عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 25-10-2021, 05:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (27)

من صــ 423 الى صـ
ـ 429


الصحيحة قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى صح فيهم الحديث من عشرة أوجه وقد أخرجها مسلم في صحيحه وأخرج البخاري قطعة منها. ثم هذه الأجناس الثلاثة مشروعة؛ ولكن يبقى الكلام في القدر المشروع منها، وله صنف " كتاب الاقتصاد في العبادة ".
وقال أبي بن كعب وغيره: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. والكلام في سرد الصوم وصيام الدهر سوى يومي العيدين وأيام التشريق وقيام جميع الليل هل هو مستحب؟ كما ذهب إلى ذلك طائفة من الفقهاء والصوفية والعباد، أو هو مكروه كما دلت عليه السنة وإن كان جائزا؟ لكن صوم يوم وفطر يوم أفضل وقيام ثلث الليل أفضل ولبسطه موضع آخر.
إذ المقصود هنا الكلام في أجناس عبادات غير مشروعة حدثت في المتأخرين كالخلوات فإنها تشتبه بالاعتكاف الشرعي. والاعتكاف الشرعي في المساجد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله هو وأصحابه من العبادات الشرعية.

فصل:
وأهل " العبادات البدعية " يزين لهم الشيطان تلك العبادات ويبغض إليهم السبل الشرعية حتى يبغضهم في العلم والقرآن والحديث فلا يحبون سماع القرآن والحديث
ولا ذكره وقد يبغض إليهم حتى الكتاب فلا يحبون كتابا ولا من معه كتاب ولو كان مصحفا أو حديثا؛ كما حكى النصرباذي أنهم كانوا يقولون: يدع علم الخرق ويأخذ علم الورق قال: وكنت أستر ألواحي منهم فلما كبرت احتاجوا إلى علمي. وكذلك حكى السري السقطي: أن واحدا منهم دخل عليه فلما رأى عنده محبرة وقلما خرج ولم يقعد عنده؛ ولهذا قال سهل بن عبد الله التستري: يا معشر الصوفية لا تفارقوا السواد على البياض فما فارق أحد السواد على البياض إلا تزندق.
وقال الجنيد: علمنا هذا مبني على الكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الشأن. وكثير من هؤلاء ينفر ممن يذكر الشرع أو القرآن أو يكون معه كتاب أو يكتب؛ وذلك لأنهم استشعروا أن هذا الجنس فيه ما يخالف طريقهم فصارت شياطينهم تهربهم من هذا كما يهرب اليهودي والنصراني ابنه أن يسمع كلام المسلمين حتى لا يتغير اعتقاده في دينه وكما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم ويستغشون ثيابهم لئلا يسمعوا كلامه ولا يروه. وقال الله تعالى عن المشركين: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} وقال تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين} {كأنهم حمر مستنفرة} {فرت من قسورة}.
وهم من أرغب الناس في السماع البدعي سماع المعازف. ومن أزهدهم في السماع الشرعي سماع آيات الله تعالى. وكان مما زين لهم طريقهم أن وجدوا كثيرا من المشتغلين بالعلم والكتب معرضين عن عبادة الله تعالى وسلوك سبيله إما اشتغالا بالدنيا وإما بالمعاصي وإما جهلا وتكذيبا بما يحصل لأهل التأله والعبادة فصار وجود هؤلاء مما ينفرهم وصار بين الفريقين نوع تباغض يشبه من بعض الوجوه ما بين أهل الملتين: هؤلاء يقولون ليس هؤلاء على شيء. وهؤلاء يقولون ليس هؤلاء على شيء وقد يظنون أنهم يحصل لهم بطريقهم أعظم مما يحصل في الكتب. فمنهم من يظن أنه يلقن القرآن بلا تلقين.
ويحكون أن شخصا حصل له ذلك وهذا كذب. نعم قد يكون سمع آيات الله فلما صفى نفسه تذكرها فتلاها. فإن الرياضة تصقل النفس فيذكر أشياء كان قد نسيها ويقول بعضهم أو يحكى أن بعضهم قال:
أخذوا علمهم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. وهذا يقع لكن منهم من يظن أنما يلقى إليه من خطاب أو خاطر هو من الله تعالى بلا واسطة وقد يكون من الشيطان وليس عندهم فرقان يفرق بين الرحماني والشيطاني فإن الفرق الذي لا يخطئ هو القرآن والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو حق وما خالف ذلك فهو خطأ.
وقد قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} {حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} وذكر الرحمن هو ما أنزله على رسوله قال تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} وقال تعالى:
{وما هو إلا ذكر للعالمين} وقال تعالى:{فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} {وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما} وقال تعالى:
{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} وقال تعالى: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.

(فصل: دعاء الرب بإعطاء المطلوب أولى من البخل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وإذا دعا العبد ربه بإعطاء المطلوب ودفع المرهوب جعل له من الإيمان بالله ومحبته ومعرفته وتوحيده ورجائه وحياة قلبه واستنارته بنور الإيمان ما قد يكون أنفع له من ذلك المطلوب إن كان عرضا من الدنيا وأما إذا طلب منه أن يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته وما يتبع ذلك فهنا المطلوب قد يكون أنفع من الطلب وهو الدعاء، والمطلوب الذكر والشكر وقيام العبادة على أحسن الوجوه وغير ذلك. وهذا لبسطه موضع آخر.
و (المقصود): أن القلب قد يغمره فيستولي عليه ما يريده العبد ويحبه وما يخافه ويحذره كائنا من كان؛ ولهذا قال تعالى: {بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} فهي فيما يغمرها عما أنذرت به فيغمرها ذلك عن ذكر الله والدار الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم.
قال الله تعالى: {فذرهم في غمرتهم حتى حين} أي فيما يغمر قلوبهم من حب المال والبنين المانع لهم من المسارعة في الخيرات والأعمال الصالحة. وقال تعالى: {قتل الخراصون} {الذين هم في غمرة ساهون} الآيات: أي ساهون عن أمر الآخرة فهم في غمرة عنها أي فيما يغمر قلوبهم من حب الدنيا ومتاعها ساهون عن أمر الآخرة وما خلقوا له.
وهذا يشبه قوله: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} فالغمرة تكون من اتباع الهوى، والسهو من جنس الغفلة؛ ولهذا قال من قال: " السهو " الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه وهذا جماع الشر " الغفلة " و " الشهوة " " فالغفلة " عن الله والدار الآخرة تسد باب الخير الذي هو الذكر واليقظة.
و " الشهوة " تفتح باب الشر والسهو والخوف فيبقى القلب مغمورا فيما يهواه ويخشاه غافلا عن الله رائدا غير الله ساهيا عن ذكره قد اشتغل بغير الله قد انفرط أمره قد ران حب الدنيا على قلبه كما روي في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطي رضي وإن منع سخط} جعله عبد ما يرضيه وجوده، ويسخطه فقده حتى يكون عبد الدرهم، وعبد ما وصف في هذا الحديث و " القطيفة " هي التي يجلس عليها فهو خادمها كما قال بعض السلف:
البس من الثياب ما يخدمك ولا تلبس منها ما تكن أنت تخدمه وهي كالبساط الذي تجلس عليه و " الخميصة " هي التي يرتدي بها وهذا من أقل المال. وإنما نبه به النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو أعلى منه فهو عبد لذلك: فيه أرباب متفرقون وشركاء متشاكسون.
ولهذا قال: {إن أعطي رضي وإن منع سخط}.
فما كان يرضي الإنسان حصوله، ويسخطه فقده فهو عبده إذ العبد يرضى باتصاله بهما ويسخط لفقدهما. و " المعبود الحق " الذي لا إله إلا هو إذا عبده المؤمن وأحبه حصل للمؤمن بذلك في قلبه إيمان وتوحيد ومحبة وذكر وعبادة فيرضى بذلك وإذا منع من ذلك غضب. وكذلك من أحب شيئا فلا بد أن يتصوره في قلبه، ويريد اتصاله به بحسب الإمكان.
قال الجنيد: لا يكون العبد عبدا حتى يكون مما سوى الله تعالى حرا.
وهذا مطابق لهذا الحديث فإنه لا يكون عبدا لله خالصا مخلصا دينه لله كله حتى لا يكون عبدا لما سواه ولا فيه شعبة ولا أدنى جزء من عبودية ما سوى الله فإذا كان يرضيه ويسخطه غير الله فهو عبد لذلك الغير ففيه من الشرك بقدر محبته، وعبادته لذلك الغير زيادة. قال " الفضيل بن عياض " والله ما صدق الله في عبوديته من لأحد من المخلوقين عليه ربانية. وقال زيد بن عمرو بن نفيل:
أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا انقسمت الأمور


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]