هل أرجع لطليقي؟
أ. مروة يوسف عاشور
السؤال
السلام عليكم.
قصَّتي طويلة؛ لذا سأُحاول الاختصارَ وذِكرَ أهمِّ ما يُزعجني ويُؤرِّقني.
أنا امرأة مُطلَّقة، ولي بنت من طليقي، وهو إنسان ضعيف الشخصيَّة وانتهازي يحبُّني حبَّ ملكيَّة واحتجاز بعد أنْ طلَّقني وفعَل بي الأفاعيل؛ رماني كالكلبة حاملاً بلا رحمة، ولا سببَ للطلاق غير رغبتِه في إثبات رجولتِه وتنفيذًا لأوامر أمِّه، ولكي لا يظهر أمامَها بمظهر الضعيف، بعد ذلك أصرَّت على تزويجِه، وكانت حالته متدهورة، يريدُ إرجاعي لكنَّه غير قادرٍ على فرْض كلمته، خوفُها من أنْ يفعَلَها ويرجعني سَوَّلَ لها أنْ تخطبَ له وتُباشر إجراءات العُرس، فاستَسلَمَ وأكمَلَ العُرس، في البداية كان يُنكر زواجَه أمام والدي، ويطلبُ منه إرجاعي، لكنَّنا سمعْنا بزواجِه واعترف بذلك، بعدَها سمعَ بوجود خُطَّابٍ يقصدونني، كان يذهبُ إليهم ويقول فيَّ ما يجعلُهم يفرُّون، ولا يتوانى عن قول أيِّ شيءٍ في حقِّي وحقِّ عائلتي ووالدي الذي أكرَمَه، المهمُّ عنده أنْ ينفرَ الخاطب ولو رَماني في شرَفِي، لا يهمُّ، بعد ثلاث سنوات كان فيها قد أنجبَ بنتًا يريدُ إرجاعي كزوجةٍ ثانية، فماذا أفعلُ؟
أخاف من أخلاقِه السيِّئة رغم ادِّعائه أنَّه تغيَّر، أحيانًا أقول: إنَّه يريدُ إرجاعي فقط لكي لا أتطلَّع إلى حياةٍ أُخرى، والدليل أنَّه لم يفعلْ أيَّ شيءٍ لأجلي: أنَّه تزوَّج وأنجب وأبعَدَ المسافات بيننا، كما أنِّي لا أستطيعُ تقبُّلَ فكرة أنْ أكونَ زوجةً ثانية، ومن جهةٍ ثانية أخافُ أنْ أَظلِمَ ابنتي عندما أحرِمَها دفءَ والِدِها.
ماذا أفعل؟ وبماذا تنصحونني؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لم ولن تكوني أبَدًا السببَ في حِرمان الطفلة والدَها؛ فقد بادَرَ هو بتلك الخطوة وقرَّر تطليقَكِ تلبيةً لرغبة والدَتِه - كما ذكرتِ - ولم يكن لكِ حيلةٌ في ذلك، فلا تلومي نفسَكِ على ما لم تفعَلْه، ولا تستَعِيدي ذِكريات ولَّت وانقضَى عهدُها، ولا تُطِيلي التفكيرَ في أمورٍ قدَّرَها الله عليكِ وعليها، ولن يفيدَكِ التفكير فيها إلا إثارة زوبعات مستمرَّة من الحزن والحيرة.
أقدارُ الله تجري علينا رَضِينا أم سخطنا، والقدرُ واحدٌ على الكثير، لكن تختلفُ رُدود أفعالنا على حسَب تقبُّلِنا للوضع، وعلى طريقة تفكيرنا وتسييرنا للأحداث، فكثيرٌ من المطلَّقات يُقبِلنَ على حياتهنَّ الجديدة بنفسٍ مشرقةٍ وأملٍ في الحياة يعيدُ إليهنَّ ما فقَدنَ، ويُعوِّضُهن عن أمانٍ لم تُحقَّق، فأَقبِلي على حَياتكِ الجديدة بأملٍ، وأمِّلي في غدكِ خيرًا، ولا تجعَلِي ابنتكِ سببًا في تضحيةٍ لا تستحقُّ، ولا تحصري سَعادتها في وجود الأب؛ فكم نرى من بيوتٍ يحيا فيها الأب وكأنَّه ميت! وكم سمعنا عن أُسرٍ تُعانِي ظلمَ وقهر الوالد وبطشَه، وسوءَ خُلُقِه وسوءَ عِشرته؛ فيستيقظُ الأبناء على صُراخِه ويَنامون على صِياحِه، يقتَدُون به - وبئسَ القُدوة! - فتتفتَّحُ أعيُنهم على والدٍ يقذفُ الوالدة ولا يتورَّع عن سبِّها ويُلحق بهم الخزي والعار! فكيف ستكونُ حَياتهم في بيتٍ كهذا؟! وكيف سينشَؤُون تحت رعاية هذا الوالد؟!
ورغم كلِّ ذلك لم يكن لكِ يدٌ في الطلاق؛ فقد طلَّق بكاملِ إرادته ودُون سببٍ تعلمينه!
فلا أرى في العودة إليه من خيرٍ، اللهمَّ إلا أنْ تخشي على نفسكِ الفتنة، وتسعي للزواج ولَمِّ الشمل على أيِّ صورةٍ كانت، لكن إنْ تيسَّر لكِ الزواجُ برجلٍ فاضلٍ على خُلُقٍ ودينٍ ويُناسبكِ عُمريًّا وماديًّا واجتماعيًّا، فالأَوْلَى أنْ يكون همُّكِ الأوَّل صلاح الخلُق والدِّين، ولعلَّه أنْ يكون خيرَ والدٍ للطفلة، وقد يَفُوقُ والدَها عطفًا وحنانًا، وقد رأيتُ بنفسي مثلَ تلك الحالات التي تخلَّى فيها الوالد عن ابنتِه، فرزَق الله والدتها بزوجٍ كان للفتاة نِعْمَ الوالدُ وخير مُرَبٍّ، وبكلِّ أسفٍ لم يُكلِّف والدها نفسه عناءَ رؤيتِها أو الإنفاق عليها أو حتى السُّؤال عنها!
فليس دائمًا ما يكون وجود الوالد خيرًا للأطفال من عدَمِه، وليس كلُّ إنسان لديه الأهليَّة للتربية وحُسن الرعاية، وتلك مسؤوليَّةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ جليلة، أنتِ مسؤولةٌ عنها يومَ القيامة؛ ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))؛ متفق عليه.
ابحثي عن صاحب الخلُق والدِّين، ولا تُكرِّري ذلكَ الخطأ الذي أوقعَكِ في تلك المشاكل وحرَم ابنتكِ والدها، سواء عدتِ إليه أم لم تفعلي، فقد حُرمت ابنتكِ حنانه بسُوء فِعلِه، وليس فقط بالبُعد عنه، ولتصبِري ولتُحاولي تصحيحَ نظرةِ الناس إليكِ بحسن سِيرتكِ وسَمتكِ؛ فليس كلُّ ما يُقال يُصدِّقُه الناس، وغالب الناس يعلَمُون ذلك، وقد يتكلَّم أمامي ذوو النيَّات السيِّئة في بعض الصالحين ما يُناقض أفعالَ مَن يحاولون النيل منهم، والتي أراها بعيني ويراها مَن حولي؛ فلا أزدادُ إلا احتِقارًا للقائل، وقد أسمعُ ما يُنافي الواقعَ فيمتلئ قلبي ونفسي تكذيبًا لقائله، وأُواجهه بما أعلمُ من حقٍّ، فلا يكسبُ حِينها إلا الخزيَ والعار.
وليس أدلَّ على ذلك من قصَّة الإفك، وما حاوَلَ المنافقون فيها من تشويهِ صورةِ أمِّ المؤمنين، فأخزاهم اللهُ وأذلَّهم، وكشَفَ زيفَ قولِهم وبُهتانَ نيَّاتهم وخُبث أفعالهم.
ومَن لم يقتصَّ له الله في الدنيا، فلن يضيعَ أجره في الآخرة، فدَعِي مَن يقول للمحاكمة العادلة، ولا تُلقي بالاً لما يقولُ ولا لمن يصدقُ كلامَه، والله كافيكِ ذلك كله؛ ما توكَّلتِ عليه واعتصمتِ به.
لكن تذكَّري أنَّ من حقِّه رؤيةَ ابنته والتواصُل معها بموعدٍ يتمُّ الاتِّفاق عليه، ويجبُ ألا تُحرَم الفتاة زيارته في بيته أو أنْ يزورَها؛ فهذا حقُّها وحقُّه الشرعي، لا يلغيه ظلمُه أو شخصيَّته أو عدم أهليَّته، أو غيرها من سيِّئ الأفعال والصِّفات؛ فالحقوقُ لا تلغيها المظالم، ولا تَنفِيها الأنفسُ الشريرة؛ تمامًا كالابن غير المطيع يحرمُه والده الميراث لعدم رضاه عنه، وهذا لا يجوزُ ولا يُحلُّه الله، وهذا من ظُلم الخلائق وطُغيانهم، ومن تَمام عدْل ربِّنا وحِكمته أنَّه لا يمنعُ حقًّا كفلَه لآدميٍّ بذنبٍ ارتكبَه، والحسابُ يوم الدِّين!
أخيرًا:
أُوصيكِ بالاستِخارة، فرغم كلِّ ما ذكرتِ وكلِّ ما عانيتِ أقولُ لكِ: القلوبُ بيد الله - تعالى - يقلبُها كيف يشاءُ ويصرفُها على ما يُحبُّ، ولا يمنعُ أنْ يكون قد تغيَّر وتحوَّل قلبه؛ فإنْ بدا لكِ ذلك ورغبتِ في الرُّجوع، فلا تجعلي زوجَه الثانية مانعًا، ولكنْ حاوِلي التثبُّت من استِقامته واعتِدال خُلُقِه قبل أنْ تتكرَّر الأحداث وتتكرَّر الأخطاء، فما أسوأ وقوعَ المرء في الخطأ نفسه! وما أقبح مُعايَشة نفس الأحداث المؤلمة والاستسلام لها دُون تعلُّم أو اكتساب خبرة!
وفَّقكِ الله، وهَداكِ لما فيه الخيرُ والصلاحُ في الدنيا والآخِرة، وحَفِظَكِ وابنتكِ من كلِّ سوءٍ.