عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-11-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأخير من سورة الكهف


الآية 83: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: يعني يَسألك مُشرِكو قومك - أيها الرسول - عن خبر المَلِك الصالح "ذي القرنين"، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا: أي سأقرأ عليكم مِن حاله خبرًا يَحمل موعظةً وعِلمًا تتذكرونه وتعتبرونَ به.


الآية 84، والآية 85، والآية 86: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ يعني أعطيناه من المُلك والسلطان والعلم ما يُمَكِّنُه من التحكم في مَمالك الأرض ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا: يعني أعطيناه من كل الأسباب والوسائل و"الإمكانيات" التي يتوصل بها إلى ما يريد (مِن فَتْح البلاد ليَنشر فيها العدل والخير، وغير ذلك) ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا: أي فأخَذَ بتلك الأسباب والطرق بجد واجتهاد، وأتْبَعَ السبَبَ سببًا آخر حتى انتهى إلى ما يريد، (وهذا مِن سُنن اللهِ الكونية في تكامل الأشياء، فمَن صَنَعَ "العَرَبة" وتابَعَ الأسباب التي تَوَصَّلَ بها إلى صُنع "العربة"، فإنه يَصنع الطائرة، وهكذا).


واعلم أنّ كلمة "السبب" معناها الحقيقي: (الحَبل)، ولكنها أُطلِقَتْ على كل ما يُتوَصَّل به إلى شيءٍ ما.
فتابَعَ ذو القرنين بين أسباب الغزو والفتح، وسارَ بجنوده ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تَغرب فيه الشمس (وهو على ساحل المحيط الأطلنطي): ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ: أي وَجَدَها - في نظر العين - كأنها تغرب في ماءٍ ساخن أو أسود، (وكَوْنها تَغرب في هذا الماء: هو بحسب رؤية العين، وإلاّ فالشمس في السماء، والمحيط في الأرض).


﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا أي عند تلك العين الحَمِئة - في ذلك الإقليم الغربي - ﴿ قَوْمًا(كافرين أو فُسّاق)، لأنّ اللهَ تعالى رَخَّصَ له في تعذيبهم - كما سيأتي - فلو أنهم كانوا مؤمنين، ما رَخَّصَ له في تعذيبهم، فـ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا، والمعنى أنّ اللهَ أَذِنَ له في التصرف فيهم (بعد أن يَسَّرَ له أسباب التغلب عليهم)، فخَيَّره سبحانه بين أن يُعَذِّبهم بالقتل أو غيره، وبين أن يُعاملهم بالإحسان، فيُطلِقَ سَراحهم بدون فداء، أو يأخذ منهم الفداء.


الآية 87، والآية 88: ﴿ قَالَ ذو القرنين لهؤلاء القوم: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ: يعني أمَّا مَن استمَرَّ على شِركه وكُفره: ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا: أي ثم يَرجع إلى ربه بعد الموت، فيُعذبه عذابًا فظيعًا في نار جهنم ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ بربه، فصدَّقَ به ووَحَّدَه ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى: أي فله الحُسنى - وهي الجنة - ثوابًا من اللهِ تعالى، ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا: يعني وسنُحسن إليه، ونُلَيِّن له القول ونُيَسِّر له المعاملة، فلا نُكَلِّفه ما يُرهقه.


الآية 89، والآية 90: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا أي: ثم سار ذو القرنين بجنوده ليَفتح المَشرق، مُتَّبِعًا الأسباب التي أعطاه اللهُ إياها في فتح المغرب ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تطلع منه الشمس - في نظر العين -: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا أي ليس لهم مساكن تسترهم من الشمس، ولا ثياب يَلبسونها (إذ كانوا قومًا (بِدائيين) لم تساعدهم الأرض التي يعيشون عليها على التحضّر، فلذلك كانوا يَسكنونَ الكهوف والمَغارات والسراديب، ويَسترون عوراتهم بأوراق الشجر وجلود الحيوانات وغير ذلك).


الآية 91: ﴿ كَذَلِكَ - أي كذلك كانَ أمْرُهُم كما قصصنا عليك أيها الرسول - ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا: أي وقد أحاط عِلْمُنا بما عند "ذي القرنين" من الأسباب المادية والإيمانية، حيثما توجَّه وسار.


الآية 92، والآية 93، والآية 94: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا أي: ثم واصَلَ طريقه في الغزو والفتح - آخِذًا بالأسباب التي أعطاه اللهُ إياها - ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وهما جبليْن عظيميْن يَحجزان ما وراءهما، فـ ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا يعني وجد أمام هذين الجبلين ﴿ قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا أي لا يَفهمون كلام مَن يخاطبهم إلاّ بشدة وبطء (لأنهم لا يَعرفون لهجةً أخرى غير لَهْجتهم)، فـ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وهُما قبيلتيْن عظيمتيْن من بني آدم ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بإهلاك الزرع وقتْل البشر والأكل والتدمير والتخريب، ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا: يعني فهل نجعل لك أجرًا ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا:يعني مُقابل أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يَمنعهم من الوصول إلينا؟


الآية 95، والآية 96: ﴿ قَالَ لهم ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ يعني ما أعطانيه ربي من المُلك والتمكين هو خيرٌ لي مِن مالكم، ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ من أجسادكم: ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا أي حاجزًا قويًّا - في المسافة التي بين الجبلين - ليَكون حائلًا بينكم وبينهم.


وقال لهم ذو القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ: يعني أعطوني قطع الحديد (كل قطعة على قدر الحجر الذي يُستَخدَم في البناء)، فجاؤوا به إليه، فأخذ يضع الحديد ويَبني السد ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، يعني حتى إذا ارتفع البناء وأصبح مُساويًا لارتفاع الجبلين: ﴿ قَالَ ذو القرنين للعُمّال: ﴿ انْفُخُوا أي أشعِلوا النار، وانفخوها على الحديد حتى يَنصهر (ليُصبح أكثر صلابةً وثباتًا)، ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا: يعني حتى إذا اشتعلت النار في جميع قطع الحديد، وصار الحديد كله مُنصهرًا: ﴿ قَالَ لهم: ﴿ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا: يعني أعطوني نحاسًا مُذابًا أُفرِغه عليه، فجاؤوا إليه بالنحاس المُذاب، فأفرغه على السد، (ولعل الحكمة من اتحاد الحديد المنصهر مع النحاس المُذاب أنْ تَنتج مادة ثالثة أكثر صلابة تجمع بين قوة الحديد وقوة النحاس).


الآية 97، والآية 98: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ: أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد (لارتفاعه ومَلاسته)، ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا: يعني وما استطاعوا أن يَخرقوه مِن أسفله لقوَّته.


فلمّا نظر ذو القرنين إلى السد - بعد أن أصبَحَ جبلًا شامخًا وحِصنًا حصينًا -: ﴿ قَالَ: ﴿ هَذَا السد هو ﴿ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي بالناس، ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي بخروج يأجوج ومأجوج عند قُرْب الساعة: ﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ: أي جعله اللهُ ترابًا مُساويًا للأرض، ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.


الآية 99:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ: أي وتركنا يأجوج ومأجوج - يوم يأتيهم وَعْدُنا - يَذهبون ويَجيئون في اضطرابٍ كمَوج البحر لِكَثرتهم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بمَن يَموج بعضهم في بعض: الإنس والجن، وذلك يوم القيامة، والله أعلم)، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ: أي ونُفِخَ في "القرن" نفخة البعث ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا: أي فجمعنا الخلق جميعًا للحساب والجزاء.


الآية 100، والآية 101:﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا أي عَرْضًا حقيقيًّا يُشاهدونها فيه عن قُرب، لنُرِيَهم سُوء عاقبتهم، إذ هم ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي أي كانت أعينهم لا تستطيع أن ترى آياتي الكونية، وكانت بصائر قلوبهم لا تستطيع أن ترى أدلتي القرآنية، ليَستدلوا بها على أنني وحدي المستحق للعبادة، ﴿ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا: أي وكانوا لا يَطيقون سماع حُجَجي المُوصلة إلى الإيمان بي وبرسولي، والداعية إلى الهدى والخير.


الآية 102:﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ: يعني هل ظنوا أن يتخذوا عبادي آلهةً - يَعبدونهم بأنواع من العبادات - ليكونوا أولياءَ لهم يُنقذونهم من عذابي؟ (والاستفهام للإنكار والتوبيخ)، يعني: كلا، إنهم سوف يَتبرؤون منهم يوم القيامة، وسوف نُعاقب المشركين على شِركهم وكُفرهم، فـ ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا: أي أعددنا نار جهنم للكافرين مَنزلًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد لكل مَن يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة، يَعبدونهم تحت شعار: التقرب إلى اللهِ تعالى، وطلب الشفاعة عنده بهم، والتوسل إليه تعالى بحُبّهم والتقرب إليهم).


من الآية 103 إلى الآية 106: ﴿ قُلْ أيها الرسول - مُحَذرًا للناس -: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا: يعني هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالًا؟ إنهم هم ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: أي بَطل عملهم وفَسَد، فلم يَنتفعوا به - لأنه لم يكن على هدىً ولا صواب - فبذلك ضيَّعوه بعد أن تعبوا فيه ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا: أي وهُم يظنون أنهم مُحسنون في أعمالهم، (ويدخل في ذلك: المُراؤون بأعمالهم للناس، والعاملون بالبِدَع المُكَفرّة، والمشركون واليهود والنصارى).


﴿ أُولَئِكَ هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِأي كفروا بالقرآن وبما فيه من دلائل التوحيد، والأحكام الشرعية التي شَرَعها اللهُ لعباده، وكفروا كذلك بالبعث والجزاء ﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، أي بَطلت أعمالهم بسبب كُفرهم وريائهم وعملهم بغير ما شَرَعَ اللهُ تعالى،
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾، أي لا نجعل لهم قدْرًا ولا قيمة، ولا نُوزِنُ لهم أعمالهم الباطلة، بل نَحتقرهم ونُذِلّهم (عِلمًا بأنّ الكفار سيُحاسَبون وإنْ لم تُوزَن أعمالهم، لقوله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)، فمُحاسبَتهم لإظهار العدالة الإلهية، لا لأنّ لهم أعمالًا صالحة يُجزَون بها، واللهُ أعلم).


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (إنه لَيُؤتَى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يَزن عند اللهِ جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾).


﴿ ذَلِكَ أي أولئك المُحتَقَرون الذليلون ﴿ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا أي بسبب أنهم كفروا بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾، يعني وبسبب أنهم سخروا واستهزؤوا بآيات الله وحُجَجه ورُسُله، فلذلك كان الحُكم عادلًا، والجزاء مُوافِقًا.


ويُلاحَظ أنه تعالى أطلَقَ عليهم لفظ: (ذلك) بدلًا من: (أولئك)، لأنهم بكُفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا لا خيرَ فيهم، ولا وزنَ لهم، فحينئذٍ يُستحسَن أن يُشار إليهم بـ "ذلك"، (أي ذلك المذكور مِن سَفَلة الخَلق)، واللهُ أعلم.


الآية 107، والآية 108: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ على النحو الذي شَرَعَه اللهُ تعالى، فأدَّوا الفرائض والواجبات، وسارَعوا في النوافل والخيرات، أولئك ﴿ كَانَتْ لَهُمْ - في عِلم اللهِ وحُكمه -: ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا أي لهم أعلى درجات الجنة وأفضلها منزلًا (وهي الفردوس الأعلى)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فإذا سألتم اللهَ فسَلُوهُ الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عَرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة).


وحتى نَفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة): فإننا سوف نتخيل أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطة فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة)، (واعلم أنّ النُزُل هو ما يُعَدّ للضيف مِن إكرامٍ وإنعام).


﴿ خَالِدِينَ فِيهَا - أي في هذه الجنة - ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، أي لا يريدون تحوُّلًا عنها؛ لأنّ نعيمها لا يُمَلّ منه، وصَفْوها لا يُكَدَّر، وسعادتها لا تنقص ولا تُنَغَّض بموتٍ ولا مرض ولا هَم ولا حزن ولا تعب (جعلنا اللهُ مِن أهلها ومَن قال آمين).


الآية 109: ﴿ قُلْ - أيها الرسول -: ﴿ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي: يعني لو كان البحر حِبرًا يُكتَب به الكلمات الإلهية التي تحمل العلوم والمعارف: ﴿ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي، ﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا: يعني ولو جئنا بمِثل البحر بحارًا أخرى مَدَدًا له، (وفي الآية إثبات صفة الكلام للهِ تعالى حقيقةً كما يَليق بجلاله وكماله).


وقد تضمنت هذه الآية ردًّا على اليهود الذين قالوا: (أوتينا التوراة، وفيها عِلم كل شيء)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية ردًّا عليهم وإبطالًا لمَزاعمهم، وأخبَرهم أنّ عِلمه سبحانه لا يَنتهي، وأنهم لم يُعطَوا من العلم إلا قليلًا.


الآية 110: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين الذين يَطلبون منك المعجزات بحسب أهوائهم واقتراحاتهم: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لا أقدر على تحقيق مَطالبكم مِن عند نفسي، والفرق بيني وبينكم هو أنني ﴿ يُوحَى إِلَيَّ - مِن ربي - ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ، أي معبودكم الحق هو ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾، وهو اللهُ الواحد الأحد، المستحق وحده للعبادة.


﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ: يعني فمَن كانَ يرجو ثواب ربه، ويخاف عذابه يوم لقائه: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا - وهو كل ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، مُوافقًا لشرعه - ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، فبهذا يكون رجاؤه صادقًا، فإن حُسن الظن بدون العمل لا ينفع، وقد ضَرَبَ ابن القيّم رحمه اللهُ مَثَلًا لمن يَزعمونَ أنهم يُحسنون الظن بربهم ولا يَعملون، كمَثَل رجلٍ له أرض زراعية، لا يضع فيها البذور، ولا يسقيها، ثم يقول: (أنا أحسن الظن بها أنها ستُنبت)!


وفي ختام سورة الكهف نُحب أن نَذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم -: "مَن حَفِظَ عشر آيات من أول سورة الكهف: عُصِمَ من الدَجَّال".


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير"؛ لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]