عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22-11-2021, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,869
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مظاهر لغة شعر باكثير في المرحلة اليمنية

أو اكتسى سحنة العصر، وتكيَّف معه شكليًّا على غرار: (شعراء الجزيرة ابكوا جميعًا ص51/ نعت الصحف/ وانبرت أوطان العروبة تبكيه/ كان درعًا له يَراعُك ص53/ عندليب في الشام ناح على شاعر مصر ص57/ فوق ما أوتي من حسن الصور ص112/ ضاحكات كأزاهير الربا/ شذيات كأنفاس السحر ص114) مما هو مألوفٌ في الرِّثاء، والتأبين، ووصف الرياض قديمًا، مع إحالات على واقع العصر مداخِلةٍ لهذه التعابير، تصرِف النظر صرفًا خفيفًا عن القديم، ما يلبث أن تأتيَ أنماطٌ واضحة من أسلوبه في النص نفسه، ويمكن الاستدلالُ بقول الشاعر في رثاء حافظ إبراهيم:
شاعرَ النيل، ما ترى النيل أسوا
ن؟ تناجيه بالأسى الأهرامُ

كان درعًا له يَراعُك إما اع
تورته من العدوِّ سهامُ

كنت عونًا له إذا فقد العو
ن، وصَرَتْ بظلمِه الأقلامُ

كم رأينا لليثِ منك ارتعادًا
وهو الليث يتَّقيه الأنامُ

أترى في يَراعِك الحرِّ سحرًا
يترك الضارياتِ وهْي نَعامُ

كيف فارقتَ ماءه العذبَ؟ هل لذ
ذك من بعدِه الشرابُ الزؤامُ

كيف غادرتَ (مصر) وهْي نداء
وعداء وفُرقةٌ وخصامُ



لو تمهَّلت أو يقرُّ قريبًا
ناظرَيك استقلالُ (مصر) التامُ [38]



فمن أساليب استحضارِ القديم مباشرة في هذا الاستدلال: (اعتورته من العدو سهام/ صرت الأقلام/ كم رأينا لليث منك ارتعادًا/ يترك الضاريات وهي نعام) ومن الأساليب المترسمة خُطَى القديم: (في يراعك الحرِّ سحر/ كيف فارقت ماءه العذب؟/ هل لذك من بعده الشراب)، ومن الإحالات على واقع العصر: (شاعر النيل/ كيف غادرت مصر وهي فُرقة وخصام؟/ كيف غادرت مصر وهي عثرة وقيام؟/ استقلال مصر التام).

ولقد يأتي الأسلوب قديمًا غير أنه يأخذ في الدلالة على موضوع أو موصوف معاصر، انطلاقًا من أنه - كما يرى الشاعرُ فيما أظن - لا توجد مفارقةٌ بين الموضوع واللغة، ما دامت الغاية هي الوصولَ إلى المعنى، وتصويره بأيِّ صيغة واضحة الدلالة، ولو كانت قديمة، من غير التفاتٍ إلى تعبير يقتضيه العصرُ، أو أسلوب يستلزمه، بوصف الكلماتِ ذات خصائصَ تشابهية لا تلمح فيها إمكانية المباعدة بين الآن والماضي بحسب ما يقتضيه ذوقُ العصر والشاعر حينئذ، فتؤدِّي الكلمات أيًّا كانت - بوصفها لَبِنات - الوظيفةَ نفسها في إنشاء البناءِ؛ كقوله:
ما الروضُ باكره بآذار الحيا
فتضاحكَتْ بحفافتيه ورودُ

وتبسَّمت أزهارُه وتهدَّلت
أثمارُه العنقودُ فالعنقودُ

بألذَّ فاكهةً وأجملَ منظرًا
منه يزيد جمالَها الترديدُ[39]



فهذا التشبيه المدوَّرُ ليس به ما يشير إلى موصوفٍ معاصِر سوى الضمير في (جمالها) الذي يُحيل على مجلة: (النهضة الحضرمية) بسنغافورة، المشار إليها في أبيات سابقة لم تُذكَرْ في هذا الاستدلال؛ فالتوظيف اللُّغوي في هذه الأبيات واقعٌ تحت أثَر الأسلوب الجاهلي بثِقلِه التاريخيِّ، حتى تنعدمَ إمكانية إدخال الموضوعِ، أو الموصوف العصري في ثنايا ذلك المعنى الذي وُصِفت بمثله المرأةُ الجاهلية، وكقوله مخاطبًا حافظ إبراهيم في تأبينه:
إنَّ ديوانَك الجميل لحان
طاب فيه للشاربين الندامُ

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]