عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 26-11-2021, 04:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (126)

سُورَةُ هُودٍ (4)
صـ 181 إلى صـ 185


ومنها ما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي رضي الله عنه قال : كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة ، قد احتبس في بيته أقرئه القرآن ، فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة ، [ ص: 181 ] فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه ، وإن كان يتحفك به فلا تأكله " ا هـ بواسطة نقل ابن قدامة في " المغني " والشوكاني في " نيل الأوطار " .

فهذه الأدلة ونحوها تدل على أن تعليم القرآن والمسائل الدينية لا يجوز أخذ الأجرة عليه .

وممن قال بهذا : الإمام أحمد في إحدى الروايتين ، وأبو حنيفة ، والضحاك بن قيس ، وعطاء .

وكره الزهري ، وإسحاق تعليم القرآن بأجر .

وقال عبد الله بن شقيق : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت .

وممن كره أجرة التعليم مع الشرط : الحسن ، وابن سيرين ، وطاوس ، والشعبي ، والنخعي ، قاله في " المغني " ، وقال : إن ظاهر كلام الإمام أحمد جواز أخذ المعلم ما أعطيه من غير شرط .

وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، وهو مذهب مالك ، والشافعي .

وممن رخص في أجور المعلمين : أبو قلابة ، وأبو ثور ، وابن المنذر .

ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال : التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين ، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة ، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس ، التعليم أحب إلي .

وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم ، قاله ابن قدامة في " المغني " .

واحتج أهل هذا القول بأدلة ، منها ما رواه الشيخان ، وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة ، فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ " ، فقال : ما عندي إلا إزاري ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

" إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك " ، فالتمس شيئا . فقال : ما أجد شيئا ، فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال نعم ، سورة كذا وكذا يسميها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد [ ص: 182 ] زوجتكها بما معك من القرآن " ، وفي رواية " قد ملكتكها بما معك من القرآن "
فقالوا : هذا الرجل أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضا عن صداقها ، وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز ، وما رد به بعض العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم زوجه إياها بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ، ولم يجعل التعليم صداقا لها - مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن " وفي رواية لأبي داود " علمها عشرين آية وهي امرأتك " .

واحتجوا أيضا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس : " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ، قالوا : الحديث وإن كان واردا في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، واحتمال الفرق بين الجعل على الرقية وبين الأجرة على التعليم ظاهر .

قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضا على تعليم القرآن ، والعقائد ، والحلال ، والحرام ، للأدلة الماضية ، وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين ; لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم لا من قبيل الأجرة .

والأولى لمن أغناه الله أن يتعفف عن أخذ شيء في مقابل التعليم للقرآن ، والعقائد ، والحلال والحرام ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين الآية ، ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبيه نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين ، وبين في سورة قد أفلح المؤمنون أنه أمره أن يسلكهم - أي يدخلهم - فيها .

فدل ذلك على أن فيها بيوتا يدخل فيها الراكبون ، وذلك في قوله فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين [ 23 \ 27 ] ، ومعنى اسلك أدخل فيها من كل زوجين اثنين ، تقول العرب : سلكت الشيء في الشيء : أدخلته فيه ، وفيه لغة أخرى وهي : أسلكته فيه ، رباعيا بوزن : أفعل ، والثلاثية لغة القرآن ، كقوله : فاسلك فيها من كل زوجين اثنين الآية [ 23 \ 27 ] ، وقوله اسلك يدك في جيبك الآية [ 28 \ 32 ] ، وقوله : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين الآية [ 26 \ 200 ] ، وقوله : [ ص: 183 ] كذلك نسلكه في قلوب المجرمين الآية [ 15 \ 12 ] ، وقوله : ما سلككم في سقر الآية [ 74 \ 42 ] ، ومنه قول الشاعر :


وكنت لزاز خصمك لم أعدد وقد سلكوك في يوم عصيب
ومن الرباعية قول عبد مناف بن ربع الهذلي :


حتى إذا أسلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الجمالة الشردا
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي أن أصل السلك الذي هو الخيط فعل بمعنى مفعول كذبح بمعنى مذبوح ، وقتل بمعنى مقتول ; لأن الخيط يسلك أي يدخل في الخرز لينظمه ، كما قال العباس بن مرداس السلمي :


عين تأوبها من شجوها أرق فالماء يغمرها طورا وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة تقطع السلك منه فهو منتثر
والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : وأهلك إلا من سبق عليه القول الآية ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أمر نوحا أن يحمل في السفينة أهله إلا من سبق عليه القول ، أي سبق عليه من الله القول بأنه شقى ، وأنه هالك مع الكافرين .

ولم يبين هنا من سبق عليه القول منهم ، ولكنه بين بعد هذا أن الذي سبق عليه القول من أهله هو ابنه وامرأته .

قال في ابنه الذي سبق عليه القول : ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين [ 11 \ 42 ] إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين [ 11 \ 43 ] ، وقال فيه أيضا : قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح الآية [ 11 \ 46 ] ، وقال في امرأته : ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح إلى قوله مع الداخلين [ 66 \ 01 ] .
قوله تعالى : وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم .

ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أمر أصحابه الذين قيل له احملهم فيها أن يركبوا فيها قائلا : بسم الله مجراها ومرساها [ 11 \ 41 ] ، أي : بسم الله يكون جريها على وجه الماء ، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها .

وبين في " سورة الفلاح " : أنه أمره إذا استوى على السفينة هو ومن معه أن يحمدوا [ ص: 184 ] الله الذي نجاهم من الكفرة الظالمين ، ويسألوه أن ينزلهم منزلا مباركا ، وذلك في قوله : فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين [ 23 \ 28 ، 29 ] .

وبين في " سورة الزخرف " ما ينبغي أن يقال عند ركوب السفن وغيرها بقوله : والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون [ 43 \ 12 - 14 ] ، ومعنى قوله مقرنين ، أي : مطيقين ، ومنه قول عمرو بن معدي كرب :


لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا
وقول الآخر :


ركبتم صعبتي أشر وجبن ولستم للصعاب بمقرنينا
وقول ابن هرمة :


وأقرنت ما حملتني ولقلما يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر
قوله تعالى : وهي تجري بهم في موج كالجبال الآية .

ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة : أن السفينة تجري بنوح ومن معه في ماء عظيم ، أمواجه كالجبال .

وبين جريانها هذا في ذلك الماء الهائل في مواضع أخر ، كقوله : إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية [ 69 \ 11 ، 12 ] ، وقوله : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر [ 54 \ 11 - 15 ] .

وبين في موضع آخر : أن أمواج البحر الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه كالجبال أيضا بقوله : فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم [ 26 \ 36 ] ، والطود : الجبل العظيم .
قوله تعالى : ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا الآية .

لم يبين هنا أمره الذي نجى منه هودا والذين آمنوا معه عند مجيئه ، ولكنه بين في مواضع أخر : أنه الإهلاك المستأصل بالريح العقيم التي أهلكهم الله بها فقطع دابرهم ، كقوله : [ ص: 185 ] وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم [ 51 \ 41 ، 42 ] .

وقوله : وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما الآية [ 69 \ 6 ، 7 ] .

وقوله : إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر [ 54 \ 19 ، 20 ] .

وقوله : فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي الآية [ 41 \ 16 ] .
قوله تعالى : فلما جاء أمرنا نجينا صالحا الآية .

وبين هذا الأمر الذي جاء بقوله : وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [ 11 \ 67 ، 68 ] ، ونحوها من الآيات .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]