عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-12-2021, 11:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حروب الردة.. حماية مجتمع قام على تقوى من الله ( تقرير)

وسار الصديق على نفس المنهج، وحاول أن يحجم ويقضي على ما يمكن القضاء عليه من بؤر المرتدين، وقام بالتوعية ضدها والتخذيل منها وتنفير الناس عنها، واستطاع أن يتصل بالثابتين على الإسلام وجعل منهم رصيداً للجيوش المنظمة، فقد كان يعد الأمة لمواجهة منظمة مع المرتدين بعد عودة جيش أسامة. وراسل الصديق زعماء الردة والثابتين على الإسلام ليحقق بعض الأهداف، ككسب الوقت حتى يرجع جيش أسامة، فكتب إلى من كتب إليهم رسول الله باليمن وغيرها، ليبذلوا جهدهم لدعوة الثابتين إلى الإسلام، وطلب من الثابتين التجمع في مناطق حددها لهم حتى يأتيهم أمره. وكان هذا الترتيب بداية للخطة العسكرية القادمة، وقد حالف التوفيق بعض الثابتين بالوصول إلى المدينة ومعهم صدقاتهم مثل عدي بن حاتم الطائي، والزبرقان بن بدر التميمي، وتمكن الثابتون من إفشال حركة قيس بن مكشوح المرادي، وبعض التجمعات القبلية في تهامة وبلاد السراة ونجران وقد حققت هذه الوسيلة بعض النتائج، منها:
أ- نجحت خطة الصديق في تحقيق حملات التوعية والدعاية والتعضيد للمسلمين، والتخذيل لقوى المرتدين، تمهيداً لاتخاذ الوسيلة الأخرى حينما تتوفر لها الإمكانات، وهي أداة الجيوش المنظمة.
ب- حققت أغراضها من حيث التربية وإعداد الثابتين على الإسلام ليكونوا قواداً في حركة الفتوح الإسلامية فيما بعد، كعدي بن حاتم الطائي أحد قواد فتوح العراق.
جـ- تكوين قوى مسلمة مرابطة في بعض المراكز التي حددها لهم الصديق لتنظم بعد ذلك إلى الجيوش القادمة.
د- القضاء على بعض مناطق الردة ولو بمحدودية ضيقة مثل ما حصل في جنوب الجزيرة العربية.
2- إرسال الجيوش المنظمة
لما وصل جيش أسامة بعد شهرين - وقيل أربعين يوماً - من مسيرهم واستراحوا خرج أبو بكر الصديق بالصحابة رضي الله عنهم إلى (ذي القَّصَّة)، وهي على مرحلة من المدينة، وذلك لقتال المرتدين والمتمردين، فعرض عليه الصحابة أن يبعث غيره على القيادة وأن يرجع إلى المدينة ليتولى إدارة أمور الأمة وألحُّوا عليه بذلك، ومما رُوي في هذا الموضوع ما قالته عائشة: خرج أبي شاهراً سيفه راكبا راحلته إلى وادي ذي القصة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد، لُمَّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك، فو الله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً.
فرجع وقد قسم أبو بكر الجيش الإسلامي إلى أحد عشر لواء، وجعل على كل لواء أميراً، وأمر كل أمير جند باستنفار من مرّ به من المسلمين التابعين من أهل القرى التي يمر بها وهم:
1- جيش خالد بن الوليد إلى بني أسد ثم إلى تميم ثم إلى اليمامة.
2- جيش عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة في بني حنيفة، ثم إلى عمان والمهرة، فحضرموت، فاليمن.
3- جيش شرحبيل بن حسنة إلى اليمامة في إثر عكرمة ثم حضرموت.
4- جيش طريفة بن حاجز إلى بني سليم من هوازن.
5- جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
6- جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
7- جيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
8- جيش حذيفة بن محصن الغلفاني إلى عمان.
9- جيش عرفجة بن هرثمة إلى مهرة.
10- جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن (صنعاء ثم حضرموت).
11- جيش سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
وهكذا اتخذت قرية (ذي القصة) مركز انطلاق أو قاعدة تحرك للجيوش المنظمة التي ستقوم بالتحرك إلى مواطن الردة للقضاء عليها، وتنبئ خطة الصديق عن عبقرية فذة، وخبرة جغرافية دقيقة، ومن خلال تقسيم الألوية وتحديد المواقع يتضح أن الصديق كان جغرافياً دقيقاً خبيراً بالتضاريس، والتجمعات البشرية، وخطوط مواصلات جزيرة العرب، فكأن الجزيرة العربية صوّرت مجسم واضح نصب عينيه في غرفة عمليات مجهزة بأحدث وسائل التقنية، فمن يتمعَّن تسيير الجيوش ووجهه كلِّ منها، واجتماعها بعد تفرُّقها، وتفرقها لتجتمع ثانية، يرى تغطية سليمة رائعة صحيحة مثالية لجميع أرجاء الجزيرة، مع دقة في الاتصال مع هذه الجيوش، فأبو بكر في كل ساعة يعلم أين مواقع الجيوش ويعلم دقائق أمورها وتحركاتها، وما حققت، وما عليها في غد من واجبات، والمراسلات دقيقة وسريعة، تنقل أخبار الجبهات إلى مقرِّ القيادة في المدينة حيث الصديق، وكان على صلة مستمرة مع جيوشه كلها، وبرز من المراسلين العسكريين مابين الجبهات وبين مقرِّ القيادة: أبو خيثمة النَّجَّاري الأنصاري، وسلمة بن سلامة، وأبو برزة الأسلمي، وسلمة بن وقش.
وكان اللواء الركن الدكتور محمّد ضاهر وتر قد تحدث عن شخصية أبي بكر العسكريّة، وقال إن الصديق ما أن استلم القيادة حتى تبين أنه رجل على قدر كبير من اتخاذ المواقف الحازمة؛ فقد اتخذ موقفاً صلباً ضد أولئك الذين تهاونوا أو ترددوا في بعث أسامة، وضد أولئك العرب المرتدين الذين فرقوا بين أركان الإسلام، وكذلك فإنه قرر فتح جبهة العراق ثم الشام، وخرج من حدود شبه جزيرة العرب ليسجل العرب أمجاداً وعزة وكرامة.
وقد شكل قراره هذا منعطفاً تاريخياً في حياة العرب إلى يومنا هذا. أهذا الرجل الوديع اللطيف الذي حمل جسماً نحيفاً، تخرج منه هذه القرارات وهذه المواقف الحازمة‍؟، إن أحداً لن يصدق بهذا سوى الذين عرفوه عن كثب، وخبروه عن تجربة. ومما زاد في نجاح حزمه شجاعته التي كان يتصف بها؛ فقد قاد وحده معارك ذي القصة والربذة. وقد شهد بهذه الشجاعة علي ابن أبي طالب. وإذ قلنا بأنه صاحب العقل والحكمة؛ فإنما نعني من ذلك الرجل الذي أعلن عن موت الرسول صلى الله عليه وسلم حين وجل عمر والناس، وغابوا عن وعيهم، وذلك الرجل الذي أعلن عن خلافة عمر من بعده.
من أركان القيادة الأساسية – والكلام لا يزال للدكتور وتر - ومن مقوّمات الشخصية العسكرية العلم؛ فقد كان أبو بكر مثقفاً عالماً بزّ الصحابة، واعترفوا له بهذا الفضل، ورجعوا إليه في كل مسألة غامضة، كما كان على اطلاع واسع بالحروب، وبالخبرة القتالية، ويظهر ذلك من تعليماته القتالية لقادة جيوشه، ومن حسن تنفيذه وتوجيهه الجيوش وقيادتها على المستويين التكتيكي والإستراتيجي، والمناورة بها على جبهات واسعة وبعيدة، وتخطيطه لها في قتال التلاقي ولاسيما في العراق.
وكانت الجيوش التي بعثها الصديق متماسكة وهي إحدى إنجازات الدولة المهمة، إذ جمعت تلك الجيوش بين مهارة القيادة وبراعة التنظيم، فضلاً عن الخبرة في القتال صهرتها الأعمال العسكرية في حركة السرايا والغزوات التي تعدى بعضها شبه الجزيرة في زمن النبي، فقد كان الجهاز العسكري لدولة الصديق متفوقاً على كل القوى العسكرية في الجزيرة، وكان القائد العام لهذه الجيوش سيف الله المسلول خالد بن الوليد صاحب العبقرية الفذة في حروب الردة والفتوحات الإسلامية.
كان هذا التوزيع للجيوش وفق خطة إستراتيجية مهمة مفادها أن المرتدين لايزالون متفرقين كلٌّ في بلده ولم يحصل منهم تحزب ضد المسلمين بالنسبة للقبائل الكبيرة المتباعدة في المكان أولاً؛ لأن الوقت لم يكن كافياً للقيام بعمل كهذا، حيث لم يمض على ارتدادهم إلا ما يقرب من ثلاثة شهور، وثانياً لأنهم لم يدركوا خطر المسلمين عليهم وأنهم باستطاعتهم أن يكتسحوهم جميعاً في شهور معدودة، ولذلك أراد الصديق أن يعاجلهم بضربات مفاجئة تقضي على شوكتهم وقوتهم قبل أن يجتمعوا في نصرة باطلهم، فعاجلهم قبل استفحال فتنتهم، ولم يترك لهم فرصة يطلون منها برؤوسهم، ويمدون ألسنتهم يلذعون بها الجسم الإسلامي وبذلك طبق الحكمة القائلة:
لا تقطَعَنْ ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهماً فاتبع رأسها الذنبا
فقد أدرك حجم الحدث وأبعاده، ومدى خطورته، وعلم أنه إن لم يفعل كذلك فسيوشك الجمر أن ينتفض من تحت الرماد فيحرق الأخضر واليابس كما قال الأول:
أرى تحت الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون له ضرام
فقد كان السياسي الماهر والعسكري المحنَّك الذي يقدر الأمور ويضع لها الخطط المباشرة.
انطلقت الألوية التي عقدها الصديق ترفرف عليها أعلام التوحيد مصحوبة بدعوات خالصة من قلوب تعظم المولى عز وجل وتشربت معاني الإيمان ومن حناجر لم تلهج إلا بذكر الله تعالى، فاستجاب الله جل وعلا هذه الدعوات النقية، فأنزل عليهم نصره وأعلى بهم كلمته وحمى بهم دينه حتى دانت جزيرة العرب للإسلام في شهور معدودة.
وقد كتب أبو بكر الصديق كتاباً واحداً إلى قبائل العرب من المرتدين والمتمردين، فدعاهم إلى العودة إلى الإسلام وتطبيقه كاملاً كما جاء من عند الله تعالى ثم حذرهم من سوء العاقبة فيما لو ظلوا على ما هم عليه في الدنيا والآخرة، وكان قوياً في إنذارهم، وهذا هو المناسب لشدة انحرافهم وقوة تصلبهم في التمسك بباطلهم، فكان لابد من إنذار شديد يتبعه عمل جريء قوي لإزالة الطغيان الذي عشَّش في أفكار زعماء تلك القبائل والعصبية العمياء التي سيطرت على أفكار أتباعهم.
وهذا نص الخطاب الذي أرسله الصديق إلى من ثبتوا على الإسلام ومن ارتدوا عنه:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، نُقرُّ بما جاء به، ونكفِّر من أبى ونجاهده. أما بعد، فإن الله تعالى أرسل محمداً بالحق من عنده إلى خلقه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. فهدى الله بالحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوْعاً وكَرهاً. ثم توفى الله رسوله وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل، قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [سورة الزمر، آية:30]، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [سورة الأنبياء، آية:34]، وقال للمؤمنين :{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران، آية:144]، فمن كان إنما يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه.. وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله، وما جاءكم به نبيكم، وأن تهتدوا بهُداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من يعافه مُبْتلى، وكل من لم يُعنه الله مخذول، فمن هداه الله كان مهتدياً ومن أضله كان ضالاً، قال الله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [سورة الكهف، آية:17]. ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتى يقربه، ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل. وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله، وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [سورة الكهف، آية:50]، وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة فاطر، آية:6]، وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكفّ وعمل صالحاً قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يُبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار، ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد إلا سلام، فمن تبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجز الله. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان: فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كُفُّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا عاجلوهم،وإن أذَّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم، وحملهم على ما ينبغي لهم".
ويوضح الصلابي أن خطاب أبي بكر كان يدور حول محورين:
أ- بيان أساس مطالبة المرتدين بالعودة إلى الإسلام.
ب- بيان عاقبة الإصرار على الردة.
وقد أكد الكتاب على عدة حقائق هي:
* أن الكتاب موجه إلى العامة والخاصة ليسمع الجميع دعوة الله.
* بيان أن الله بعث محمداً بالحق فمن أقر به كان مؤمناً، ومن أنكر كان كافراً يجاهد ويقاتل.
* بيان أن محمداً بشر قد حق عليه قول الله: إنك ميت، وأن المؤمن لا يعبد محمداً وإنما يعبد الله الحي الباقي الذي لا يموت أبداً، ولذلك لا عذر لمرتد.
* إن الرجوع عن الإسلام جهل بالحقيقة واستجابة لأمر الشيطان، وهذا يعني أن يتخذ العدو صديقاً، وهو ظلم عظيم للنفس السوية، إذ يقودها صاحبها بذلك إلى النار عن طواعية.
* إن الصفوة المختارة من المسلمين وهم المهاجرون والأنصار وتابعوهم هم الذين ينهضون لقتال المرتدين غيرة منهم على دينهم، وحفاظاً عليه من أن يهان.
* إن من رجع إلى الإسلام، وأقر بضلاله، وكف عن قتال المسلمين وعمل من الأعمال ما يتطلبه دين الله، فهو من مجتمع المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم.
* إن من يأبى الرجوع إلى صف المسلمين، ويثبت على ردته، إنما هو محارب لابد من شن الغارة عليه: تقتله أو تحرقه وتسبي نساءه وذراريه، ولن يعجز الله بأية حال.
* إن الشارة التي ينجو بها المرتدون من غارة المسلمين أن يعلن فيهم الأذان، وإلا فالمعالجة بالقتال هي البديل.
وحتى لا يترك الخليفة الأمر للقادة والجند بغير انضباط، كتب للقواد جميعاً كتاباً واحداً، يدعوهم فيه إلى الالتزام بمضمون كتابه السابق، وهذا نصه:
" بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام، وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله سره وعلانيته، وأمره بالجدّ في أمر الله، ومجاهدة من تولى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام، فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شنّ غارته عليهم حتى يقرُّوا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم، لا يُنظرهم، ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقرّ له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يتقبل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله، فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسربه، ومن لم يجب داعية الله قُتل وقوتل حيث كان، وحيث بلغ مراغَمهُ، لا يقبل من أحد شيئاً أعطاه إلا الإسلام، فمن أجابه وأقرّ قبل منه وعلَّمه، ومن أبى قاتله، فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران، ثم قسَّم ما أفاء الله عليهم، إلا الخُمس فإنه يبلغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وألاّ يُدخل فيهم حَشْواً حتى يعرفهم ويعلم ما هم، لا يكونوا عيوناً، ولئلا يُؤتى المسلمون من قبلهم، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم، ولا يُعجِّل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول".
وفي هذا العهد الذي ألزم به قوّاده يظهر حرص الصديق على إلزام أمرائه في حرب الردة بتعليمات أساسية مكتوبة موحدة نصت بوضوح لا يحتمل اللبس على حظر القتال قبل الدعوة إلى الإسلام والإمساك عن قتال من يجيب والحرص على إصلاحهم وحظر مواصلة القتال بعد أن يقروا بالإسلام والتحول عند هذه النقطة من القتال إلى تعليمهم أصول الإسلام وتبصيرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات وحظر المهادنة أو رد الجيش عن محاربة المرتدين ما لم يفيئوا إلى أمر الله.
والتزم الجيش الإسلامي في التنفيذ بمبدأ الدعوة قبل القتال والإمساك عن القتال بمجرد إجابة الدعوة باعتبار أن الغاية الوحيدة هي عودة المرتدين إلى الذي خرجوا منه، وتلمساً لتحقيق أقصى درجة من التوافق في صفوف القوات الإسلامية التي نيط بها القضاء على ظاهرة الردة أمضى الصديق هذا العهد مع أمراء الجيوش الإسلامية، يطلب من الجيش أن يكون سلوكه ذاته خير دعوة للمهمة المسندة إليه، وأن يتطابق تماماً مع هدف واحد هو الدفاع عن الإسلام.
إن اقتداء أبي بكر برسول الله علمه فن القيادة، ونجاح القائد في قيادته يتوقف على مدى نجاحه في جنديته، ولقد كان أبو بكر نعم الجندي في جيش المسلمين، مخلصاً في ولائه لرسول الله، يطبق ما يقوله بحذافيره، مضحياً في سييله لم يفر عنه في معركة قط، ونستطيع أن ندرك دقة آرائه القيادية وبعد مرماها من وصاياه لقواده وخططه العامة التي رسمها لهم أثناء تحركهم لضرب قوات العدو.
وتتلخص الخطة العامة للصديق في النقاط الآتية:
أ- ضمنت الخطة أحكام التعاون بين هذه الجيوش جميعها بحيث لا تعمل كأنها منفصلة تحت قيادة مستقلة وإنما هي رغم تباعد المكان جهاز واحد، وقد تلتقي - أو يلتقي بعضها ببعض - لتفترق، ثم تفترق لتلتقي، كان ذلك والخليفة بالمدينة يدير حركة القتال ومعاركه.
ب- احتفظ الصديق بقوة تحمي المدينة - عاصمة الخلافة - واحتفظ بعدد من كبار الصحابة ليستشيرهم، وليشاركوه في توجيه سياسة الدولة.
جـ- أدرك الصديق أن هناك جيوشاً من المسلمين داخل المناطق التي شملتها حركة العصيان والردة، وقد حرص على هؤلاء المسلمين من أن يتعرضوا لنقمة المشركين، ولذلك فإنه أمر قادته باستنفار من يمرون بهم من أهل القوة من المسلمين من جهة، وبضرورة تخلف بعضهم لمنع بلادهم وحمايتها من جهة أخرى.
د- طبق الخليفة مبدأ الحرب خدعة مع المرتدين، حتى أظهر أن الجيوش تنوي شيئاً، وهي في حقيقة الأمر كانت تستهدف شيئاً آخر، زيادة في الحيطة والحذر من اكتشاف خطته.
وهكذا تظهر الحنكة السياسية، والتجربة العملية، والعلم الراسخ، والفتح الرباني في قيادة الصديق.

دروس وعبر من حروب الردة
1- تحقيق شروط التمكين
إن الاستخلاف في الأرض، والتمكين لدين الله، وإبدال الخوف أمناً، وعد من الله تعالى متى حقق المسلمون شروطه، ولقد أشار القرآن الكريم بكل وضوح إلى شروط التمكين، ولوازم الاستمرار فيه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة النور، آية:55-56].
ولقد أشارت الآيات الكريمة إلى شروط التمكين، وهي: الإيمان بكل معانيه وبكافة أركانه، وممارسة العمل الصالح بكل أنواعه والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر، وتحقيق العبودية الشاملة، ومحاربة الشرك بكل أشكاله وأنواعه وخفاياه، وأما لوازم التمكين فهي: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول، وقد تحققت هذه الشروط واللاوازم كلها في عهد الصديق والخلفاء الراشدين من بعده، وكان للصديق الفضل بعد الله في تذكير الأمة بهذه الشروط؛ ولذلك رفض طلب الأعراب في وضع الزكاة عنهم، وأصرّ على بعث جيش أسامة، والتزم بالشرع كاملاً، ولم يتنازل عن صغيرة ولا كبيرة.
قال عبدالله بن مسعود: لقد قمنا بعد رسول الله مقاماً كدْنا نهلك فيه لولا أن منّ علينا بأبي بكر، أجمعنا على أن لا نقاتل على ابنة مخاض وابنة لبون، وأن نأكل قرى عربية ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، فعزم الله لأبي بكر على قتاله فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المحلية.
2- الأخذ بأسباب التمكين
قال تعال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [سورة الأنفال، آية:60]. وكان إعداد الصديق شاملاً، معنوياً ومادياً، فجيش الجيوش وعقد الألوية، واختار القادة لحروب الردة، وراسل المرتدين، وحرض الصحابة على قتالهم، وجمع السلاح والخيل والإبل وجهز الغزاة، وحارب البدع، والجهل، والهوى، وحكّم الشريعة، وأخذ بأصول الوحدة والاتحاد والاجتماع، وأخذ بمبدأ التفرغ، وساهم في إحياء مبدأ التخصص، فخالد لقيادة الجيوش، وزيد بن ثابت لجمع القرآن، وأبو برزة الأسلمي للمراسلات الحربية، وهكذا، واهتم بالجانب الأمني والإعلامي، وغير ذلك من الأسباب.
صفات جيل التمكين
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة المائدة، آية:54]، هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين فقد مدحهم الله بأكمل الصفات وأعلى المبرات.
فمذهب السلف في المحبة المسندة له سبحانه وتعالى، أنها ثابتة لله بلا كيف ولا تأويل، ولا مشاركة للمخلوق في شيء من خصائصها. لقد أحب المولى عز وجل ذلك الجيل لما بذلوه من أجل دينهم وبما تطوعوا به بما لم يفرض عليهم فرضاً، تقرباً إلى الله وحبا لرسوله، واتخاذهم المندوبات والمستحبات كأنها فروض واجبة التنفيذ، ولقد اتصف هذا الجيل بصفات الإحسان والتقوى والصبر التي ذكر المولى عز وجل بأنه يحبها قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [سورة آل عمران، آية:134]، وقال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران، آية:76].
ولقد أحب الصحابة المولى عز وجل حباً عظيماً فقدموا محابه على كل شيء وبغضوا ما أبغضه، ووالوا ما والاه وعادوا من عاداه واتبعوا رسوله، واقتفوا أثره، لقد أحب الصحابة ربهم، وخالقهم، ورازقهم؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها وأي إحسان كإحسان من خلق فقدر، وشرع فيسر، وجعل الإنسان في أحسن تقويم، ووعد من أطاعه بجنة الخلد.
لهذا كله أحب ذلك الجيل ربهم حبا لا مثيل له، فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله، بلا تردد أو منة، بل اعتبروا ذلك تفضل من الله عليهم، أن فتح لهم باب الجهاد والاستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه، فقاموا بذلك الواجب خير قيام.
ومن بين تلك الصفات أن يكون المؤمن متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه؛ ولذلك قام الصديق وجنوده الكرام بمناصرة المسلمين وخرج بنفسه يقاتل المرتدين، وسير إحدى عشرة لواء، لرفع الظلم عن المؤمنين، وكسر شوكة المرتدين ولم يقبل من المرتدين الذين عذبوا المستضعفين من مواطنيهم المسلمين إلا أن يأخذ بحقهم منهم فيفعل بهم كما فعلوا بهم وكذلك فعل قادة جيوشه، وكان حريصاً على مراعاة أحوال الرعية في المجتمع.
كذلك ظهرت صفة المجاهدة لأعداء الله في عصر الصديق في حربهم للمرتدين وكسرهم لشوكتهم ومن بعد في الفتوحات الإسلامية. لقد جاهد الصحابة أعداءهم من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وتحقيق عبادة الله وحده، وإقامة حكم الله ونظام الإسلام في الأرض، ودفع عدوان المرتدين، ومنع الظلم بين الناس، وبالجهاد في سبيل الله تحقق إعزاز المسلمين وإذلال المرتدين، ورجع الناس إلى دين الله.
واستطاعت القيادة الإسلامية بزعامة الصديق أن تجعل من الجزيرة العربية قاعدة للانطلاق لفتح العالم أجمع، وأصبحت الجزيرة هي النبع الصافي الذي يتدفق منه الإسلام ليصل إلى أصقاع الأرض بواسطة رجال عركتهم الحياة، وأصبحوا من أهل الخبرات المتعددة في مجالات التربية والتعليم والجهاد وإقامة شرع الله الشامل لإسعاد بني الإنسان حيثما كان.
3- آثار تحكيم الشرع
تظهر آثار تحكيم شرع الله في عصر الصديق في تمكين الله للصحابة، فقد حرصوا على إقامة شعائر الله على أنفسهم وأهليهم وأخلصوا لله في تحاكمهم إلى شرعه، فالله سبحانه وتعالى قواهم وشد أزرهم ونصرهم على المرتدين، ورزقهم الأمن والاستقرار قال تعالى: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأنعام، آية:82]. وتحققت فيهم سنة الله في نصرته لمن ينصره؛ لأن الله ضمن لمن استقام على شرعه أن ينصره على أعدائه بعزته وقوته قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [سورة الحج، آية:40-41].
وما حدث قط في تاريخ البشرية أن استقامت مجموعة على هدى الله إلا منحها القوة والمنعة والسيادة في نهاية المطاف.
4 - الإعداد القيادي لحركة الفتوح الإسلامية
ومن خلال أحداث الردة التي ميزت الصفوف وامتحنت الطاقات، والقدرات، وكشفت عن الطبقة التي كانت تغطي عن معادن الأمة، ظهرت المعادن الخسيسة على حقيقتها وأعطي المقاد للمعادن النفيسة الصلبة المصقولة لتمسك بزمام الأمور في حركة الفتوح، فالمصادر التاريخية تمدنا بمعلومات جمة عن قيادات لم تكن من المهاجرين ولا من الأنصار ولا من الصحابة، ولكنهم تربوا من خلال كتاب الله مباشرة، ثم صقلتهم أحداث الردة، وميزتهم عن غيرهم ليصلوا إلى صدارة الجيوش الفاتحة، وشهد لهم الجميع بالحنكة، والأداء المتفاني، والإيمان الصادق.
هذا وقد كانت القيادة المركزية في المدينة، وميادين القتال تديرها قيادات غاية في التفاهم والتعاون والتحاب على الرغم من بعد المسافات إلا أن التوازن الرائع بين دور كل من القيادة المركزية وقيادات ميادين القتال كان واضحاً وبارزاً.
5- الفقه الواقعي للردة
وردت العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت على الردة كحالة تعتري بعض البشر، وكل ما ورد من النصوص ظلت في إطارها العام النظري الثابت، ولم تكن قد مورست بشكل عام في الواقع، ولما وقعت الردة وعاشها المسلمون عملياً واستنبطوا لها أحكاماً على ضوء تلك النصوص.
كانت تلك الاستنباطات معالم هادية لفقه تلك النصوص، ويتضح هذا من نقاش بين الصحابة حول موقفهم من هؤلاء القوم، فكانوا يعودون إلى النصوص يدرسون ويتحاورون حولها، وسرعان ما يتفقون على صورة واحدة سواء في تقييمهم وتوصيفهم الوصف المنطبق عليهم أم في طريقة معاملتهم.
فهذه الوقفات العملية أمام الحدث والنص أنتجت أبواباً في كتب التشريع الإسلامي ضمت تفصيلات تشريعية دقيقة عن أحكام الردة ثم صار عمل الصحابة سابقة فقهية تؤخذ في الاعتبار عند استنباط اجتهاد، أو تطبيق حكم فيما بعد.
6 - استقرار التنظيم الإداري في الجزيرة العربية
استقر التقسيم الإداري بعد انتصار الصديق في حروب الردة على نظام الولايات، وهي: مكة، وكان أميرها عتاب بن أسيد، والطائف وأميرها عثمان بن أبي العاص، وصنعاء وأميرها المهاجر بن أبي أمية، وحضرموت ووليها زياد بن لبيد، وخولان ووليها يعلى بن أمية، وزبيد ورفع ووليهما أبو موسى الأشعري، أما جَنَد اليمن، فأميرها معاذ بن جبل، ونجران ووليها جرير بن عبدالله، وجرش ووليها عبدالله بن نور، والبحرين ووليها العلاء بن الحضرمي، وعمان ووليها حذيفة الغلفاني، واليمامة ووليها سليط بن قيس.
الخلاصة
واضح من تعامل الخليفة الصديق والصحابة – رضي الله عنهم – في التعامل مع خطر الردة أن حماية المجتمعات المسلمة، ونشر الدعوة الإسلامية لا تتحقق إلا بإصلاح المجتمع من الداخل أولاً، وأهم عمليات الإصلاح ترسخ العقيدة الإسلامية وتطبيقها كاملة دون زيادة أو نقصان.
ففي غياب منهج الإسلام يظل المجتمع المسلم فاسداً ضعيفاً مفككاً تائهاً، وعاجزاً عن حماية نفسه ودرء المخاطر الخارجية التي تهدده.. وبالتالي لا يرجى منه الخير لدينه وأمته.
والفرق واضح بين }أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ{، ومن }أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ{؛ لأنه مصيره الانهيار والسقوط.
ــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصيته وعصره)، د. علي محمد الصَّلاَّبي.
- (الرّيادة في حروب وفتوحات أبي بكر الصّديق)، اللواء الركن الدكتور/ محمّد ضاهر وتر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]