الموضوع: شروط الوضوء
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-11-2021, 10:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي شروط الوضوء

شروط الوضوء


الكـاتب : دبيان محمد الدبيان
للوضوء شروط كثيرة، وبعضهم يقسمها إلى أقسام: شروط وجوب وصحة معًا، وشروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط.
وشروط الوجوب: هي ما إذا اجتمعتْ وجبت الطهارة، فإذا عُدمت لم تجب الطهارة.
وشروط الصحة: وهي ما لا تصح الطهارة إلا بها، فإذا عدمت لم تصح الطهارة. وسوف نذكرها شرطًا شرطًا، ونبين ما ذكر فيها من خلاف إن شاء الله - تعالى -.
الشرط الأول: الإسلام:
اختلف الفقهاء هل الإسلام شرط في وجوب الوضوء وصحته، أو ليس بشرط؟
فقيل: يجوز الوضوء من الكافر، وهو مذهب الحنفية[1].
وقيل: لا يصح الوضوء من كافر، وهذا الشرط لا يختص بالوضوء، بل هو شرط في جميع العبادات، من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج[2].
قال - تعالى -: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ)[3].
وهل يجب على كافر وضوء؟ فيه خلاف، وهذه المسألة ترجع إلى مسألة أصولية، وهي هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
وللجواب على هذا نقول:
أما مخاطبة الكفار بأصول الدين من التوحيد والإقرار بالنبوات ونحوها، فهذا إجماع لا نزاع فيه، قال - تعالى -: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[4].
واختلفوا هل يخاطبون بالفروع أم لا؟
فذهب بعض الحنفية[5] واختاره أبو حامد الإسفراييني من الشافعية[6]، إلى أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، فيكون الإسلام عندهم شرط وجوب للوضوء.
وذهب الجمهور إلى أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة، فهو عندهم شرط للصحة لا للوجوب[7].
دليل من قال: إن الكافر لا يخاطب بفروع الشريعة:
الدليل الأول: (791-20) ما رواه البخاري، قال: حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا زكرياء بن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))[8].
وجه الاستدلال: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن هذه الواجبات لا تلزم إلا بعد الإيمان، ولو لزمتْ بعد لزوم الإيمان لم يكن لتأخير ذكر الإيجاب معنى.
الدليل الثاني: قالوا: إن الكافر ليس أهلاً لأداء العبادات؛ لأن أداء العبادة لاستحقاق الثواب في الآخرة بحكم الله - تعالى -، والكافر ليس بأهلٍ لثواب الآخرة؛ لأن ثواب الآخرة هي الجنة، وهو ليس من أهل الجنة، فتبين أنه ليس بأهل للعبادة، وإذا لم يكن من أهل هذا العمل لم يكن من أهل الخطاب بالعمل؛ لأن الخطاب بالعمل للعمل، وهذا كالعبد لا يخاطب بالعبادات المالية من الكفارات والزكوات وغيرها؛ لأنه ليس من أهل ملك المال، فلا يخاطب بواجب المال[9].
دليل من قال: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة:
الدليل الأول: قوله - تعالى -: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ)[10].
فقد بيَّن أن دخولهم النار على تركهم الصلاة والزكاة.
وقال - تعالى -: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)[11].
فأوجب لهم الويل بكفرهم وإخلالهم بالزكاة.
وقال - تعالى -: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[12].
وهذا يتناول المسلم والكافر.
الدليل الثاني: قالوا: لما لزمت الكافر النواهي، لزمه الأوامر؛ لأن الأوامر أحد قسمي الشرع، فصار كالقسم الآخر، والدليل على لزومهم النواهي إجماعُ الأمة في أن الكافر يحد إذا زنا، ويقطع إذا سرق، ولو لم يكن مكلفًا بترك الزنا والسرقة لم يكن الزنا والسرقة منه معصية، ولو لم تكن معصية لم يعاقب على فعله.
فإن قالوا: إنما وجب ذلك عليهم بالتزامهم أحكام الإسلام.
قيل: لزوم الأحكام بإلزام الله - تعالى -، لا بالتزام العبيد ذلك، ألا ترى أن الخطاب متوجّه على جميع الكفار بالإيمان بالله - عز وجل - وإن كانوا لم يلتزموا شيئًا من ذلك، ثم من أحكامنا أن لا يحد الإنسان على مباح، فلو كان الزنا غير محظور عليه، كان مباحًا، والحد لا يجب بارتكاب المباح.
وبقي قولان آخران:
أحدهما: أن الكفار مخاطبون بالنواهي دون الأوامر؛ لأن النواهي يمكنهم تركُها، وليس كذلك الصلاة والصيام؛ لأنه مع كفره لا يمكنه فعلها، فلم يخاطب بفعلها. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد.
وقيل: لا يخاطب من الكفار إلا المرتد، فإنه مخاطب بالأوامر والنواهي.
والراجح أن الكافر مخاطب بالأوامر والنواهي، وإيجاب الشيء عليه لا يلزم منه صحته لو فعله؛ لأن المانع مِن قِبَله هو، وليس من قِبَل الشرع، فإذا أمر الإنسان بأن يفعل فعلاً، وكان هناك مانع يمنع من صحة الفعل، فإن كان المانع من قبل الشرع، كالعجز عن الفعل سقط الفعل، وإن كان المانع من قبل المكلف أثِم ولم يرتفع عنه الخطاب، وذلك مثل شارب الخمر، فإنه لا يصلي حتى يعلم ما يقول، وإذا خرج وقت الصلاة وهو لم يصلِّ أثم بذلك، وإن كان منهيًّا عن الصلاة حال السكر؛ وذلك لأن المانع قام من قبله هو، لا بإذن الشارع، والله أعلم. وهذه المسألة مبسوطة في كتب الأصول، وليس محلها كتب الفروع؛ وإنما اكتفينا بإشارة عجلى، والله الموفق.
الشرط الثاني: التكليف:
والمكلف: هو البالغ العاقل، فلا يجب ولا يصح وضوءُ مجنون.
وأما المميز، فيصح منه الوضوء، ولا يجب عليه[13].
وتعريف المميز: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الناس[14].
وقيل: هو من يصل إلى حالة بحيث يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده، ولا يتقيد بسبع سنين[15]. وهذا التعريف هو ما يدل عليه اشتقاق كلمة مميز. وقيل: هو من استكمل سبع سنين[16].
الأدلة على اشتراط التكليف:
الدليل الأول: أما كون الوضوء لا يصح من مجنون وغير مميز؛ فلأن من شرط الوضوء النية على الصحيح كما سيأتي، وهما ليس لهما نية صحيحة.
وأما كونه لا يجب عليهما؛ فلأن من شرط الوجوب التكليف، وهما غير مكلفين.
(792-21) فقد روى أحمد، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن، عن علي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه))[17] [إسناده منقطع، ورجح الترمذي والنسائي والدارقطني وقفه][18].
الدليل الثاني: الإجماع على أن الكافر والطفل غير المميز لا يصح منه الوضوء، قال ابن تيمية: الأقوال في الشرع لا تعتبر إلا من عاقلٍ يعلم ما يقول ويقصده، فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغوٌ في الشرع، لا يصح منه إيمان ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال باتفاق المسلمين[19].
الشرط الثالث: ارتفاع دم الحيض والنفاس:
من شروط الوضوء ارتفاع دم الحيض والنفاس، فلو توضأت المرأة وهي حائض أو نفساء، لم يرتفع حدثُها، فارتفاعه شرط للوجوب، فلا يجب الوضوء على حائض ونفساء، وشرط للصحة أيضًا، وهذا مذهب الجمهور[20].
وقيل: ارتفاع الحيض والنفاس شرط وجوب فقط، فيصح الوضوء من الحائض والنفساء، ولا يجب عليها[21].
قال ابن نجيم من الحنفية: وأما أئمتنا فقالوا: إنه يستحب لها - يعني الحائض - أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وتقعد على مصلاها تسبِّح، وتهلِّل وتكبِّر[22].
وقد ذهب جمع من السلف إلى تصحيح وضوء الحائض والنفساء، وكأنهم رأَوْا أن في ذلك تخفيفًا للحدث، كما يتوضأ الجنب للنوم، وإن كان حدثه باقيًا.
قال ابن رجب: وقد استحبَّ طائفة من السلف أن تتوضأ - يعني الحائض - في وقت كل صلاة مفروضة، وتستقبل القبلة، وتذكر الله - عز وجل - بمقدار تلك الصلاة، منهم الحسن وعطاء وأبو جعفر محمد بن علي، وهو قول إسحاق، وروي عن عقبة بن عامر أنه كان يأمر الحائض بذلك، وتجلس بفناء مسجدها، خرجه الجوزجاني.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين في أيام حيضهن[23].
(793-22) أما قول عطاء، فأخرجه ابن أبي شيبة، قال - رحمه الله -: حدثنا حفص بن غياث، عن عبدالملك، عن عطاء أنه كان يقول في الحائض: تتنظف، وتتخذ مكانًا في مواقيت الصلاة تذكر الله فيه[24]. وسنده صحيح.
وأما قول الحسن، فقد ثبت عنه بسند صحيح: (794-23) فقد روى ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: سمعته يقول في الحائض: تتوضأ عند كل صلاة وتذكر الله. [إسناده صحيح][25].
وأما قول أبي جعفر: (795-24) فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إنا لنأمر نساءنا في الحيض أن يتوضأن في وقت كل صلاة، ثم يجلسن ويسبحن ويذكرن الله[26]. [إسناده ضعيف جدًّا][27].
وأما قول عقبة بن عامر: (796-25) فرواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو عبدالرحمن المقري، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني خالد بن يزيد الصدفي، عن أبيه عن عقبة بن عامر أنه كان يأمر المرأة الحائض في وقت الصلاة أن تتوضأ وتجلس بفناء المسجد، وتذكر الله وتهلل وتسبح[28].
ولم أقف على ترجمة خالد بن يزيد الصدفي، ولا ترجمة أبيه، وباقي رجاله ثقات[29]. والله أعلم.
والحق أن استحباب ذلك بدعة.
قال ابن رجب: "وأنكر ذلك أكثر العلماء، وقال أبو قلابة: قد سألنا عن هذا فما وجدنا له أصلاً".
وقال سعيد بن عبدالعزيز: ما نعرف هذا، ولكننا نكرهه.
وقال ابن عبدالبر: على هذا القول جماعة من الفقهاء، وعامة العلماء في الأمصار[30].
(797-26) وقول أبي قلابة الذي أشار إليه الحافظ ابن رجب، قد رواه ابن أبي شيبة، قال - رحمه الله -: حدثنا معتمر، عن أبيه، قال: قيل لأبي قلابة: الحائض تسمع الأذان فتوضأُ، وتكبِّر، وتسبح، قال: قد سألنا عن ذلك فما وجدنا له أصلاً. [وسنده صحيح][31].
روى ابن أبي شيبة قال: حدثنا ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت الحكم وحمادًا، فكرهاه[32].
فأين الدليل على مشروعية الوضوء للحائض؟
قال النووي: إذا قصدَتِ الطهارةَ تعبُّدًا مع علمها بأنها لا تصح، فتأثم بهذا؛ لأنها متلاعبة بالعبادة، فأما إمرار الماء عليها بغير قصد العبادة، فلا تأثم به بلا خلاف، وهذا كما أن الحائض إذا أمسكت عن الطعام بقصد الصوم أثمت، وإن أمسكت بلا قصد لم تأثم؛ ا. هـ[33].
الشرط الرابع: طهورية الماء:
اشترط الجمهور أن يكون الماء طهورًا مطلقًا، فإن كان الماء نجسًا فلا يصح الوضوء منه قولاً واحدًا، وإن كان الماء طاهرًا - كالماء المستعمل في رفع حدث - فإن الحدث لا يرتفع عند جماهير أهل العلم[34].
وقيل: يصح الوضوء بالماء المستعمل، ولا يوجد قسم من الماء اسمه طاهر، فليس هناك إلا ماء طهور ونجس، ولا وجود لقسم ثالث طاهر غير مطهر.
وقد قدمت أدلة كل فريق في كتاب المياه، وترجح أن الماء قسمان فقط، فأغنى عن إعادته هنا، والله الموفق.
الشرط الخامس: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء
من شروط الوضوء: إزالة ما يمنع وصولَ الماء إلى أعضاء الوضوء، من دهن جامد أو شمع ونحوهما، وهذا محل اتفاق بين المذاهب الأربعة.
لأن الله - سبحانه وتعالى - أمر بغسل أعضاء الوضوء: الوجه واليدين والرجلين إذا كانتا مكشوفتين، فإذا كان على العضو المغسول ما يمنع من وصول الماء لم يتحقق امتثال الأمر، فيكون الغسل ناقصًا، وإذا كان ناقصًا لم يتم وضوءه.
وإنما اختلفوا في الوسخ يكون على الظفر، ويمنع من وصول الماء هل يصح وضوءه أم لا؟
فقيل: تجب إزالته مطلقًا، ولا يصح الوضوء مع وجوده، اختاره المتولي من الشافعية[35]، وابن عقيل من الحنابلة[36].
وقيل: لا تجب إزالته مطلقًا، ويعفى عنه، اختاره الغزالي من الشافعية[37]، ومال إليه ابن قدامة من الحنابلة[38].
وقيل: إن كان ما تحت الظفر يسيرًا عفي عنه، وإن فحش وجبت إزالته، وهو مذهب المالكية[39]، وأومأ إليه ابن دقيق العيد[40]، ورجحه ابن تيمية[41].
وقد ذكرتُ أدلة كل قول، وما هو الراجح فيه في كتابي سنن الفطرة، فأغنى عن إعادته هنا، فارجع إليه غير مأمور.
الشرط السادس: دخول الوقت على من به حدث دائم
ذهب الجمهور إلى اشتراط دخول الوقت في صحة طهارة مَن به حدث دائم؛ كالمستحاضة، ومن به سلس بول ونحوهما، فلو تطهر قبل دخول الوقت لم تصح طهارته[42].
وقيل: لا يشترط دخول الوقت، بل لا يعتبر خروج دم الاستحاضة وكذا من به سلس بول، لا يعتبر حدثًا ناقضًا للوضوء، وإنما يستحب منه الوضوء ولا يجب، وهذا مذهب المالكية[43].
وقد بحثت هذه المسألة بشيء من الاستفاضة في كتابي الحيض والنفاس فأغنى عن إعادته هنا[44].
الشرط السابع: هل يشترط أن يكون ماء الوضوء مباحًا؟
اختلف الفقهاء هل يشترط في الوضوء أن يكون الماء مباحًا؟
فقيل: لا يشترط، فلو توضأ بماء محرَّم كالمغصوب أثم، وارتفع حدثه وخبثه، وهو مذهب الحنفية[45]، والمالكية[46]، والشافعية[47].
وقيل: لا تصح الطهارة به، ويرتفع به الخبث، اختاره بعض الحنابلة[48].
وقيل: لا يرتفع به حدث، ولا خبث، وهو من مفردات مذهب الحنابلة[49]، وهو اختيار ابن حزم[50].
وسبب اختلافهم في هذه المسألة: أنه ورد على هذا الوضوء أمران: واجب ومحرم، فالوضوء للصلاة واجب، وأخْذ مال الغير بدون وجه حق محرَّم، فلا يمكن أن يكون الشيء واجبًا ومحرمًا في الوقت نفسه، كما أن الوضوء قربة لله - سبحانه وتعالى - ووضوءه بماء مغصوب محرم، والمحرم لا يكون قربة يتقرَّب بها العبد إلى الله.
والذين ذهبوا إلى صحة الوضوء رأوا أن التحريم راجع إلى أمر خارج عن الوضوء، وهو الغصب، وقد غسل الإنسان أعضاءه فارتفع حدثه مع الإثم، فالتحريم والصحة غير متلازمين، وهناك أدلة أثرية ونظرية لكل فريق ذُكِرَتْ بشيء من التفصيل في كتابي أحكام الطهارة (المياه والآنية)[51]، فارجع إليها غير مأمور، فقد أغنى ذكرها هناك عن إعادتها هنا.
الشرط الثامن: القدرة على استعمال الماء:
نص الحنفية والمالكية على هذا الشرط[52]، وأن من شروط الوضوء القدرة على استعمال الماء، والحقيقة أن القدرة على الفعل ليست شرطًا خاصًّا بالوضوء، بل إن جميع التكاليف لا تجب إلا بالقدرة على فعلها، فمن عجز عن أداء شيء فإن كان له بدل، وجب البدل، وإن لم يكن له بدل سقط عنه حتى يقدر على فعله؛ (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[53]، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[54].
(798-27) وروى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا عبدان، عن عبدالله، عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدثني الحسين المكتب، عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال: ((صلِّ قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب))[55].
وما دام أن هذا الشرط لا يختص بالوضوء، فكان الأفضل عدم ذكره من شروط الوضوء، والله أعلم.
الشرط التاسع: قيام الحدث:
وهذا شرط وجوب، فمن لم يكن محدثًا لم يجب عليه الوضوء.
الدليل على هذا من السنة والإجماع: (799-28) أما السنة، فقد روى البخاري، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن عامر قال: سمعت أنس بن مالك قال ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث[56].
الدليل الثاني: (800-29) ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد ح وحدثني محمد بن حاتم واللفظ له، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: حدثني علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه. قال: ((عمدًا صنعتُه يا عمر))[57].
الدليل الثالث: (801-30) ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن سويد بن النعمان أخبره، أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء، وهي أدنى خيبر، فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به، فثري، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلْنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ[58].
الدليل الرابع: أن المسألة شبه إجماع، قال ابن تيمية: "من توضَّأ لصلاة صلَّى بذلك الوضوء صلاة أخرى - فهذا قول عامة السلف والخلف، والخلاف في ذلك شاذ، وقد عُلم بالنقل المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يوجب الوضوء على من صلى ثم قام إلى صلاة أخرى؛ فإنه قد ثبت بالتواتر أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعًا، جمع بهم بين الصلاتين، وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله، ولما سلم من الظهر صلى بهم العصر، ولم يحدث وضوءًا لا هو ولا أحد، ولا أمر الناس بإحداث وضوء، ولا نقل ذلك أحد، وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقًا"[59].
وقال أيضًا: "لما قدم مزدلفة، صلى بهم المغرب والعشاء جمعًا من غير تجديد وضوء للعشاء، وهو في الموضعين قد قام هو وهم إلى صلاة بعد صلاة، وأقام لكل صلاة إقامة، وكذلك سائر أحاديث الجمع الثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس وأنس - رضي الله عنهم - كلها تقتضي: أنه هو - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون خلفه - صلَّوُا الثانية من المجموعتين بطهارة الأولى، لم يحدثوا لها وضوءًا.
وكذلك قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين من حديث ابن عباس وعائشة وغيرهم أنه كان يتوضأ لصلاة الليل، فيصلي به الفجر، مع أنه كان ينام حتى يغط، ويقول: ((تنام عيناي، ولا ينام قلبي))، فهذا أمر من أصح ما يكون أنه: كان ينام ثم يصلي بذلك الوضوء الذي توضأ للنافلة يصلي به الفريضة، فكيف يقال: إنه كان يتوضأ لكل صلاة؟ وقد ثبت عنه في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر، ثم قدم عليه وفد عبدالقيس، فاشتغل بهم عن الركعتين بعد الظهر حتى صلى العصر، ولم يحدث وضوءًا، وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة، وتارة النافلة ثم الفريضة، وتارة فريضة ثم فريضة، كل ذلك بوضوء واحد، وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل بوضوء واحد مرات متعددة، وكان المسلمون على عهده يتوضؤون، ثم يصلون ما لم يُحدِثوا، كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحة، ولم ينقل عنه - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف -: أنه أمرهم بالوضوء لكل صلاة، فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل.
وأما القول بوجوبه، فمخالف للسنة المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولإجماع الصحابة، والنقل عن علي - رضي الله عنه - بخلاف ذلك لا يثبت؛ بل الثابت عنه خلافه، وعلي - رضي الله عنه - أجلُّ من أن يخفى عليه مثل هذا، والكذب على علي كثيرٌ مشهور أكثر منه على غيره، وقد أنكر الإمام أحمد - رحمه الله - أن يكون في هذه المسألة نزاع، مع جلالة قدره وسَعة معرفته بآثار الصحابة والتابعين، قال أحمد بن القاسم: سألت أحمد عمن صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا لم ينتقض وضوءه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا"[60].
(802-31) وأما ما رواه أحمد، قال: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري ثم المازني مازن بني النجار، عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر، قال: قلت له: أرأيت وضوء عبدالله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، عمَّ هو؟ فقال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبدالله بن حنظلة بن أبي عامر ابن الغسيل حدثها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُمر بالسواك عند كل صلاة، ووُضع عنه الوضوء إلا من حدث. قال: فكان عبدالله يرى أن به قوة على ذلك، فكان يفعله حتى مات[61]. [في إسناده اختلاف، وحسن إسناده الحافظ][62].
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]