حذوه فلو هدوا إلى الصراط المستقيم في تلك الأعمال لفعلوا ما أمروا به وتركوا ما نهوا عنه والذين هداهم الله من هذه الأمة حتى صاروا من أولياء الله المتقين كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم الله بهذا الدعاء في كل صلاة مع علمهم بحاجتهم وفاقتهم إلى الله دائما في أن يهديهم الصراط المستقيم.
فبدوام هذا الدعاء والافتقار صاروا من أولياء الله المتقين. قال سهل بن عبد الله التستري ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار وما حصل فيه الهدى في الماضي فهو محتاج إلى حصول الهدى فيه في المستقبل وهذا حقيقة قول من يقول: ثبتنا واهدنا لزوم الصراط.
وقول من قال: زدنا هدى يتناول ما تقدم؛ لكن هذا كله هدى منه في المستقبل إلى الصراط المستقيم؛ فإن العمل في المستقبل بالعلم لم يحصل بعد ولا يكون مهتديا حتى يعمل في المستقبل بالعلم وقد لا يحصل العلم في المستقبل بل يزول عن القلب وإن حصل فقد لا يحصل العمل فالناس كلهم مضطرون إلى هذا الدعاء؛ ولهذا فرضه الله عليهم في كل صلاة فليسوا إلى شيء من الدعاء أحوج منهم إليه وإذا حصل الهدى إلى الصراط المستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة والله أعلم.
(فصل قد يكون النزاع اللفظي مع اتحاد المعنى لا تنوعه)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وقد يكون النزاع اللفظي مع اتحاد المعنى لا تنوعه وكثير من تنازع الأمة في دينهم هو من هذا الباب في الأصول والفروع والقرآن والحديث وغير ذلك.
مثال التنوع الذي ليس فيه نزاع لفظي أن يقول أحدهما: الصراط المستقيم هو الإسلام. ويقول الآخر: هو السنة والجماعة. ويقول الآخر: هو القرآن.
ويقول الآخر: هو طريق العبودية. فإن هذا تنوع في الأسماء والصفات التي يبين بها الصراط المستقيم بمنزلة أسماء الله وأسماء رسوله وكتابه وليس بينها تضاد لا في اللفظ ولا في المعنى.
وكذلك إذا قال بعضهم في السابق والمقتصد والظالم أقوالا يذكر فيها كل قوم نوعا من المسلمين ويكون الاسم متناولا للجميع من غير منافاة. ومثال التنوع الذي فيه نزاع لفظي لأجل اشتراك اللفظ - كما قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء -
تنازع قوم في أن محمدا رأى ربه في الدنيا أو في الآخرة؟ فقال قوم: رآه في الدنيا لأنه رآه قبل الموت وقال آخرون: بل في الآخرة لأنه رآه وهو فوق السموات ولم يره وهو في الأرض.
والتحقيق أن لفظ الآخرة يراد به الحياة الدنيا والحياة الآخرة ويراد به الدار الدنيا والدار الآخرة؛ ومحمد رأى ربه في الحياة الدنيا في الدار الآخرة.
وكذلك كثير ممن يتنازعون في أن الله في السماء أو ليس في السماء فالمثبتة تطلق القول بأن الله في السماء كما جاءت به النصوص ودلت عليه بمعنى أنه فوق السموات على عرشه بائن من خلقه وآخرون ينفون القول بأن الله في السماء ومقصودهم أن السماء لا تحويه ولا تحصره ولا تحمله ولا تقله ولا ريب أن هذا المعنى صحيح أيضا فإن الله لا تحصره مخلوقاته بل وسع كرسيه السموات والأرض؛ والكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة وكذلك ليس هو مفتقرا إلى غيره محتاجا إليه بل هو الغني عن خلقه الحي القيوم الصمد فليس بين المعنيين تضاد ولكن هؤلاء أخطئوا في نفي اللفظ الذي جاء به الكتاب والسنة وفي توهم أن إطلاقه دال على معنى فاسد. وقد يعذر بعضهم إذا رأى من أطلق هذا اللفظ وأراد به أن السماء تقله أو تظله وإذا أخطأ من عنى هذا المعنى فقد أصاب وأما الأول فقد أصاب في اللفظ لإطلاقه ما جاء به النص وفي المعنى الذي تقدم لأنه المعنى الحق الذي دل عليه النص لكن قد يخطئ بعضهم في تكفير من يطلق اللفظ الثاني إذا كان مقصوده المعنى الصحيح فإن من عنى المعنى الصحيح لم يكفر بإطلاق لفظ وإن كان مسيئا أو فاعلا أمرا محرما وأما من فسر قوله:
إنه ليس في السماء بمعنى أنه ليس فوق العرش وإنما فوق السموات عدم محض فهؤلاء هم الجهمية الضلال المخالفون لإجماع الأنبياء ولفطرة العقلاء.
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
فصل:
قال الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون}.
وكتاب الله يدل على ذلك في مواضع مثل قوله تعالى {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه} وقوله: {فباءوا بغضب على غضب} وقوله: {فباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة}.
وقال في النصارى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}.
وقال: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} وقال تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}.
وقال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
ولما أمرنا الله سبحانه: أن نسأله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين كان ذلك ما يبين أن العبد يخاف عليه أن ينحرف إلى هذين الطريقين وقد وقع ذلك كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن}؟ وهو حديث صحيح.
وكان السلف يرون أن من انحرف من العلماء عن الصراط المستقيم: ففيه شبه من اليهود ومن انحرف من العباد: ففيه شبه من النصارى كما يرى في أحوال منحرفة أهل العلم: من تحريف الكلم عن مواضعه وقسوة القلوب والبخل بالعلم والكبر وأمر الناس بالبر ونسيان أنفسهم وغير ذلك.
وكما يرى في منحرفة أهل العبادة والأحوال من الغلو في الأنبياء الصالحين والابتداع في العبادات والرهبانية والصور والأصوات.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله} ولهذا حقق الله له نعت العبودية في أرفع مقاماته حيث قال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا}. وقال تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}. وقال تعالى: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}.
ولهذا يشرع في التشهد وفي سائر الخطب المشروعة كخطب الجمع والأعياد وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحقق عبوديته لئلا تقع الأمة فيما وقعت فيه النصارى في المسيح من دعوى الألوهية حتى قال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: " أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده ".
وقال أيضا لأصحابه: {لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد بل قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد} وقال: {لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني}. وقال: {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وقال: {إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك}.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|