عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22-11-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,889
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مظاهر لغة شعر باكثير في المرحلة اليمنية

مظاهر لغة شعر باكثير في المرحلة اليمنية




د. عبدالقادر علي باعيسى



نفخَتْ أصولُهم على
نارِ (الخليل) لتستطير

وفروعُهم نفخت على ال
إسلامِ كيرًا بعد كير

خرِبت ضمائرُهم فلا
إحساسَ فيها أو شعور [34]


فهذا التوالي المتدافع للجُمل هو مصدر حضورِها متكاتفة بعضها مع بعضها الآخر، بحيث إن جملةً واحدة أو اثنتين لا تُحدث من القوة وشدة التأثير، إيلامًا وغضبًا، أو ابتهاجًا وسعادة - حسب أيديولوجيا المتلقين - كما تُحدِثه الجُمل متتابعة، بحيث يُعَدُّ الإقلال منها في هذه الحالة إضعافًا للطبيعة الأيديولوجية الواقعية للكلمات، كما أنه في الوقت الذي تقول الأبياتُ صراحة بانهيار سلطة خصوم الملك عبدالعزيز على الحجاز، يعزِّز الإيحاءُ سيادةَ المَلِك عليه بصورة ضمنية، أو غير مباشرة، تمامًا كما حدث في مقطعٍ آخر من النص عرض لسيادة الملك عبدالعزيز على الحرمين، فأكد الإيحاءُ بصورة ضمنية هزيمة أعدائه، ثمة إذًا تصريح وإيحاءٌ داخل المقطع الواحد؛ إذ يقول نفسُه في الوقت الذي يوحي بغيره، ففي كل حضور لمقطع، غيابٌ لمقطع آخر، غير أن الغيابَ لا يعدو أن يكونَ هو الحضورَ نفسه الماثل في موقعٍ آخر من النص، مما ينتج عن هذا الجدل النصيِّ غيرِ المعقد، الموجودِ بداهةً بالقصائد - هذا الشكلُ البسيط والمباشر من الإيحاء.

(3) المظهر اللغوي - التاريخي - المعاصر:
هذا المظهر تنزع فيه اللغةُ نحو التراكيب القديمة، والمعاصرة، على غرار: (دع ذا ص120/ وألا ليت شعري/ تباريح الجوى/ يخلو بنفسه إلى سرحة الوادي، ص58/ عليك سلام الله، ص61/ ورد الموت/ رحى الحرب/ عظم الخطب، ص111/ لله درُّ عصابة، ص100، فلم تترك لي الأيام عِلقًا/ ريب المنون، ص63/ تهافتت تداعي دعص الرملة المتهيل/ نهضت كما توثب ظبيٌ راعه شخصٌ مقبل، ص72) من نماذج الشعر القديم عند الجاهليين: (امرؤ القيس)، أو العذريين: (مجنون ليلى، جميل بثينة)، أو العباسيين: (أبو نواس، المتنبي، الشريف الرضي) [35].



وعلى غرار: (أنا قيثارة رتا (حافظ) أوتارها ص51/ لعبت بها المدنية العمياء ص120/ منديله في كفه ص58، قيثارة الشرق ص113/ لعبت بها موسيقى ص10، ما زلت في شط الحياة/ في أحضانه تلد الحياة، ص128، سائلوا الدنيا 110)، وغيرها من نماذج الشعر المعاصر عند الإحيائيين (أحمد شوقي، حافظ إبراهيم) مما يدلُّ على اتصال بالقديم والمعاصر من غير أن تحصل غربلةٌ لهما في كِيان صياغي واحد، أو يذوب كلٌّ منهما في تكوين الآخرِ؛ إذ ظل كلُّ أسلوب شاخص بحضوره المعروف سواءٌ في نصوصٍ مستقلة، أو داخل النص الواحد، فما كان بإمكان الشاعر - كما يبدو - إنجازُ أسلوب منبثق من الأسلوبين، مستفيدًا من طاقة التفاعل بين الأساليب وتحويلها إلى طاقة مستجدة، تدخل في صُلْب القديم والمعاصر، معيدةً تشكيلَهما تفاعلاً وتجاوزًا، لقد أعان على تلك التعيينات الواضحة في الأسلوب - فيما يبدو - زيادةُ اتصال الشاعر ومعرفته بتجارِبِ رجالٍ مختلفي الاتجاهات والمشارب، أصالةً ومعاصرة، من مصلحين، وقادة، وشعراءَ، وصحفيين، والتأثر بهم، (مثل: حافظ إبراهيم، وأحمد شوقي، ومطران خليل مطران، وصالح علي الحامد، ومحمد حسن بن شهاب، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد سالم البيجاني، وعبدالله أحمد بن يحيى، وعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وعبدالحليم علي بدير المصري، وطه أبو بكر السقاف، وغيرهم).

ومهما يكن فإن الأسلوبَ القديم عمل على تمثيل الماضي، كما عمل على تمثيل الحاضر ما دام العصر والشاعر تبنياه تبنيًا واضحًا، بينما عمل الأسلوب المعاصر على تمثيل الحاضر فقط، فالتقى الأسلوبان (القديم والمعاصر) في النصوص مما أعطاها إمكانيةَ التماسك، والاتساقَ من ناحية، بوصف الأسلوبيين كليهما منزلينِ في بِنية القصائد، وعدمَ الاتساق من ناحية أخرى، بوصف الأسلوبيين غيرَ متجانسين، غير أن رجحانَ الأسلوب في النصوص كان لصالح الماضي، لا لصالح الآن؛ إذ اكتسب الماضي فاعليتَه بإعادته وتبنِّيه راهنًا، فكأنه كرر مرتين، أو عدة مرات بتعداد الأعصر التي أعادته، وما يزال المعاصرُ محضَ إشارات وأقل من حيث الكمُّ، فالأسلوب القديم هو العنصر الرئيسُ الفاعل في النصوص، سواءٌ جاء ظاهرًا جليًّا؛ كما في قول الشاعر:
ألا ليت شِعري هل عن الهم مَزْحل
وهل عن تباريحِ الهوى متحوَّل

أيعبرُ عامٌ بعد آخرَ بي ولم
يزَلْ حُلُمًا ذاك الوصالُ المؤمَّل

أأقضي زماني هكذا في تعلُّلٍ!
وماذا يُفيد المستهام المعلّل؟

إذا ما بدا صبحُ الرجاء لناظري
تعرَّض لي ليلٌ من اليأس ألْيلُ

فوارحمتا للصبِّ يخلو بنفسه
إلى سِرحة الوادي فيبكي ويعول

تهيِّجه الذكرى ويخنقه البُكا
وتعلو حشاه بالنشيج وتسفُل [36]



وقوله:
وجماعُ لذَّات الزمان ثلاثةٌ
شِعرٌ وكأس مُدامةٍ وخَرُودُ

لا يؤسينَّك من صديق بُعدُه
تُطوى البحار ولا تحول البِيدُ

ولربما جمع الشَّتيتينِ الهوى
يومًا، وأورق بعد يُبسٍ عودُ [37]

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]