عرض مشاركة واحدة
  #123  
قديم 26-11-2021, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (121)

سُورَةُ يُونُسَ (2)
صـ 156 إلى صـ 160


قوله تعالى : وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين .

صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن لا يكون مفترى من دون الله مكذوبا به عليه ، وأنه لا شك في أنه من رب العالمين جل وعلا ، [ ص: 156 ] وأشار إلى أن تصديقه للكتب السماوية المنزلة قبله ، وتفصيله للعقائد ، والحلال ، والحرام ، ونحو ذلك مما لا شك أنه من الله جل وعلا دليل على أنه غير مفترى ، وأنه لا ريب في كونه من رب العالمين ، وبين هذا في مواضع أخر ، كقوله : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون [ 12 \ 111 ] ، وقوله : وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون [ 26 \ 210 ، 211 ] ، وقوله : وبالحق أنزلناه وبالحق نزل [ 17 \ 105 ] ، والآيات في مثل ذلك كثيرة .

ثم إنه تعالى لما صرح هنا بأن هذا القرآن ما كان أن يفترى على الله ، أقام البرهان القاطع على أنه من الله ، فتحدى جميع الخلق بسورة واحدة مثله ، ولا شك أنه لو كان من جنس كلام الخلق لقدر الخلق على الإتيان بمثله ، فلما عجزوا عن ذلك كلهم حصل اليقين والعلم الضروري أنه من الله جل وعلا ، قال جل وعلا في هذه السورة : أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين [ 10 \ 38 ] ، وتحداهم أيضا في سورة " البقرة " بسورة واحدة من مثله ، بقوله : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله الآية [ 2 \ 23 ] ، وتحداهم في " هود " بعشر سور مثله ، بقوله : أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات الآية [ 13 ] ، وتحداهم في " الطور " به كله بقوله : فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين [ 34 ] ، وصرح في سورة " بني إسرائيل " بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله بقوله : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ 17 \ 88 ] ، كما قدمنا ، وبين أنهم لا يأتون بمثله أيضا بقوله : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا الآية [ 2 \ 24 ] .
قوله تعالى : بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله .

التحقيق أن تأويله هنا ، هو حقيقة ما يئول إليه الأمر يوم القيامة ، كما قدمنا في أول " آل عمران " ، ويدل لصحة هذا قوله في " الأعراف " : هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء [ 53 ] .

ونظير الآية قوله تعالى : بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب [ 38 \ 8 ] .
[ ص: 157 ] قوله تعالى : وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون .

أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة ، أن يظهر البراءة من أعمال الكفار القبيحة إنكارا لها ، وإظهارا لوجوب التباعد عنها ، وبين هذا المعنى في قوله : قل ياأيها الكافرون [ 109 \ 1 ] ، إلى قوله : ولي دين [ 109 \ 6 ] ، ونظير ذلك قول إبراهيم الخليل وأتباعه لقومه : إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله \ الآية [ 60 \ 4 ] 30 .

وبين تعالى في موضع آخر أن اعتزال الكفار ، والأوثان ، والبراءة منهم من فوائده تفضل الله تعالى بالذرية الطيبة الصالحة ، وهو قوله في " مريم " : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب [ 49 ] ، إلى قوله : عليا [ 19 \ 50 ] .

وقال ابن زيد ، وغيره : إن آية : وإن كذبوك فقل لي عملي الآية [ 10 \ 41 ] ، منسوخة بآيات السيف .

والظاهر أن معناها محكم ; لأن البراءة إلى الله من عمل السوء لا شك في بقاء مشروعيتها .
قوله تعالى : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار الآية .

بين تعالى في هذه الآية الكريمة ، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا ، حتى كأنها قدر ساعة عندهم ، وبين هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله في آخر " الأحقاف " : كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار [ 35 ] ، وقوله في آخر " النازعات " : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها الآية [ 46 ] ، وقوله في آخر " الروم " : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة الآية [ 55 ] .

وقد بينا بإيضاح في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " وجه الجمع بين هذه الآيات المقتضية أن الدنيا عندهم كساعة وبين الآيات المقتضية أنها عندهم كأكثر من ذلك ، كقوله تعالى : يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا [ 20 \ 103 ] ، وقوله : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين [ 23 \ 113 ] ، فانظره في سورة قد أفلح المؤمنون [ 23 \ 1 ] في الكلام على قوله : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين .
قوله تعالى : يتعارفون بينهم .

صرح في هذه الآية الكريمة : أن أهل المحشر [ ص: 158 ] يعرف بعضهم بعضا ، فيعرف الآباء الأبناء ، كالعكس ، ولكنه بين في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها ، فلا يسأل بعضهم بعضا شيئا ، كقوله : ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم [ 70 \ 10 ، 11 ] وقوله : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ 23 \ 101 ] .

وقد بينا في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " أيضا وجه الجمع بين قوله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، وبين قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ 37 \ 27 ] ، في سورة قد أفلح المؤمنون أيضا .
قوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين .

صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بخسران المكذبين بلقائه ، وأنهم لم يكونوا مهتدين ، ولم يبين هنا المفعول به لقوله : " خسر " وذكر في مواضع كثيرة أسبابا من أسباب الخسران ، وبين في مواضع أخر المفعول المحذوف هنا ، فمن الآيات المماثلة لهذه الآية قوله تعالى في " الأنعام " : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها الآية [ 31 ] ، وقوله تعالى في " البقرة " : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون [ 27 ] وقوله في " البقرة " أيضا : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون [ 27 ] ، وقوله في " الأعراف " : أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ 121 ] ، وقوله في " الأعراف " أيضا : من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون [ 178 ] ، وقوله في " الزمر " : له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون [ 63 ] .

والآيات في مثل هذا كثيرة ، وقد أقسم تعالى على أن هذا الخسران لا ينجو منه إنسان إلا بأربعة أمور :

الأول : الإيمان .

الثاني : العمل الصالح .

الثالث : التواصي بالحق .

الرابع : التواصي بالصبر .

وذلك في قوله : والعصر إن الإنسان [ 103 \ 1 ، 2 ] وبين في مواضع أخر [ ص: 159 ] أن المفعول المحذوف الواقع عليه الخسران هو أنفسهم ، كقوله في " الأعراف " : ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون [ 9 ] ، وقوله في " المؤمنون " : ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون [ 103 ] ، وقوله في " هود " : أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 45 ] .

وزاد في مواضع أخر خسران الأهل مع النفس ، كقوله في " الزمر " : قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين [ 15 ] ، وقوله في " الشورى " : وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم [ 45 ] .

وبين في موضع آخر أن خسران الخاسرين قد يشمل الدنيا والآخرة ، وهو قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [ 22 \ 11 ] .
قوله تعالى : وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم الآية .

بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه إما أن يريه في حياته بعض ما يعد الكفار من النكال والانتقام ، أو يتوفاه قبل ذلك ، فمرجعهم إليه جل وعلا لا يفوته شيء مما يريد أن يفعله بهم لكمال قدرته عليهم ، ونفوذ مشيئته جل وعلا فيهم ، وبين هذا المعنى أيضا في مواضع أخر ، كقوله في سورة " المؤمن " : فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون [ 77 ] ، وقوله في " الزخرف " : فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون [ 41 ، 42 ] إلى غير ذلك من الآيات .

تنبيه

لم يأت في القرآن العظيم فعل المضارع بعد " إن " الشرطية المدغمة في " ما " المزيدة لتوكيد الشرط ، إلا مقترنا بنون التوكيد الثقيلة ، كقوله هنا : وإما نرينك الآية [ 10 \ 46 ] ، فإما نذهبن الآية [ 43 \ 41 ] ، فإما تثقفنهم الآية [ 8 \ 57 ] ، وإما تخافن من قوم الآية [ 8 \ 58 ] .

ولذلك زعم بعض علماء العربية وجوب اقتران المضارع بالنون المذكورة في الحال [ ص: 160 ] المذكورة ، والحق أن عدم اقترانه بها جائز ، كقول الشاعر : [ المتقارب ]


فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها
وقول الآخر : [ الكامل ]


زعمت تماضر أنني إما أمت يسدد أبينوها الأصاغر خلتي


قوله تعالى : ولكل أمة رسول .

صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : أن لكل أمة رسولا ، وبين هذا في مواضع أخر ، كقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا الآية [ 16 \ 36 ] ، وقوله : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير [ 35 \ 24 ] ، وقوله : ولكل قوم هاد [ 13 \ 7 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وقد بين صلى الله عليه وسلم أن عدد الأمم سبعون أمة في حديث معاوية بن حيدة القشيري ، رضي الله عنه " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله " ، وقد بينا هذه الآيات في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ووجه الجمع بينها وبين قوله : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم الآية [ 6 ] ، في سورة " الرعد " في الكلام على قوله تعالى : ولكل قوم هاد .
قوله تعالى : فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون .

أوضح الله تعالى معنى هذه الآية الكريمة في سورة " الزمر " بقوله : وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون .

قوله تعالى :

لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .

صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن لكل أمة أجلا ، وأنه لا يسبق أحد أجله المحدد له ، ولا يتأخر عنه .

وبين هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله : ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون [ 15 \ 5 - 23 \ 43 ] ، وقوله : إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون [ 71 \ 4 ] ، وقوله : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها الآية [ 63 \ 11 ] إلى غير ذلك من الآيات .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]