عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-11-2021, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,189
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مظاهر لغة شعر باكثير في المرحلة اليمنية

ويقول من قصيدته: (لولا جمود الحضرمي) بعد وقوع الصلح بين المتخاصمينِ في جيبوتي على يد الشيخ البيحاني:



لله دَرُّ عصابةٍ من يَعْربٍ

نزعوا إلى شِيَم الجدود عروقَا




تاهَت على الأقطار (جيبوتي) بهم

فخرًا، وكانت بالفَخار خَليقَا




فزِعوا إلى ظلِّ التآخي بعدما

صُلُّوا برمضاءِ الشِّقاق حريقَا




وتأكَّدوا كيدَ العدو فأبرموا

عهدًا بتسوية الخلاف وثيقا [15]








تنشط في نصوص باكثير الجملُ البيانية الواضحة، وتتراكم في قصائد الديوان حتى تبدو أشبهَ بالخط العام أو بالمسلك الأساسي؛ إذ يشكل وجودُها ثِقْلاً في القصائد يظهر أثرُه شاملاً في الديوان كله، مما يعني أن هوية الديوان تبدأ من الجملة ذات الخصوصية البَيانية - التوضيحية، فالشاعر يحاول بكلماته تأديةَ قِيَمِ الإصلاح وتجسيدَها في معناها الدِّيني - الاجتماعي - الشِّعري بوصف هذه الأقانيمِ الثلاثة تلتقي في المفهوم الإصلاحي من حيث تعاضدُها على تعميم وجهٍ أصلحَ للحياة، فتقترب لغةُ الشعر بذلك من اللغة الاجتماعية، ولكنَّها تبتعد عن اللغة الفنِّية بتطابق الكلماتِ، وحقائق الموضوعات المتحدَّث عنها، رغبةً في الحِفاظ على جوهر الرسالة المفيدة والنافعة، مما تتحوَّل معه علاقاتُ الواقع نفسِه عبر لغة النصوص إلى علاقات مبسَّطة على ما فيها من تعقيدات وصراعات، ليس الشعرُ بطريقته المباشرة تلك هو الأقدرَ على الخوض فيها، وإنما يصبح الشعرُ بلغته تلك جزءًا من الواقع نفسه، أو الجزء الأبسط منه، حيث تستوعب العلاقات الاجتماعية لغة الشِّعر فتصير جزءًا من وجودها، ما دامت تخلَّت بشكل واضح عن جزء كبير من شروطها الفنية، وأخذت تنظر (على مستوى النظر الاجتماعي) إلى أن يصيرَ المجتمعُ في حالة أفضلَ بتلك التوجيهات والإرشادات التي ترابطت فيها اللغةُ والشاعر والحالة الاجتماعية والمخاطَبون ترابطًا قوليًّا على مستوى العبارة، يماثل الترابطَ الاجتماعيَّ على مستوى الواقع المبشَّر به مبسطًا من غير تعقيدات.



عملية المقاربة اللغوية القولية هنا هي علاماتٌ اجتماعية ترسُخ في المعنى، حتى لا يمكن للقارئ أن يزوغَ منها، أو يخرجَ عن إطار محاصرتِها الاجتماعية، ما دام الشعرُ لم يبزُغ بدلالات وأشكال فنية تسمح بالتخلُّق القرائي، والاكتشاف الذهني الخاص، مما يترتب عليه أن القراءةَ تتراسل عقليًّا مع لغة النص، أكثرَ مما تراسلُ معها جماليًّا، فكما يسعى النصُّ لأن يقدِّم دلالاتِه الواضحةَ اجتماعيًّا لا يجد القارئ بدًّا من استخدام آليةٍ تُناسب تلك الدلالات وصياغاتِها اللغويةَ في قراءته، محاولاً في الوقت نفسه ألا يقعَ في المستوى التحليليِّ الاجتماعي المحضِ باستخدام مفاهيمَ ومصطلحاتٍ غير نقدية - اجتماعية مثلاً - ليظلَّ محافظًا على خصوصية قراءتِه النقدية قدر الإمكان، ومن غير أن يفقدَ عمليةَ التواصل بينه - بوصفه مرسَلاً إليه من جهة، وبين المرسل والرسالة اللذين يتلاحمان بصورة أشدَّ من سواهما من جهة أخرى، يحكُمُهما متجه أساسي واحد، تبدو معه الرسالة كما لو كانت صيغةً مضاعفة في التشديد على الدلالة الاجتماعية، بحيث يمكن وصفُها بالرسالة - المهمة أو الرسالة التبشير التي وُكِّل صاحبُها أو توكَّل بإبلاغ موضوع ما، أو قضيةٍ يحدث فيها التوحُّدُ بقوة بين المرسِل والرسالة بما يسري أثرُه في الرسالة تَكرارًا وإيضاحًا، وبحيث يقع القول على المتلقِّي بصورة لا تريد أن تدعَ له مجالاً إلا إبداءَ موافقتِه على مجموعة المعاني المَسُوقة في رسالة المرسِل بيِّنةً واضحة.



ثمة إستراتيجية للإرسال تعمل على تحميلِ المعاني نفسِها أو قريبًا منها في النصوص، مما يؤكِّد على فاعلية الاتصال الفوريِّ أكثرَ من الاتصال التخييلي، ويزيد من الإيضاح الدلالي، حتى إنه لا يحدُث تفارق حادٌّ في الإحالة على متضمِّنات متماثلة، تُسهم في الإشارة إليها الخلفيةُ الاجتماعية، كما تسهم فيها النُّصوص، فلو قرأ المتلقِّي - مثلاً - في قصيدة: (لولا جمود الحضرمي) شيئًا من التفصيلِ عن حوادث اختلاف الحضارمة في إندونيسيا مع ما يصاحبُها في الديوان من تعليقاتٍ وشروحات قدَّمها المحقِّق، فإنه يقرأ ما جاء بصورةٍ تعميمية عن تلك الحوادث في قصيدة: (ولو ثقفت يومًا حضرميًّا)، أو في قصيدة: (صدى قصيدتين) بخلفيةِ النص الأكثر تفصيلاً: (لولا جمود الحضرمي)، ولو قرأ المتلقي النصَّ التعميمي أولاً أتاه التفصيلُ بعد ذلك في نص آخر؛ إذ تؤدِّي العلاقاتُ التراسلية بين لغة النصوص - تعميمًا وتفصيلاً - وظيفةً إيضاحية واحدة، يقول باكثير مفصِّلاً عن تلك الحوادث من قصيدته (لولا جمود الحضرمي):



وذكرتُ إخواني (بإندونيسيا)

فوقعتُ في بحرِ الهموم غريقَا




هم خرَّبوا بيد الشِّقاق بيوتَهم

وجَرَوا أمومةَ (حضرموت) عقوقَا




يا قوم، ماذا جئتم من سوءة

قد أوقرتكم مِ الملامِ وُسوقَا




أوَما رَعَيْتم حقَّ مسجد ربِّكم

فأقمتمُ فيه المآثم سُوقَا




أأبحتم شهرَ الصيام فصرتمُ

فيه فريقًا يقتلون فريقَا




فلتُسألن لدى القيامة عن دمٍ

في قلب مسجد (بندواس) هريقَا




من أطفأ المصباح؟ من شَهَر المُدى

من روَّع المتعبدين طروقَا[16]











يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]