عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 08-12-2021, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (34)

من صــ 472 الى صـ
ـ 478


نعم حصل له هدى مجمل بأن القرآن حق ودين الإسلام حق والرسول حق ونحو ذلك ولكن هذا الهدى المجمل لا يغنيه إن لم يحصل هدى مفصل في كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التي يحار في كثير منها أكثر عقول الخلق ويغلب الهوى والشهوات أكثر الخلق لغلبة الشبهات والشهوات على النفوس.
والإنسان خلق ظلوما جهولا. فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر فيحتاج دائما إلى علم مفصل يزول به جهله وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى عدل ينافي ظلمه فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم.
وقد قال الله تعالى لنبيه بعد صلح الحديبية وبيعة الرضوان: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما} {وينصرك الله نصرا عزيزا} فأخبر أنه فعل هذا؛ ليهديه صراطا مستقيما فإذا كان هذا حاله فكيف بحال غيره.
والصراط المستقيم قد فسر بالقرآن والإسلام وطريق العبودية فكل هذا حق فهو موصوف بهذا وبغيره فحاجته إلى هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته بخلاف الحاجة إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات والموت لا بد منه فإن كان من أهل الهداية كان سعيدا بعد الموت وكان الموت موصلا له إلى السعادة الدائمة الأبدية فيكون رحمة في حقه.
وكذلك النصر إذا قدر أنه قهر وغلب حتى قتل فإذا كان من أهل الهداية والاستقامة مات شهيدا وكان القتل من تمام نعمة الله عليه فتبين أن حاجة العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلى الرزق والنصر بل لا نسبة بينهما؛ فلهذا كان هذا الدعاء هو المفروض عليهم.
وأيضا فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنصر. لأنه إذا هدي الصراط المستقيم كان من المتقين {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {ويرزقه من حيث لا يحتسب} وكان من المتوكلين {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} وكان ممن ينصر الله ورسوله ومن ينصر الله ينصره الله وكان من جند الله وجند الله هم الغالبون. فالهدى التام يتضمن حصول أعظم ما يحصل به الرزق والنصر.
فتبين أن هذا الدعاء هو الجامع لكل مطلوب يحصل به كل منفعة ويندفع به كل مضرة فلهذا فرض على العبد. وهذا مما يبين أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها أصلا وأن فضلها على غيرها من الكلام أعظم من فضل الركوع والسجود على سائر أفعال الخضوع فإذا تعينت الأفعال فهذا أولى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
والعبد مضطر دائما إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء؛ فإنه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية فمن فاته فهو إما من المغضوب عليهم وإما من الضالين وهذا الهدى لا يحصل إلا بهدى الله وهذه الآية مما يبين فساد مذهب القدرية.

وأما سؤال من يقول فقد هداهم فلا حاجة بهم إلى السؤال وجواب من أجابه بأن المطلوب دوامها كلام من لم يعرف حقيقة الأسباب وما أمر الله به؛ فإن الصراط المستقيم أن يفعل العبد في كل وقت ما أمر به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا يفعل ما نهي عنه وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن يعلم ويعمل ما أمر به في ذلك الوقت وما نهي عنه وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحظور فهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن تحصل للعبد في وقت واحد بل كل وقت يحتاج إلى أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهتدي به في ذلك الصراط المستقيم.
نعم حصل له هدى مجمل بأن القرآن حق والرسول حق ودين الإسلام حق وذلك حق؛ ولكن هذا المجمل لا يغنيه إن لم يحصل له هدى مفصل في كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التي يحار فيها أكثر عقول الخلق ويغلب الهوى والشهوات أكثر عقولهم لغلبة الشهوات والشبهات عليهم.
والإنسان خلق ظلوما جهولا فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر فيحتاج دائما إلى علم مفصل يزول به جهله وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله وعدل ينافي ظلمه فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية وبيعة الرضوان: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} إلى قوله تعالى:
{ويهديك صراطا مستقيما} فإذا كان هذه حاله في آخر حياته أو قريبا منها فكيف حال غيره.
والصراط المستقيم قد فسر بالقرآن وبالإسلام وطريق العبودية وكل هذا حق.
فهو موصوف بهذا وبغيره فـ " القرآن " مشتمل على مهمات وأمور دقيقة ونواه وأخبار وقصص وغير ذلك إن لم يهد الله العبد إليها فهو جاهل بها ضال عنها وكذلك " الإسلام " وما اشتمل عليه من المكارم والطاعات والخصال المحمودة وكذلك " العبادة وما اشتملت عليه ".
فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه؛ بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات والموت لا بد منه فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيدا قبل الموت وبعده وكان الموت موصلا إلى السعادة الأبدية وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق؛
بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هدي كان من المتقين {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {ويرزقه من حيث لا يحتسب} وكان ممن ينصر الله ورسوله ومن نصر الله نصره الله وكان من جند الله وهم الغالبون؛ ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض.
و" أيضا " فإنه يتضمن الرزق والنصر؛ لأنه إذا هدي ثم أمر وهدى غيره بقوله وفعله ورؤيته فالهدى التام أعظم ما يحصل به الرزق والنصر فتبين أن هذا الدعاء جامع لكل مطلوب وهذا مما يبين لك أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها وأن فضلها على غيرها من الكلام أعظم من فضل الركوع والسجود على سائر أفعال الخضوع فإذا تعينت الأفعال فهذا القول أولى والله أعلم. وصلى الله على نبيه محمد وسلم تسليما كثيرا.
(فصل: المؤمن قد هدي إلى الصراط المستقيم فأي فائدة في طلب الهدى)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه وعن علي - أو حذيفة - رضي الله عنهما ما - قال: القلوب " أربعة ". قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلب أغلف فذاك قلب الكافر وقلب منكوس.
فذاك قلب المنافق وقلب فيه مادتان: مادة تمده الإيمان ومادة تمده النفاق فأولئك قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. وإذا عرف هذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر الله في الإيمان من مدح شعب الإيمان وذم شعب الكفر وهذا كما يقول بعضهم في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}.
فيقولون المؤمن قد هدي إلى الصراط المستقيم فأي فائدة في طلب الهدى ثم يجيب بعضهم بأن المراد ثبتنا على الهدى كما تقول العرب للنائم: نم حتى آتيك أو يقول بعضهم ألزم قلوبنا الهدى فحذف الملزوم ويقول بعضهم زدني هدى وإنما يوردون هذا السؤال لعدم تصورهم الصراط المستقيم الذي يطلب العبد الهداية إليه؛ فإن المراد به العمل بما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور.

والإنسان وإن كان أقر بأن محمدا رسول الله وأن القرآن حق على سبيل الإجمال فأكثر ما يحتاج إليه من العلم بما ينفعه ويضره وما أمر به وما نهى عنه في تفاصيل الأمور وجزئياتها لم يعرفه وما عرفه فكثير منه لم يعمل بعلمه ولو قدر أنه بلغه كل أمر ونهي في القرآن والسنة فالقرآن والسنة إنما تذكر فيهما الأمور العامة الكلية لا يمكن غير ذلك لا تذكر ما يخص به كل عبد ولهذا أمر الإنسان في مثل ذلك بسؤال الهدى إلى الصراط المستقيم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]