عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-12-2021, 04:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (142)

سُورَةُ الْحِجْرِ(3)
صـ 261 إلى صـ 265

قال مقيده - عفا الله عنه - : ظاهر الآية الكريمة أن الله بث في السماء دواب كما بث في [ ص: 261 ] الأرض دواب . ولا شك أن الله قادر على جمع أهل السماوات وأهل الأرض وعلى كل شيء ، ولكن الآيات القرآنية التي ذكرنا بينت أن المراد بجمعهم حشرهم جميعا يوم القيامة ، وقد أطبق على ذلك المفسرون ، ولو سلمنا تسليما جدليا أنها تدل على جمعهم في الدنيا ، فلا يلزم من ذلك بلوغ أهل الأرض إلى أهل السماء ، بل يجوز عقلا أن ينحدر من في السماء إلى من في الأرض ; لأن الهبوط أهون من الصعود وما يزعمه من لا علم عنده بكتاب الله تعالى من أن قوله - جل وعلا - : يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان [ 55 \ 33 ] يشير إلى الوصول إلى السماء بدعوى أن المراد بالسلطان في الآية هو هذا العلم الحادث الذي من نتائجه الصواريخ والأقمار الصناعية . وإذا فإن الآية قد تكون فيها الدلالة على أنهم ينفذون بذلك العلم من أقطار السماوات والأرض مردود من أوجه : الأول : أن معنى الآية الكريمة هو إعلام الله - جل وعلا - خلقه أنهم لا محيص لهم ولا مفر عن قضائه ونفوذ مشيئته فيهم ، وذلك عندما تحف بهم صفوف الملائكة يوم القيامة ، فكلما فروا إلى جهة وجدوا صفوف الملائكة أمامهم ، ويقال لهم في ذلك الوقت يامعشر الجن والإنس [ 55 \ 33 ] والسلطان : قيل الحجة والبينة ، وقيل الملك والسلطنة ، وكل ذلك معدوم عندهم يوم القيامة فلا نفوذ لهم كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] وقال : إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [ 40 \ 32 - 33 ] .

الوجه الثاني : أن الجن أعطاهم الله القدرة على الطيران والنفوذ في أقطار السماوات والأرض ، وكانوا يسترقون السمع من السماء كما صرح به تعالى في قوله عنهم : وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع . الآية [ 72 \ 9 ] وإنما منعوا من ذلك حين بعث - صلى الله عليه وسلم - كما قال تعالى : فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا [ 72 \ 9 ] فالجن كانوا قادرين على بلوغ السماء من غير حاجة إلى صاروخ ولا قمر صناعي ، فلو كان معنى الآية هو ما يزعمه أولئك الذين لا علم لهم بكتاب الله لم يقل - جل وعلا - يا معشر الجن ; لأنهم كانوا ينفذون إلى السماء قبل حدوث السلطان المزعوم .

الوجه الثالث : أن العلم المذكور الذي لا يجاوز صناعة يدوية أهون على الله - جل وعلا - من أن يطلق عليه اسم السلطان ; لأنه لا يجاوز أغراض هذه الحياة الدنيا ولا نظر فيه [ ص: 262 ] ألبتة لما بعد الموت . ولأن الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة .

وقد نص تعالى على كمال حقارتها عنده في قوله - جل وعلا - : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة إلى قوله للمتقين [ 43 \ 33 - 35 ] وعلم هؤلاء الكفار نفي الله عنه اسم العلم الحقيقي ، وأثبت له أنه علم ظاهر من الحياة الدنيا وذلك في قوله : وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون [ 30 \ 6 - 7 ] فحذق الكفار في الصناعات اليدوية كحذق بعض الحيوانات في صناعتها ، بإلهام الله لها ذلك ، فالنحل تبني بيت عسلها على صورة شكل مسدس ، يحار فيه حذاق المهندسين . ولما أرادوا أن يتعلموا منها كيفية ذلك البناء ، وجعلوها في أجباح زجاج لينظروا إلى كيفية بنائها ، أبت أن تعلمهم ، فطلت الزجاج بالعسل قبل البناء ، كيلا يروا كيفية بنائها ، كما أخبرتنا الثقة بذلك .

الوجه الرابع : أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن ذلك المعنى المزعوم كذبا هو معنى الآية ، فإن الله أتبع ذلك بقوله يرسل عليكما شواظ من نار الآية [ 55 \ 35 ] فهو يدل على ذلك التقدير على أنهم لو أرادوا النفوذ في أقطارها حرقهم ذلك الشواظ والنحاس ، والشواظ اللهب الخالص ، والنحاس الدخان ومنه قول النابغة :
يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا
وكذلك ما يزعمه بعض من لا علم له بمعنى كتاب الله من أن الله أشار إلى اتصال أهل السماوات وأهل الأرض بقوله تعالى : قال ربي يعلم القول في السماء والأرض [ 21 \ 4 ] بصيغة الأمر في لفظة قل على قراءة الجمهور ، وبصيغة الماضي قال ربي يعلم الآية . في قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، فإن الآية الكريمة لا تدل على ذلك لا بدلالة المطابقة ولا التضمن ولا الالتزام ; لأن غاية ما تفيده الآية الكريمة أن الله - جل وعلا - أمر نبيه أن يقول إن ربه يعلم كل ما يقوله أهل السماء وأهل الأرض ، على قراءة الجمهور وعلى قراءة الأخوين وحفص ، فمعنى الآية أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر قائلا إن ربه - جل وعلا - يعلم كل ما يقال في السماء والأرض ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، ولا شك أنه - جل وعلا - عالم بكل أسرار أهل السماء والأرض وعلانياتهم ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين .

وكذلك ما يزعمه من لا علم عنده بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أنه تعالى أشار [ ص: 263 ] إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السماوات واحدة بعد أخرى بقوله : لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] زاعما أن معنى الآية الكريمة لتركبن أيها الناس طبقا أي سماء عن طبق أي بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماوات ، فهو أيضا جهل بكتاب الله وحمل له على غير ما يراد به .

اعلم أولا أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين مشهورتين ، إحداهما : لتركبن بفتح الباء وبها قرأ من السبعة ابن كثير وحمزة والكسائي ، وعلى هذه القراءة ففي فاعل لتركبن ثلاثة أوجه معروفة عند العلماء الأول وهو أشهرها أن الفاعل ضمير الخطاب الواقع على النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : لتركبن أنت يا نبي الله طبقا عن طبق أي بعد طبق أي حالا بعد حال أي فتترقى في الدرجات درجة بعد درجة ، والطبق في لغة العرب الحال ومنه قول الأقرع بن حابس التميمي :
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منها إلى طبق


وقول الآخر :
كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من بعده طبق
أي : حال بعد حال في البيتين ، وقال ابن مسعود والشعبي ومجاهد وابن عباس في إحدى الروايتين والكلبي وغيرهم لتركبن طبقا عن طبق [ 84 \ 19 ] أي لتصعدن يا محمد سماء بعد سماء ، وقد وقع ذلك ليلة الإسراء .

والثاني أن الفاعل ضمير السماء أي لتركبن هي أي السماء طبقا بعد طبق ، أي لتنتقلن السماء من حال إلى حال ، أي تصير تارة كالدهان وتارة كالمهل وتارة تتشقق بالغمام وتارة تطوى كطي السجل للكتب .

والثالث أن الفاعل ضمير يعود إلى الإنسان المذكور في قوله ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا [ 84 \ 6 ] أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال من صغر إلى كبر ومن صحة إلى سقم كالعكس ، ومن غنى إلى فقر كالعكس ، ومن موت إلى حياة كالعكس ، ومن هول من أهوال القيامة إلى آخر وهكذا ، والقراءة الثانية وبها قرأ من السبعة نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ( لتركبن ) بضم الباء وهو خطاب عام للناس [ ص: 264 ] المذكورين في قوله : فأما من أوتي كتابه بيمينه إلى قوله وأما من أوتي كتابه وراء ظهره [ 84 \ 7 - 10 ] ومعنى الآية لتركبن أيها الناس حالا بعد حال ، فتنتقلون في دار الدنيا من طور إلى طور ، وفي الآخرة من هول إلى هول ، فإن قيل يجوز بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن على قراءة ضم الباء أن يكون المعنى لتركبن أيها الناس طبقا بعد طبق أي سماء بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماء السابعة كما تقدم نظيره في قراءة فتح الباء خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان هذا جائزا في لغة القرآن فما المانع من حمل الآية عليه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أن ظاهر القرآن يدل على أن المراد بالطبق الحال المنتقل إليها من موت ونحوه وهول القيامة ، بدليل قوله بعده مرتبا له عليه بالفاء فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ 84 \ 20 - 21 ] فهو قرينة ظاهرة على أن المراد إذا كانوا ينتقلون من حال إلى حال ، ومن هول إلى هول ، فما المانع لهم من أن يؤمنوا ويستعدوا لتلك الشدائد ، ويؤيده أن العرب تسمي الدواهي بنات طبق ، كما هو معروف في لغتهم .

الوجه الثاني : أن الصحابة - رضي الله عنهم - هم المخاطبون الأولون بهذا الخطاب ، وهم أولى الناس بالدخول فيه بحسب الوضع العربي ، ولم يركب أحد منهم سماء بعد سماء بإجماع المسلمين ، فدل ذلك على أن ذلك ليس معنى الآية ولو كان هو معناها لما خرج منه المخاطبون الأولون بلا قرينة على ذلك .

الوجه الثالث : هو ما قدمنا من الآيات القرآنية المصرحة بحفظ السماء وحراستها من كل شيطان رجيم كائنا من كان ، فبهذا يتضح أن الآية الكريمة ليس فيها دليل على صعود أصحاب الأقمار الصناعية فوق السبع الطباق . والواقع المستقبل سيكشف حقيقة تلك الأكاذيب والمزاعم الباطلة ، وكذلك ما يزعمه بعض من ليس له علم بمعنى كتاب الله - جل وعلا - من أن الله تعالى أشار إلى بلوغ أهل الأرض إلى السماوات بقوله : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه الآية [ 45 \ 13 ] فقالوا : تسخيره - جل وعلا - ما في السماوات لأهل الأرض دليل على أنهم سيبلغون السماوات ، والآية الكريمة لا تدل على ذلك الذي زعموا أنها تدل عليه ; لأن القرآن بين في آيات كثيرة كيفية تسخير ما في السماء لأهل الأرض ، فبين أن تسخير الشمس والقمر لمنافعهم ، وانتشار الضوء عليهم ، ولكي يعلموا عدد السنين والحساب كما قال تعالى : وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار الآية [ 14 \ 33 ] [ ص: 265 ] ومنافع الشمس والقمر اللذين سخرهما الله لأهل الأرض لا يحصيها إلا الله كما هو معروف وقال تعالى : هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب [ 10 \ 5 ] ، وقال تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب [ 17 \ 12 ] إلى غير ذلك من الآيات المبينة لذلك التسخير لأهل الأرض . وكذلك سخر لأهل الأرض النجوم ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى : والنجوم مسخرات بأمره الآية [ 16 \ 12 ] وقال تعالى : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر الآية [ 6 \ 97 ] وقال : وعلامات وبالنجم هم يهتدون الآية [ 16 \ 16 ] إلى غير ذلك من الآيات . فهذا هو تسخير ما في السماء لأهل الأرض وخير ما يفسر به القرآن . ومما يوضح ما ذكرنا أن المخاطبين الأولين بقوله وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض الآية [ 45 \ 13 ] وهم الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسخر لهم شيء مما في السماوات إلا هذا التسخير الذي ذكرنا ، الذي بينه القرآن العظيم في آيات كثيرة . فلو كان يراد به التسخير المزعوم عن طريق الصواريخ والأقمار الصناعية لدخل فيه المخاطبون الأولون كما هو ظاهر ، وكذلك قوله وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون [ 12 \ 105 ] ، فإن معنى مرورهم على ما في السماوات من الآيات نظرهم إليها كما بينه تعالى في آيات كثيرة كقوله : أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض الآية [ 7 \ 185 ] وقوله : قل انظروا ماذا في السماوات والأرض الآية [ 10 \ 101 ] وقوله : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق [ 41 \ 53 ] إلى غير ذلك من الآيات .

واعلم - وفقني الله وإياك - أن التلاعب بكتاب الله - جل وعلا - وتفسيره بغير معناه لمحاولة توفيقه مع آراء كفرة الإفرنج ، ليس فيه شيء ألبتة من مصلحة الدنيا ولا الآخرة ، وإنما فيه فساد الدارين ، ونحن إذ نمنع التلاعب بكتاب الله وتفسيره بغير معناه ، نحض جميع المسلمين على بذل الوسع في تعليم ما ينفعهم من هذه العلوم الدنيوية مع تمسكهم بدينهم ، كما قال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ 8 \ 60 ] كما سترى بسطه إن شاء الله في سورة بني إسرائيل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]