عرض مشاركة واحدة
  #60  
قديم 29-10-2021, 12:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (60)
- بعض الأحكام المستفادة من سورة الكهف
- حبس أهل الفساد ومنعهم من التصرف فيما يريدون


د.وليد خالد الربيع





قال -تعالى-: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (الكهف:94) هذه الآية الكريمة في سياق قصة ذي القرنين من سورة الكهف، وفيها ذكر نعمة الله -تعالى- على هذا العبد الصالح، وإمداده بأسباب القوة والمنعة، وفي أخباره عبر عديدة وفوائد سديدة كما قال الشيخ ابن سعدي: «كان أهل الكتاب أو المشركون، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قصة ذي القرنين، فأمره الله أن يقول: {سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} فيه نبأ مفيد، وخطاب عجيب. أي: سأتلو عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم».

وقد استنبط منها القرطبي بدقيق نظره وثاقب فكره مسألة مشروعية الحبس بمعناه العام، فقال: «في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدونه، ولا يتركون وما هم عليه».

تعريف الحبس

الحبس لغة المنع، فهو ضد التخلية، كما يطلق الحبس والمحبس على اسم موضع الحبس.

وأما في الاصطلاح: فللحبس إطلاق فقهي أعم من معنى السجن المعهود.

قال ابن تيمية: «الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويقُ الشخص ومنْعُه من التصرُّف بنفسه، سواء كان في بيت أو سِجن، أم كان بتوكيل الخَصم أو وكيله عليه».

قال: «ولم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر حبس معد لسجن الناس، ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا، وحبس فيها».

مشروعية الحبس في القرآن الكريم

ذهب الجمهور إلى أن الحبس مشروع، ومما استدلوا به:

قوله -تعالى-: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} (النساء:15)

دلت الآية على أن عقوبة النساء الزانيات كانت في صدر الإسلام الحبس في البيوت حتى الموت، ولكن الحكم فيما بعد تغير بنزول قوله -سبحانه-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (النور:2)

وبحديث عبادة مرفوعا: «الثيب بالثيب جلد مئة والرجم» رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.

ومن الآيات على مشروعية الحبس قَوْله -تعالى-: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} (المائدة: 106) قال ابن العربي: «وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حَبْسِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْحُكُومَةِ، وَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ؛ فَإِنَّ الْحُقُوقَ الْمُتَوَجِّهَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مَا يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ مُعَجَّلًا، وَمِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَإِنْ خُلِّيَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَغَابَ وَاخْتَفَى بَطَلَ الْحَقُّ وَتَوِيَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّوَثُّقِ مِنْهُ».

الحبس في السنة المطهرة

حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حبس رجلاً في تهمة ثم خلى عنه» رواه الترمذي وحسنه، قال المباركفوري: «وهذا يدل على أن الحبس من أحكام الشرع».

وعن عمرو بن الشريد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته». أخرجه البخاري معلقا ووصله أحمد وأبو داود وحسن إسناده ابن حجر، وذكر البخاري عن سفيان أنه شرح الحديث فقال: «عرضه: يقول: مطلتني، وعقوبته: الحبس»، قال ابن حجر: «واستدل به على مشروعية حبس المدين إذا كان قادرا على الوفاء تأديبا له وتشديدا عليه».

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد» الحديث متفق عليه، قال النووي: «وفي هذا جواز ربط الأسير وحبسه»

وأيضا ما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس بني قريظة بالمدينة، قال ابن حجر: «وذكر ابن إسحق أنهم حبسوا في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد، ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في بيتين».

وذكر ابن هشام وابن كثير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس ابنة حاتم الطائي في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها.

وذكر الكتاني في التراتيب الإدارية أن عمر سجن الحطيئة الشاعر لما هجا الزبرقان.

الحبس في زمن الخلفاء الراشدين

وأخرج البيهقي عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر بن الخطاب من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف وجعلها سجناً.

وعن عثمان - رضي الله عنه - أنه سجن صابئ ابن حارث أحد لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في السجن.

وبنى علي بن أبي طالب سجناً من قصب سماه نافعاً، فنقبه اللصوص، ثم بنى سجناً من مدر وسماه مخيساً. فكل هذه الآثار تدل على مشروعية اتخاذ الحبس.

أنواع الحبس

النوع الأول: الحبس للتعزير:

التعزير عقوبة غير مقدرة شرعا، يفوض الأمر فيها لولي الأمر بما يراه مناسبا، ومن العقوبات التعزيرية الحبس.

النوع الثاني: الحبس للاستيثاق:

المراد به منع الشخص عن التصرف بنفسه وضمان عدم هروبه لا بقصد التعزير، وهو يشمل:

1- الحبس بسبب التهمة

وهو منع الشخص المتهم ذي الريبة من التصرف في نفسه حتى يبين أمره فيما اتهم به من حق لله أو حق لآدمي، وقد تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حبس رجلاً في تهمة ثم خلى عنه».

2- الحبس للاحتراز

وهو الحبس لمنع الضرر المتوقع لو ترك هذا الشخص دون حبس، ومنه حبس أسير العدو حتى يحكم الإمام في أمره كما قال -تعالى-: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (محمد:4) قال الشيخ ابن سعدي: «أي: الرباط، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا، فإذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم».

3- الحبس لتنفيذ العقوبة

كما لو ثبتت عقوبة على شخص معين وحال دون تنفيذها عذر معتبر شرعا كالمرض، والحمل، والنفاس، والإرضاع، والسكران حتى يصحو، وتأخير القصاص إذا كان أحد أولياء الدم غائبا حتى يحضر، ومن جرح شخصا حبس حتى يبرأ، وينتظر لجلد المعذور اعتدال الجو حتى لا يهلك بشدة الحر أو البرد، ونحو ذلك من الأعذار فإنه يحبس حتى يزول العذر، والحبس هنا للتحفظ على المطلوب وليس عقوبة له فيحسن إليه في حبسه، ودليل ذلك حديث عمران أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا رسول الله، أصبت حدًا فأقمه عليّ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليها فقال: «أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها» ففعل، فأمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فشددت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها رواه مسلم.


قال النووي: «هَذَا الْإِحْسَانُ لَهُ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا: الْخَوْفُ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا أَنْ تَحْمِلَهُمُ الْغَيْرَةُ وَلُحُوقُ الْعَارِ بِهِمْ أَنْ يُؤْذُوهَا فَأَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا تَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَمَرَ بِهِ رَحْمَةً لها إذ قد ثابت، وحرص عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهَا لِمَا فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنَ النُّفْرَةِ مِنْ مِثْلِهَا وَإِسْمَاعِهَا الْكَلَامَ الْمُؤْذِي وَنَحْوَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْ هَذَا كُلِّهِ».






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]