عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-10-2021, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي التطهير بالبخار

التطهير بالبخار (1)


الكـاتب : عبد اللّه بن عبد الواحد الخميس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ربنا لا تزغ قلوبنا، ويسر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلاً يهدي إليك، وافتح لنا باباً نفد منه عليك، لك مقاليد السماوات والأرض وأنت على كل شيء قدير.
أما بعد:فإن علم الفقه وأحكامه الدينية يعد من أجلّ العلوم الشرعية، لا تقوم الأمة الإسلامية حق القيام إلا به، ولا يصح لأي فرد منها أن يقدم على تصرف حتى يعلم حكم الله فيه منه، ولأهميته البالغة رغب الشارع في تعلمه وتعليمه، وخص المشتغلين والمهتمين به بميزات لم ينلها غيرهم من المهتمين بالعلوم الأخرى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"(1).
ومن الأمور التي لا بد أن يعلم المسلم حكم الله فيها ما يتعلق بالطهارة والنظافة من الأحداث والأقذار من أجل أن يكون المسلم في أموره العبادية والعادية على أكمل وجه من النظافة والنزاهة.

ومن المسائل النازلة في هذا العصر، والتي كثر السؤال عن حكمها "التطهير بالبخار" وتأتي أهمية هذه المسألة من كونها تتعلق بالركن الثاني من أركان الإسلام، ألا وهي الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة يشترط لها طهارة البدن والثوب.

ومن المسائل النازلة في هذا العصر، والتي كثر السؤال عن حكمها "التطهير بالبخار" وتأتي أهمية هذه المسألة من كونها تتعلق بالركن الثاني من أركان الإسلام، ألا وهي الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة يشترط لها طهارة البدن والثوب.
ومن خلال البحث وسؤال المهتمين بالفقه فإنني لم أهتد إلى من بحث هذا الموضوع، لذا عزمت على الكتابة فيه وقد قسمت البحث إلى التمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
التمهيد وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أهمية الطهارة في الإسلام، وبيان أن الأصل في الأشياء الطهارة.
المطلب الثاني: أبرز ما يتطهر به.
المبحث الأول: التعريف بمصطلحات البحث وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المراد بالتطهير.
المطلب الثاني: تعريف البخار والألفاظ ذات الصلة، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف البخار.
المسألة الثانية: الألفاظ ذات الصلة.
المبحث الثاني: التطهير بالمائعات، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالمائعات المطهرة، وأنواعها.
المطلب الثاني: ما اتفق على التطهير به من المائعات.
المطلب الثالث: ما اتفق على عدم التطهير به من المائعات.
المطلب الرابع: ما اختلف في التطهير به من المائعات.
المبحث الثالث: تطهير الثياب بالبخار، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حكم البخار المتحلل من النجس.
المطلب الثاني: حكم البخار المتحلل من غير النجس، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم بخار الماء المطلق.
المسألة الثانية: حكم بخار الحمامات.
المسألة الثالثة: حكم بخار المائعات الطاهرة.
المسألة الرابعة: حكم تطهير الثياب بالبخار.
ثم الخاتمة، وفيها أبرز نتائج البحث.
وبعد:
إن رجائي أن ينظر القارئ في هذا البحث بعين الإنصاف، فما وجد فيه من صواب فهو بتوفيق الله، وما وجد فيه من خطأ فهو من ضعف البشر، وأسأل الله - عز وجل - أن ينفع به كاتبه وقارئه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
التمهيد وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أهمية الطهارة في الإسلام، وبيان أن الأصل في الأشياء الطهارة:
ورد في الإسلام الحث على الطهارة وقد أثنى الله على من أحب الطهارة وآثر النظافة، وهي مروءة آدمية، ووظيفة شرعية، ومن ذلك ما مدح الله به أهل قباء من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حبهم للتطهير فقال - سبحانه -: "فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة: من الآية108).
وأخبر أن التطهير مجلبة لحبه - سبحانه - فقال: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة: من الآية222).
وقد أمر الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالتطهر في بداية التشريع فقال - سبحانه -: "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" (المدثر: 4، 5).
وامتن الله - سبحانه - بإنزال الماء الطهور من السماء فقال: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً" (الفرقان: من الآية48)، وقال أيضاً: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" (الأنفال: من الآية11).
ومن الأحاديث الدالة على أهمية الطهارة في الإسلام قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الطهور شطر الإيمان" (2).
وفي الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله"(3).
وذكر - عليه الصلاة والسلام - أن التطهر شرط لقبول الصلاة فقال: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ"(4) وقال: "لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول"(5).
وقد اتفق الفقهاء - رحمهم الله - على أن الأصل في الأشياء الطهارة وأن النجاسة عارضة(6) وقد نقل الاتفاق على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال: "إن الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن النجاسة محصاة مستقصاة، وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر"(7).
وقال الشوكاني: "اعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها، ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم والأصل البراءة من ذلك"(8).
ومن أبرز الأدلة على أن الأصل في الأعيان الطهارة قوله - تعالى -: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29).
وجه الاستدلال: أن الله - سبحانه وتعالى - أخبر أنه خلق جميع ما في الأرض للناس وأضافه إليهم باللام، وهي توجب اختصاص المضاف بالمضاف إليه واستحقاقه إياه من الوجه الذي يصلح له، وهذا المعنى يعم موارد استعمالها، ولا يحصل أو يكمل الانتفاع بما ملكه الله للناس ومكنهم منه فضلاً منه ونعمة إلا بالطهارة إلا ما خص من ذلك من الخبائث فيبقى على نجاسته(9).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي بعد أن ذكر هذه الآية فيها "دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، لأنها سيقت في معرض الامتنان ويخرج بذلك الخبائث؛ فإن تحريمها أيضاً يؤخذ من فحوى الآية وبيان المقصود منها، وأنه خلقها لنفعنا فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك"(10).
وقوله - تعالى -: "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" (الأنعام: من الآية119).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وجه الدلالة من هذه الآية فقال: "دلت الآية من وجهين: أحدهما أنه وبخهم وعنفهم على ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه قبل أن يحله باسمه الخاص، فلو لم تكن الأشياء مطلقة مباحة لم يلحقهم ذم ولا توبيخ إذ لو كان حكمها مجهولاً، أو كانت محظورة لم يكن ذلك.
الوجه الثاني: أنه قال: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ" (الأنعام: من الآية119)، والتفصيل التبيين فبين أنه بين المحرمات فما لم يبين تحريمه ليس بمحرم، وما ليس بمحرم فهو حلال إذ ليس إلا حلال أو حرام"(11).
وما ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير(12) أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول(13).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه"(14).
وجه الدلالة من الحديث من وجهين:
أحدهما: قوله: "وما سكت عنه فهو مما عفا عنه" نص في أن ما سكت عنه فلا إثم عليه فيه، وتسميته هذا عفواً كأنه والله أعلم لأن التحليل هو الإذن في التناول بخطاب خاص، والتحريم المنع من التناول كذلك، والسكوت عنه لم يؤذن بخطاب يخصه ولم يمنع منه فيرجع إلى الأصل(15) وذلك يستلزم طهارته إذ لو لم يكن طاهراً لم يكن مما عفي عنه.
وخلاصة القول إن كون الأصل في الأعيان الطهارة أمر معتبر عند الفقهاء وإن لم يصرح أكثرهم بهذه القاعدة، ولكن الملاحظ أنهم يشيرون إليها في معرض الاستدلال والترجيح في كثير من المسائل الفقهية(16).
المطلب الثاني: ما يتطهر به.
يمكن أن نجمل أبرز ما يتطهر به مما ذكره الفقهاء فيما يلي:
1- التطهير بالمائعات.
التطهير بالغسل بالماء أو بغيره من المائعات من أبرز المطهرات للنجاسة، وتختلف أحكام التطهير باختلاف المحال المغسولة، وسوف يأتي الكلام عليه لعلاقته بموضوع هذا البحث.
2 -التطهير بالاستحالة.
المراد بالاستحالة: انقلاب الشيء من صفة إلى صفة أخرى(17).
وقد ذكر الفقهاء لذلك صوراً كثيرة لعل أبرزها الخمر تنقلب خلاً، ومن تلك الصور كلب أو ميتة يقعان في ملاحة فتصبح ملحاً، أو العذرة تصبح رماداً. وقد اختلف الفقهاء في كون الاستحالة مطهرة(18)، لكون النووي - رحمه الله - حكى إجماعهم على أن الخمر إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت، وحكى عن سحنون خلاف ذلك، وقال: إن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله(19).
3 - التطهير بالجفاف.
وصورة ذلك أن تصيب النجاسة أرضاً فلا تغسل فورها، بل تترك حتى تجف، فهل يعتبر الجفاف مطهراً؟
اختلف العلماء في ذلك(20)، فذهب الحنفية إلى أن الجفاف يطهر الأرض في حق الصلاة فقط، فتجوز الصلاة عليها ولا يجوز التيمم بصعيدها، وفي رواية أخرى عن الإمام أبي حنيفة يجوز التيمم(21)، وهو القديم في مذهب الشافعية(22).
وقد نصر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول، وحكاه قولا في مذهب الإمام أحمد، لكنه لم يفرق بين جواز الصلاة وجواز التيمم بل قال بجوازهما جميعاً(23).
4 - التطهير بالدلك.
الدلك والفرك متقاربان فالفرك هو الحت بأطراف الأصابع، والدلك هو المسح سواء باليد أو بالأرض أو غيرهما(24).
والتطهير بالدلك قال به بعض الحنفية(25) والمالكية(26)، وأجاز الحنابلة الصلاة بالخفاف التي دلكت، وأن ما بها من أثر النجاسة معفو عنه(27)، واشترط الشافعية للتطهير بالدلك كون النجاسة يابسة ذات جرم يلتصق بالخفاف، وأما البول ونحوه فلا يكفي دلكه بحال(28).
5 - التطهير بالمسح.
وصورة هذه المسألة: الأجسام الصقيلة إذا أصابتها نجاسة هل تطهر بالمسح أم لا بد من غسلها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة(29)، والقول بأنها تطهر بالمسح قال به أبو حنيفة(30)، ومالك(31)، وأحمد في رواية اختارها أبو الخطاب(32)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(33)، وتلميذه ابن القيم(34).
6 - التطهير بالذكاة.
اتفق عامة الفقهاء على أن الذكاة تعمل تطهيراً في الحيوانات المأكولة في جميع أجزائها إلا الدم المسفوح(35)، وأما الحيوانات غير المأكولة فالحنفية يرون أن الذكاة تطهر جلدها(36)، وذهب المالكية إلى أن الذكاة تعمل تطهيراً في الحيوانات مكروهة الأكل كالسباع ونحوها، وهذه طريقة أكثر مشايخهم، وأما طريقة ابن شاس فهي تقول إن التذكية تعمل في محرم الأكل فتطهره، وقد استثنى من هذا الخنزير لغلظ تحريمه، وقال ابن حبيب لا تطهر بالذكاة بل تصير ميتة(37).
المبحث الأول: التعريف بمصطلحات البحث.
المطلب الأول: المراد بالتطهير:
قال ابن فارس "الطاء والهاء والراء أصل واحد صحيح يدل على نقاء وزوال دنس"(38)، وتطهر، وطهرته فطهر واطهر فهو طاهر ومتطهر، والطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس(39). وتطهرت اغتسلت وتكون الطهارة بمعنى التطهر، وماء طاهر خلاف نجس، وطاهر صالح للتطهر به(40).
وطهّر الماء بالشيء وغيره جعله طاهراً، وبرأه ونزهه من العيوب وغيرها، والمولود ختنه، والجسم ونحوه (في الطب) أخلاه من الجراثيم بالعقاقير المبيدة(41).
والطهر الخلو من النجاسة والحيض وغيره جمع أطهار... والمِطْهرة ما يتطهر به، وكل إناء يتطهر به كالإبريق والسطل والركوة وغيرها، وما يتطهر فيه جمع مطاهر(42).
فظهر مما سبق أن المراد بالتطهير جعل الشيء طاهراً أي غير نجس وتطهير الثياب أي إزالة النجاسة منها.
والمطهر: ما ينفي ويزيل الدنس، أو ما يتطهر به وذلك أن طهر تفيد معنى الإزالة.
المطلب الثاني: تعريف البخار والألفاظ ذات الصلة:
المسألة الأولى: تعريف البخار:
قال ابن فارس "الباء والخاء والراء أصل واحد وهي رائحة، أو ريح تثور من ذلك البخار"(43). وبخار القدر ما ارتفع منها، وكل رائحة ساطعة بخر وبخار من نتن وغيره، وكذلك بخار الدخان، وكل دخان يسطع من ماء حار فهو بخار، وكذلك من الندى، وبخار الماء يرتفع منه كالدخان(44).
وقال الفيومي "البخار معروف، والجمع أبخرة وبخارات، وكل شيء يسطع من الماء الحار، أو من الندى فهو بخار"(45).
وبخار الفسو ريحه قال الشاعر:
أشارب قهوة وحليف زير****وصراء لفسوته بخار(46)
فظهر مما سبق أن البخار يطلق على الدخان، وما يسطع من الماء، أو من الندى.
وفي الاصطلاح العلمي الحديث البخار "هو المادة الشبيهة بالغاز التي تتبخر من سائل درجات حرارة دون درجة غليان السائل(47) أما بخار الماء فهو "البخار الذي يتصاعد عندما يسخن الماء إلى درجة غليانه أو ما فوقها"(48).
وأما عند الفقهاء فلم أعثر على تعريف خاص للبخار، وذلك لكونه كما قال الفيومي معروفاً(49)، ولكن الذي يظهر لي أن المراد به: ما يتصاعد من الماء أو الندى، أو أي مادة رطبة تتعرض للحرارة(50).
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]