
26-11-2021, 03:47 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,053
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (127)
سُورَةُ هُودٍ (5)
صـ 186 إلى صـ 190
قوله تعالى : ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما الآية .
لم يبين هنا ما المراد بهذه البشرى التي جاءت بها رسل الملائكة إبراهيم ولكنه أشار بعد هذا إلى أنها البشارة بإسحاق ويعقوب في قوله : وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب [ 11 \ 71 ] ; لأن البشارة بالذرية الطيبة شاملة للأم والأب ، كما يدل لذلك قوله : وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين [ 37 \ 112 ] .
وقوله : قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم [ 51 \ 28 ] ، وقوله : قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ، وقيل : البشرى هي إخبارهم له بأنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط ، وعليه فالآيات المبينة لها كقوله هنا في هذه السورة : قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط الآية [ 11 \ 70 ] .
وقوله : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط الآية [ 15 \ 58 ، 59 ] .
وقوله : قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين [ 51 \ 32 ، 33 ] ، وقوله : ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين [ 29 \ 31 ] .
والظاهر : القول الأول ، وهذه الآية الأخيرة تدل عليه ; لأن فيها التصريح بأن إخبارهم بإهلاك قوم لوط بعد مجيئهم بالبشرى ; لأنه مرتب عليه بأداة الشرط التي هي " لما " كما [ ص: 186 ] ترى .
قوله تعالى : فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم الآية ، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم لما سلم على رسل الملائكة وكان يظنهم ضيوفا من الآدميين أسرع إليهم بالإتيان بالقرى وهو لحم عجل حنيذ أي منضج بالنار ، وأنهم لما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة فقالوا لا تخف وأخبروه بخبرهم .
وبين في " الذاريات " : أنه راغ إلى أهله ، أي مال إليهم فجاء بذلك العجل وبين أنه سمين ، وأنه قربه إليهم ، وعرض عليهم الأكل برفق فقال لهم : ألا تأكلون [ 51 \ 27 ] ، وأنه أوجس منهم خيفة وذلك في قوله : هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة الآية [ 51 \ 24 - 28 ] .
تنبيه
يؤخذ من قصة إبراهيم مع ضيفه هؤلاء أشياء من آداب الضيافة : منها تعجيل القرى ; لقوله : فما لبث أن جاء بعجل حنيذ [ 11 \ 69 ] .
ومنها كون القرى من أحسن ما عنده ; لأنهم ذكروا أن الذي عنده البقر وأطيبه لحما الفتي السمين المنصح .
ومنها تقريب الطعام إلى الضيف .
ومنها ملاطفته بالكلام بغاية الرفق ، كقوله ألا تأكلون [ 51 \ 27 ] .
ومعنى قوله نكرهم [ 11 \ 70 ] ، أي : أنكرهم لعدم أكلهم ، والعرب تطلق نكر ، وأنكر بمعنى واحد ، وقد جمعهما قول الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا وروي عن يونس : أن أبا عمرو بن العلاء حدثه : أنه صنع هذا البيت وأدخله في شعر الأعشى ، والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : قالت ياويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب .
بين الله جل وعلا في هذه السورة الكريمة ما قالته امرأة إبراهيم لما بشرت بالولد وهي [ ص: 187 ] عجوز ، ولم يبين هنا ما فعلت عند ذلك ، ولكنه بين ما فعلت في " الذاريات " بقوله : فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم [ 51 \ 29 ] ، وقوله : في صرة ، أي : ضجة وصيحة ، وقوله : فصكت وجهها ، أي : لطمته .
قوله تعالى : وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ، لم يبين هنا ما جادل به إبراهيم الملائكة في قوم لوط ، ولكنه أشار إليه في " العنكبوت " بقوله : قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته الآية [ 29 \ 31 ، 32 ] .
فحاصل جداله لهم أنه يقول : إن أهلكتم القرية وفيها أحد من المؤمنين أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب ، فأجابوه عن هذا بقولهم نحن أعلم بمن فيها الآية [ 29 \ 32 ] .
ونظير ذلك قوله : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [ 51 \ 35 ، 36 ] .
قوله تعالى : يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود .
هذا العذاب الذي صرح هنا بأنه آت قوم لوط لا محالة وأنه لا مرد له بينه في مواضع متعددة ، كقوله في هذه السورة الكريمة : فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد [ 11 \ 82 ، 83 ] .
وقوله في " الحجر " : فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ 15 \ 74 ، 75 ] .
وقوله : ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء الآية [ 25 \ 40 ] .
وقوله : ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين [ 26 \ 172 ، 173 ] .
وقوله : لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين [ 51 \ 33 ، 34 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب .
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن لوطا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها ، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعا ، وقال هذا يوم عصيب : أنه ظن أنهم ضيوف من بني آدم ، كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط ; لأنهم إن علموا بقدوم [ ص: 188 ] ضيف فرحوا واستبشروا به ليفعلوا به الفاحشة المذكورة ، فمن ذلك قوله هنا : وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد [ 11 \ 78 ، 79 ] .
وقوله في " الحجر " : وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ 15 \ 67 - 72 ] .
وقوله : يهرعون [ 11 \ 78 ] ، أي : يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك ، ومنه قول مهلهل :
فجاءوا يهرعون وهم أسارى تقودهم على رغم الأنوف وقوله : ولا تخزون ، أي : لا تهينون ولا تذلون بانتهاك حرمة ضيفي ، والاسم منه : الخزي بكسر الخاء وإسكان الزاي . ومنه قول حسان في عتبة بن أبي وقاص :
فأخزاك ربي يا عتيب بن مالك ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
وقال بعض العلماء : قوله : ولا تخزون [ 15 \ 69 ] من الخزاية ، وهي الخجل والاستحياء من الفضيحة ، أي لا تفعلوا بضيفي ما يكون سببا في خجلي واستحيائي ، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا وحشيا تطارده الكلاب في جانب حبل من الرمل :
حتى إذا دومت في الأرض راجعه كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب
خزاية أدركته بعد جولته من جانب الحبل مخلوطا بها الغضب
يعني أن هذا الثور لو شاء نجا من الكلاب بالهرب ، ولكنه استحيا وأنف من الهرب فكر راجعا إليها ، ومنه قوله الآخر :
أجاعلة أم الثوير خزاية على فراري أن لقيت بني عبس
والفعل منه : خزي يخزى ، كرضي يرضى ، ومنه قول الشاعر :
من البيض لا تخزى إذا الريح ألقعت بها مرطها أو زايل الحلى جيدها
وقول الآخر :
وإني لا أخزى إذا قيل مملق سخي وأخزى أن يقال بخيل
[ ص: 189 ] وقوله : لعمرك معناه : أقسم بحياتك ، والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه ، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى .
ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " .
وقوله : لعمرك ، مبتدأ خبره محذوف ، أي لعمرك قسمي ، وسمع عن العرب تقديم الراء على اللام في لعمرك ، فتقول فيها : رعملك ، ومنه قول الشاعر :
رعملك إن الطائر الواقع الذي تعرض لي من طائر لصدوق
وقوله : لفي سكرتهم [ 15 \ 72 ] ، أي : عماهم وجهلهم وضلالهم ، والعمه : عمى القلب ، فمعنى يعمهون [ 15 \ 72 ] : يترددون متحيرين لا يعرفون حقا من باطل ، ولا نافعا من ضار ، ولا حسنا من قبيح .
واختلف العلماء في المراد بقول لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : هؤلاء بناتي [ 11 \ 78 ] في الموضعين على أقوال :
أحدها : أنه أراد المدافعة عن ضيفه فقط ، ولم يرد إمضاء ما قال ، وبهذا قال عكرمة ، وأبو عبيدة .
الثاني : أن المراد بناته لصلبه ، وأن المعنى : دعوا فاحشة اللواط وأزوجكم بناتي ، وعلى هذا فتزويج الكافر المسلمة كان جائزا في شرعه ، كما كانت بنات نبينا صلى الله عليه وسلم تحت الكفار في أول الإسلام كما هو معروف ، وقد أرسلت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدها الذي زفتها به أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى زوجها أبي العاص بن الربيع ، أرسلته إليه في فداء زوجها أبي العاص المذكور لما أسره المسلمون كافرا يوم بدر ، والقصة مشهورة ، وقد عقدها الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازيه بقوله في غزوة بدر :
وابن الربيع صهر هادي الملة إذ في فداه زينب أرسلت بعقدها الذي به أهدتها له خديجة وزففتها سرحه بعقدها وعهدا إليه أن يردها له غدا إلخ . . . القول الثالث : أن المراد بالبنات : جميع نساء قومه ; لأن نبي القوم أب ديني لهم ، [ ص: 190 ] كما يدل له قوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ 33 \ 6 ] وفي قراءة أبي بن كعب : " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " وروي نحوها عن ابن عباس ، وبهذا القول قال كثير من العلماء .
وهذا القول تقربه قرينة وتبعده أخرى ، أما القرينة التي تقربه فهي : أن بنات لوط لا تسع جميع رجال قومه كما هو ظاهر ، فإذا زوجهن لرجال بقدر عددهن بقي عامة رجال قومه لا أزواج لهم ، فيتعين أن المراد عموم نساء قومه ، ويدل للعموم قوله : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [ 26 \ 165 ، 166 ] ، وقوله : أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء [ 27 \ 55 ] ، ونحو ذلك من الآيات .
وأما القرينة التي تبعده : فهي أن النبي ليس أبا للكافرات ، بل أبوة الأنبياء الدينية للمؤمنين دون الكافرين ، كما يدل عليه قوله : النبي أولى بالمؤمنين الآية [ 33 \ 6 ] .
وقد صرح تعالى في " الذاريات " : بأن قوم لوط ليس فيهم مسلم إلا أهل بيت واحد وهم أهل بيت لوط ، وذلك في قوله : فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [ 51 \ 36 ] .
قوله تعالى : قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه لوطا وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه ، وعرض عليهم النساء وترك الرجال ، فلم يلتفتوا إلى قوله ، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة ، فقال لوط : لو أن لي بكم قوة الآية [ 11 \ 80 ] ، فأخبرته الملائكة بأنهم رسل ربه ، وأن الكفار الخبثاء لا يصلون إليه بسوء .
وبين في القمر أنه تعالى طمس أعينهم ، وذلك في قوله : ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر [ 54 \ 37 ] .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|