عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-11-2021, 02:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مظاهر لغة شعر باكثير في المرحلة اليمنية

دعْ ذا، ودونك والعزاء فلم تدُمْ

في الدهر سرَّاء ولا ضراءُ




من كان حُسنُ الصبر تَجفافًا له

فالبؤسُ والنُّعمى لديه سواءُ [7]







ويسري مثلُ هذا التوجُّه اللغوي حتى على مستوى لغة العلاقات الذاتية الشخصية، التي يجدر بها أن تغدوَ أكثر خصوصية في استحضار حالات الذات الخاصة، وتقديم بلاغة الانفعالات النفسية التي يمكِنُها أن تفتح أبوابًا مستجدة في المعنى، وتمارسَ اختياراتِها في تجاوز ما هو سائد، وفي محاولة إنجاز صياغةٍ لغوية ذاتية، لكنَّ ذلك لم يحدث، يقول باكثير وقد (مرض بالحمى والصداع في عدن) مخاطبًا صديقَه الأثير محمد علي لقمان:



فدُمْ يا سيدي (لقمان) طبًّا

وسلوى للعليل وللحزينِ




فكم فرَّجتَ من همي وضيقي

وكم كفكفتَ من دمعي السَّخينِ[8]








ويقول وقد أطلعه صديقُه لقمان على رحلة له إلى الصومال:



مرَّت بنا سرعى الحياةُ

لم تبقَ إلا الذِّكرياتُ




(لقمان)، هذي رحلة

ميمونةٌ فيها عظاتُ[9]








حيث يتحول ما يمكن أن تكشفَ عنه الرحلة من خصوصيات تخيلية وفنية، إلى التنويه بـ: (العظات) الحياتيةِ الاجتماعية بلُغةٍ مجملة عامة، ولعل سببَ ذلك التماثل بين العام والخاص أو بين الاجتماعيِّ والشخصي في اللغة - هو أنَّ المعانيَ الشائعة تُحدِث قِيَمًا تبادلية انعاكسية لمعاني الجُمَل بعضها في بعض من خلال ارتباطها جميعًا، شخصية وعامة، بقِيَم المجتمع التي تُضفي عليها ما يشبه الوحدة المتكاملة، وتنزِّلها وَفْق تشخيصات تركيبية لغوية، هي بدورها قوالبُ عامة متبادَلة، أنتجها الوعيُ الشعري التقليدي، وكرَّرها، فتتضافر لذلك العلاقاتُ اللغوية والدلالية على إنجاز بناءٍ نصي محكم، يتشكَّل وعيُه الأدبي من خلال دورانه على نفسه، وترائيه في بعضه، وَفْق مرجعية تقليدية حتى تتنزل الكتابةُ فيما يشبه الإجراءات العملية، وتبدو الدلالة أكثرَ تماثلاً كلما أُعيد التكرار، سواءٌ وسَّع النص مداه الإنشائيَّ في قصائدَ طويلة، أو قلل منه في مقطوعات، أو حتى في بيت واحد، ما دامت الرؤيةُ واضحةً، ولو بعدد أقلَّ من الجمل، فثمة مخزونٌ في الذاكرة الجماعية بما فيها ذاكرةُ الشاعر نفسِه، يستحضر المعانيَ العامة حال ذكرها ولو بصيغةٍ موجزة، فقول باكثير مثلاً:



إن الحياةَ جهاد كلُّه تعَب

من لم يجاهِدْ يمتْ في ساحة الفشل [10]








وقوله:



والعمر يقصُرُ إن ضيعتَه سفَهًا

وإن تصِلْه بأسبابِ العُلا يَطُلِ [11]








يمكن حملهما - وهما بمعنى واحد تقريبًا - بتوسعةٍ أكبر مع اختلافات تفصيلية حسب الموقفِ على أكثرَ من قصيدة[12]؛ حيث يتماثل قليلُ الكلمات وكثيرها في القدرة على الوصول إلى المعنى، سواءٌ نما داخل النص، أو جاء مكتملاً، ما دام نموه يمكن التكهُّنُ به عبر ملامحَ معينة للوعي الأدبي - الاجتماعي؛ كالوضوح، وقراءة الشيء بالشيء، وشيوع المعنى، وإمكانية التقبُّل العام، والتماثل، والقدرة على البقاء والتواصل في الوعي الاجتماعي، والأدبي.



إن اللغةَ الأدبية تصبح بمعنى آخر وجهًا اجتماعيًّا مثاليًّا في هذا المقام ما دام ثمة رسالةٌ عامة متداولة بين الجميع، شعراءَ وخطباء ومتلقين، تنعدم فيها وظيفةُ الإرسال الحرِّ، أو غير المألوف من مرسِلٍ خاص إلى قارئ خاص، فالكل مرسِلٌ والكل متلقٍّ للمعاني نفسها مع اختلافاتٍ في الصياغات غير حارفة للمعاني الأساسية، ما دامت تمثِّل قيمًا معروفة متداولة؛ فالوعي اللساني للمتكلم والسامع "لا يواجه أثناء الممارسة الحية نظامًا مجردًا من الصيغة المعقدة، ولكنه يتعامل مع اللغة من مجموع السياقات الممكنة لهذه الصِّيغ أو تلك، ولا تبدو الكلمة للفرد الذي يتحدث بلسانه الأصلي كأنها كلمةٌ خارجة من القاموس، ولكنه جزءٌ لا يتجزَّأ من الأقوال الأكثر تنوعًا لدى المتكلمين المنتمين إلى الجماعة الألسنية نفسها"[13].



وذلك ما يدفع في المقام الأخير لأن يجعلَ ولادةَ القصيدة - وهي الكِيان اللغوي - حدَثًا بارزًا كأي حدثٍ اجتماعي، أو سياسي يقف بمحاذاته حال ظهوره، فقصيدة الشاعرِ (ولو ثقفت يومًا حضرميًّا) أُنشئت على إثر تأسيس نادي الاتفاق بأديس أبابا مدرسةً عربية إسلامية، وقصيدته: (لولا جمود الحضرمي) أُنشئت بعد (وقوع الصلح بين الحزبين المتخاصمينِ من العرب في جيبوتي على يد العالِم الشيخ محمد سالم البيحاني)، تغدو القصيدة حدثًا معلومًا، أو قصيدة - واقعة، محاذية للحدث الأصل تُذكر بذكره، وتردَّد عند استعادته، كحدثينِ مقترنين يُذكر أحدُهما عند ذكر الآخر، فلا يمكن للقصيدة في هذه الحالة أن تأخذ استقلالاً بعيدًا عن الحديث الاجتماعي، أو تعيدَ إنتاجه بحيث تصير حدثًا أدبيًّا لغويًّا خالصًا، يقول باكثير من قصيدته: (ولو ثقفت يومًا حضرميًّا) مخاطبًا أبناء الجالية الحضرمية في الحبشة:



ألا لله دَرُّكم رجالاً

سعيتم للعلا متكاتفينا




(بنادي الاتفاق) قد اتفقتم

على إعلاء شأنِ المسلمينا




رحَلتم تبتغون هناك رزقًا

فعدتم تنشرون هناك دِينا




رأيتم سوءَ عاقبةِ التَّعادي

فكنتم بالإخا مستمسكينا[14]






يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]