حقيقة اليقين (2)
الشيخ شريف الهواري
استمكالاً لما بدأنا الحديث عنه في الحلقة الماضية عن حقيقة اليقين والتعريف به وأقوال السلف -رضوان الله عليهم- في معناه ومراتبه، ثم ذكرنا عددًا من الأسئلة التي من خلالها نتبين علامات اليقين وثمراته على العبد، وذكرنا منها ثلاثة أسئلة وهي: هل أنت على يقين بأن هذا الكون له رب خالق ومدبر لأموره؟، ثم هل أنت على يقين بأسماء الله وصفاته؟ ثم هل أنت على يقين بالملائكة وما كلفوه من أعمال؟، واليوم نستكمل تلك الأسئلة.
السؤال الرابع
- هل أنت على يقين بما ورد في كتاب الله -عز وجل- مِن أوامر ونواهٍ، ووعد ووعيد، وقصص وأمثلة، وجنة ونار، وفيما ورد فيه من أخبار الغيب، وخصوصًا اليوم الآخر؟
أعلم أن الإجابة بنعم تستلزم رصيدًا في أرض الواقع، أما مجرد كلام لا رصيد له فلا يُقبَل، وأول الأدلة: تقديم كتاب الله وتعظيمه والخضوع لكل ما جاء به، فاليقين في كتاب الله الذي أنزله حجة على خلقه، وفيه عرف بنفسه، وفيه أمر ونهى، ووعد وتوعد، وحذر وهدد، وفيه القصص والسنن والأمثلة، والجنة والنار، فمَن أيقن أنه مِن عند الله قدمه وانقاد له، وعمل بمقتضاه، ولم يقدِّم عليه غيره وقدَّمه على الشهوات والأهواء، والعادات والأعراف والقوانين، مع عظيم الإجلال والتقدير مع عين اليقين في كل ما جاء فيه، ونضرب لذلك أمثلة من القرآن الكريم فيما يلي:
أولاً: اليقين في الأوامر والنواهي
فهل أنت على يقين بأن الأوامر والنواهي واجبة التطبيق الفوري، وأنها الأنفع والأحسن والأنفع لك في الدنيا والآخرة؟ إذًا لماذا تقدِّم غيرها، وهي في مقدورك؟ إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
ثانيًا: اليقين في الوعد والوعيد
وهل أنت على يقين في وعده لمَن اتبع منهجه بالحفظ والنصرة والتمكين وأن العاقبة لعباده المتقين، وفي قدرته على إنفاذ وعيده لأعدائه في دحرهم وإهلاكهم، مهما بلغوا من قوة وتمكين وتحكُّم؟
ثالثًا: اليقين في الفرج لمن انقاد لشرع الله -تعالى
وهل أنت على يقين في إخبار الله -تعالى- أنه سيجعل فرجًا ومخرجًا لمَن انقاد وعمل بشرعه مِن كرب وهم وغم وعدو، قال -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح:5-6)، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7)، {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر:2)؟
ثبات وثقة وطمأنينة
اليقين في هذه الأمور يعطي ثباتًا وثقة وطمأنينة لا نظير لها، وهذه أمثلة عليها من القصص القرآني تؤكِّد قوة اليقين التي وصل إليها الأنبياء والمرسلون، وكيف أثمرت في أتباعهم مِن بعدهم؟
رابعًا: يقين الأنبياء -عليهم السلام
وهذه نماذج من يقين الأنبياء -عليهم السلام- وثباتهم وثقتهم بالله -تعالى:
يقين نوح -عليه السلام
تظهر عظمة سيدنا نوح -عليه السلام- في يقينه وثقته بالله -تعالى- لما أُمر بصنع السفينة على اليبس، ولم يكونوا أهل سفن أو بحار، ومِن عظيم يقينه صنعها، وكلما مروا عليه سخروا منه ومما يصنع، وكان يسخر منهم؛ لعدم تصديقهم بموعود الله له: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (هود:38)، فمكث 950 سنة كان قد زرع شجرة فبلغت مبلغًا عظيمًا فقطعها وعمد إلى صنع السفينة، فسخروا منه وقالوا: ترك النبوة واشتغل بالنجارة، ثم قالوا: سفينة في البر!
يقين إبراهيم -عليه السلام
وهذا يقين إبراهيم -عليه السلام- وهم يعدون له تلك النار العظيمة بتلك الطريقة الوحشية، ولم يحرِّك لهم ساكنًا؛ لعظيم يقينه بالله، وأنه يحفظه من كيدهم ومكرهم؛ فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الأنبياء:69).
يقين موسى -عليه السلام
أما موسى -عليه السلام- فانظر كيف كان يقينه كبيرًا في حفظ الله له وفي إنجائه من فرعون، قال -تعالى-: {قال كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (الشعراء:62-63).
يقين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم
أما يقين النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فحدث ولا حرج، فقد كان يقينه عظيمًا في حفظ الله له ولأصحابه يوم أخذ بالأسباب وهاجر هو والصديق -رضي الله عنه-، والصديق يقول له: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» (متفق عليه)، {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة:40).
ويوم منعه عثمان بن طلحة سيد بني شيبة حملة مفاتيح الكعبة المشرفة لقرون من دخول الكعبة، فقال: «يَا عُثْمَانُ، لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ يَوْمًا بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت، فَقال عثمان: لَقَدْ هَلَكَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ وَذَلّتْ. فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ عَمَرَتْ وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ»، وفتحت مكة وأخذ رسول الله مفاتيح الكعبة وجعلها في بني طلحة (الطبقات الكبرى لابن سعد)، ويوم عاد من الطائف ويقول: «يا زيد، إن الله جاعلٌ مما ترى فرجًا ومخرجًا، إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه (الطبقات الكبرى لابن سعد).
يوم الأحزاب عند حفر الخندق
ويوم الأحزاب عند حفر الخندق وهم في كرب وشدة، والباطل قد اجتمع عن قوس واحدة، وأحدهم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الخلاء، وما قال لهم رسول الله لما اعترضتهم كدية عظيمة عجزت عنها المعاول فأخبروه عنها - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ، وَقَالَ: «تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - بَرْقَةٌ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ: «تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَرَآهَا سَلْمَانُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ، وَقَالَ: «تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ، قَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ، مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «يَا سَلْمَانُ، رَأَيْتَ ذَلِكَ»؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ» قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، «ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا وَيُغَنِّمَنَا دِيَارَهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -د- بِذَلِكَ، «ثُمَّ ضَرَبْتُ الثَّالِثَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «عِنْدَ ذَلِكَ دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» (رواه النسائي، وحسنه الألباني).
عظيم يقين النبي -صلى الله عليه وسلم
فهذا كله يدل على عظيم يقينه -صلى الله عليه وسلم - في موعود الله له بالنصر على الأعداء، وفوزه عليهم، وحفظه له -سبحانه وتعالى-، كما في الحديث عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا قَالَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ» ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم . (متفق عليه).
خامسًا: يقين الصحابة -رضوان الله عليهم
أما عن يقين الصحابة في حفظ الله ونصرته لدينه وأوليائه فحدِّث أيضًا ولا حرج: فهذا الصديق يوم الحديبية وهو يقول لعمر -رضي الله عنهما-: «إنه رسول الله، وهو ناصره، ولن يضيعه، فالزم غرزه».
سادسًا: اليقين في سنن الله -تعالى- في خلقه
واستعراض سريع لحديث القرآن عن السنن، وهل لديك يقين فيها أم لا؟ وهي تشير إلى قرب زوال الباطل إذا وقع في أعمال بعينها، فالسنن لا تتبدل ولا تتغير وهي ثابتة ومتحققة، كسننه في الذين يمكرون بأوليائه ودينه، قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام:123)، {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} (الرعد:42)، وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} (فاطر:10)، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ}، {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} (نوح:22)، {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم:46).
سابعًا: اليقين في سنن الله -تعالى- في الظالمين
- وسننه -سبحانه وتعالى- في الظالمين: قال -تعالى-: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (العنكبوت: 40)، وقوله -تعالى-: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (التوبة:70)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} (يونس:13)، وقوله -تعالى-: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم:42).
ثامنًا: اليقين في سنن الله -تعالى- في أهل الفساد
قال -تعالى-: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة:205)، وقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:77)، وقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس:81)، وبمجرد عملهم بالإفساد هذا دليل على أخذهم؛ لأنه -سبحانه وتعالى- لهم بالمرصاد، {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر:11-14)، لكلِّ مَن أكثر وطغى في الفساد.
تاسعًا: اليقين في سنن الله -تعالى- فيمَن اجترؤوا عليه
وسننه فيمَن اجترؤوا عليه واقترفوا الذنوب والمعاصي بيِّنٌ في هذه السنة أنه لهم بالمرصاد: قال -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30)، وقوله -تعالى-: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:165)، وقوله -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)، فبيَّن -سبحانه- كيف أن الذنوب والمعاصي سبب مباشر لتسليط الأعداء والضعف والمذلة والأمراض.
عاشرًا: اليقين في صدق القرآن
واليقين في أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقد ورد أن العسل فيه شفاء، قال -تعالى-: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:69)، فلابد أن تكون على يقين بهذا، وقد جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: إنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اسْقِهِ عَسَلًا» فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقالَ: إنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا، فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ له ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» فَقالَ: لقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. (متفق عليه).