عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 24-10-2021, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (23)

من صــ 395 الى صـ
ـ 401

وآدم عليه السلام لم يحتج على موسى بالقدر ظنا أن المذنب يحتج بالقدر فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل ولو كان هذا عذرا لكان عذرا لإبليس وقوم نوح وقوم هود وكل كافر ولا موسى لام آدم أيضا لأجل الذنب فإن آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهدى ولكن لامه لأجل المصيبة التي لحقتهم بالخطيئة ولهذا قال:
فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فأجابه آدم أن هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق فكان العمل والمصيبة المترتبة عليه مقدرا وما قدر من المصائب يجب الاستسلام له فإنه من تمام الرضا بالله ربا.
وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب. قال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وقال: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} وقال يوسف: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}.
وكذلك ذنوب العباد يجب على العبد فيها أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر - بحسب قدرته - ويجاهد في سبيل الله الكفار والمنافقين ويوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله ويحب في الله ويبغض في الله.
كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} إلى قوله:
{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} إلى قوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} وقال تعالى:
{أفنجعل المسلمين كالمجرمين} وقال: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} وقال تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} وقال تعالى:
{وما يستوي الأعمى والبصير} {ولا الظلمات ولا النور} {ولا الظل ولا الحرور} {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} وقال تعالى: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا} وقال تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} إلى قوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء} إلى قوله:
{وهو على صراط مستقيم} وقال تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}.
ونظائر ذلك مما يفرق الله فيه بين أهل الحق والباطل وأهل الطاعة وأهل المعصية وأهل البر وأهل الفجور وأهل الهدى والضلال وأهل الغي والرشاد وأهل الصدق والكذب. فمن شهد " الحقيقة الكونية " دون " الدينية " سوى بين هذه الأجناس المختلفة التي فرق الله بينها غاية التفريق حتى يئول به الأمر إلى أن يسوي الله بالأصنام كما قال تعالى عنهم:
{تالله إن كنا لفي ضلال مبين} {إذ نسويكم برب العالمين} بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سووا الله بكل موجود وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقا لكل موجود إذ جعلوه هو وجود المخلوقات وهذا من أعظم الكفر والإلحاد برب العباد. وهؤلاء يصل بهم الكفر إلى أنهم لا يشهدون أنهم عباد لا بمعنى أنهم معبدون ولا بمعنى أنهم عابدون؛ إذ يشهدون أنفسهم هي الحق كما صرح بذلك طواغيتهم كابن عربي صاحب " الفصوص " وأمثاله من الملحدين المفترين كابن سبعين وأمثاله ويشهدون أنهم هم العابدون والمعبودون وهذا ليس بشهود لحقيقة؛ لا كونية ولا دينية؛ بل هو ضلال وعمى عن شهود الحقيقة الكونية حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتا للخالق والمخلوق إذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم.
وأما المؤمنون بالله ورسوله عوامهم وخواصهم الذين هم أهل الكتاب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن لله أهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله؟ قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته} فهؤلاء يعلمون أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وأن الخالق سبحانه مباين للمخلوق ليس هو حالا فيه ولا متحدا به ولا وجوده وجوده.
و " النصارى " كفرهم الله بأن قالوا: بالحلول والاتحاد بالمسيح خاصة فكيف من جعل ذلك عاما في كل مخلوق. ويعلمون مع ذلك أن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله ونهى عن معصيته ومعصية رسوله وأنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن على الخلق أن يعبدوه فيطيعوا أمره ويستعينوا به على ذلك كما قال {إياك نعبد وإياك نستعين}.
ومن عبادته وطاعته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بحسب الإمكان - والجهاد في سبيله لأهل الكفر والنفاق. فيجتهدون في إقامة دينه مستعينين به دافعين مزيلين بذلك ما قدر من السيئات دافعين بذلك ما قد يخاف من ذلك كما يزيل الإنسان الجوع الحاضر بالأكل ويدفع به الجوع المستقبل وكذلك إذا آن أوان البرد دفعه باللباس وكذلك كل مطلوب يدفع به مكروه.
كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم {يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقي بها هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال: هي من قدر الله}.
وفي الحديث {إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض} فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله العابدين لله وكل ذلك من العبادة. وهؤلاء الذين يشهدون " الحقيقة الكونية " وهي ربوبيته تعالى لكل شيء ويجعلون ذلك مانعا من اتباع أمره الديني الشرعي على مراتب في الضلال. فغلاتهم يجعلون ذلك مطلقا عاما فيحتجون بالقدر في كل ما يخالفون فيه الشريعة.
وقول هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى وهو من جنس قول المشركين الذين قالوا: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء}. وقالوا: {لو شاء الرحمن ما عبدناهم}.
وهؤلاء من أعظم أهل الأرض تناقضا؛ بل كل من احتج بالقدر فإنه متناقض فإنه لا يمكن أن يقر كل آدمي على ما فعل؛ فلا بد إذا ظلمه ظالم أو ظلم الناس ظالم وسعى في الأرض بالفساد وأخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج ويهلك الحرث والنسل ونحو ذلك من أنواع الضرر التي لا قوام للناس بها أن يدفع هذا القدر؛ وأن يعاقب الظالم بما يكف عدوان أمثاله. فيقال له إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغيرك وإن لم يكن حجة بطل أصل قولك: حجة.
وأصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول ولا يلتزمونه وإنما هم بحسب آرائهم وأهوائهم؛ كما قال فيهم بعض العلماء. أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري؛ أي مذهب وافق هواك تمذهبت به. ومنهم " صنف " يدعون التحقيق والمعرفة فيزعمون أن الأمر والنهي لازم لمن شهد لنفسه فعلا وأثبت له صنعا؛ أما من شهد أن أفعاله مخلوقة؛ أو أنه مجبور على ذلك؛ وأن الله هو المتصرف فيه كما تحرك سائر المتحركات؛ فإنه يرتفع عنه الأمر والنهي والوعد والوعيد. وقد يقولون: من شهد " الإرادة " سقط عنه التكليف ويزعم أحدهم أن الخضر سقط عنه التكليف لشهوده الإرادة فهؤلاء لا يفرقون بين العامة والخاصة الذين شهدوا الحقيقة الكونية فشهدوا أن الله خالق أفعال العباد وأنه يدبر جميع الكائنات وقد يفرقون بين من يعلم ذلك علما وبين من يراه شهودا فلا يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمه فقط ولكن عمن يشهده فلا يرى لنفسه فعلا أصلا وهؤلاء لا يجعلون الجبر وإثبات القدر مانعا من التكليف على هذا الوجه. وقد وقع في هذا طوائف من المنتسبين إلى التحقيق والمعرفة والتوحيد. وسبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر عليه خلافه كما ضاق نطاق المعتزلة ونحوهم من القدرية عن ذلك.
ثم المعتزلة أثبتت الأمر والنهي الشرعيين دون القضاء والقدر الذي هو إرادة الله العامة وخلقه لأفعال العباد وهؤلاء أثبتوا القضاء والقدر ونفوا الأمر والنهي في حق من شهد القدر إذ لم يمكنهم نفي ذلك مطلقا.
وقول هؤلاء شر من قول المعتزلة؛ ولهذا لم يكن في السلف من هؤلاء أحد وهؤلاء يجعلون الأمر والنهي للمحجوبين الذين لم يشهدوا هذه الحقيقة الكونية ولهذا يجعلون من وصل إلى شهود هذه الحقيقة يسقط عنه الأمر والنهي وصار من الخاصة.
وربما تأولوا على ذلك قوله تعالى

{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وجعلوا اليقين هو معرفة هذه الحقيقة وقول هؤلاء كفر صريح. وإن وقع فيه طوائف لم يعلموا أنه كفر؛ فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن الأمر والنهي لازم لكل عبد ما دام عقله حاضرا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]