• من الآية 41 إلى الآية 44: ï´؟ قَالَ ï´¾ اللهُ تعالى لإبليس: ï´؟ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ï´¾ أي: هذا طريقٌ مستقيم مُوَصِّل إلى جنَّتي، وعَليَّ الوفاءُ به، وهو:ï´؟ إِنَّ عِبَادِي ï´¾ الذين أخلصوا عبادتهم لي ï´؟ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ï´¾: أي ليس لك تَحَكُّم وتَسَلُّط على قلوبهم (لِتُضِلُّهم عن الطريق المستقيم) ï´؟ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ï´¾ يعني: لكنّ تسلُّطَك سيكون على الذين اتَبعوك مِن الضالينَ المشركين (الذين رضوا بطاعتك بدلاً من طاعتي) ï´؟ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ï´¾ ï´؟ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ï´¾ أي لها سبع طبقات (لكل طبقةٍ منهم باب)، وï´؟ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ï´¾ أي: لِكُلّ بابٍ مِن أبواب جهنم: فريقٌ من أتْباع إبليس يَدخلون منه، ولِكُلّ طبقة من طبقات جهنم: قِسمٌ ونصيبٌ من العذاب (وذلك بحسب أعمال العباد) (نسألُ اللهَ أن يُحَرِّم أجسادنا على النار).
• من الآية 45 إلى الآية 48: ï´؟ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ï´¾ الذين خافوا عذابَ ربهم - فامتثلوا أمْره واجتنبوا نهيه - أولئك ï´؟ فِي جَنَّاتٍ ï´¾ أي في بساتين عجيبة المَنظر، ï´؟ وَعُيُونٍ ï´¾ أي أنهارٌ جارية.
♦ وتقول لهم الملائكة: ï´؟ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ï´¾ أي ادخلوا هذه الجنات سالمينَ مِن كل سُوء، ï´؟ آَمِنِينَ ï´¾ مِن كل خوف، ï´؟ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ï´¾: أي لم يُبقِ اللهُ في صدور أهل الجنة ما يُنَغِّصُ نعيمهم، أو يُكَدِّرُ صَفْوَهم وسعادتهم (كحِقدٍ أو حسدٍ أو عداوةٍ أو غضب)، فهم يَعيشونَ في الجنة ï´؟ إِخْوَانًا ï´¾ مُتحابِّين، يَجلسونَ ï´؟ عَلَى سُرُرٍ ï´¾ عظيمة (والسُرُر جمع سرير) ï´؟ مُتَقَابِلِينَ ï´¾: أي تتقابل وجوههم في حُبّ، يَجمعهم مَجلس واحد يَتسامرونَ فيه على السُرُر، فإذا أرادوا الانصراف: تدورُ بهم السُرُر إلى قصورهم (اللهم إنا نسألك الجنة يارب)، وهُم ï´؟ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ï´¾: أي لا يُصيبهم فيها تعبٌ ولا إعياء (وهذا هو نعيم الراحة الأبدية في الجنة)، ï´؟ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ï´¾ أي: وهُم باقونَ في هذا النعيم لا يَخرجون منه أبدًا.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1]
رامي حنفي محمود
2. الربع الثاني من سورة الحِجر
• الآية 49، والآية 50: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي﴾: أي أخبِر عبادي- أيها الرسول - ﴿أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ للمؤمنين التائبين، ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ لغير التائبين.
• الآية 51، والآية 52: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾: أي وأخبِرهم عن ضيوف إبراهيم من الملائكة (الذين جاؤوا له على هيئة بَشَر) ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا﴾ له:﴿سَلَامًا﴾، فرَدَّ عليهم السلام، ثم قدَّم لهم الطعامَ فلم يأكلوا منه، فـ ﴿قَالَ﴾ لهم:﴿إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ﴾: يعني إنَّا منكم خائفون (وذلك لأنه ظنَّ أنهم أرادوا به شراً عندما لم يأكلوا).
• الآية 53: ﴿قَالُوا﴾ أي قالت الملائكة له: ﴿لَا تَوْجَلْ﴾: أي لا تخف﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾: يعني إنَّا جئنا نُبَشِّرك بوَلَدٍ كثير العلم بالدين (وهو إسحاق عليه السلام).
• الآية 54: ﴿قَالَ﴾ إبراهيمُ مُتعجبًا: ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾: يعني أبَشَّرتموني بالولد، وأنا كبيرٌ في السن، وزوجتي كذلك؟! ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾:يعني فبأيّ أُعجوبةٍ تُبَشِّرونني؟!
• الآية 55: ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ الذي أَعْلَمَنا اللهُ به ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾: أي فلا تكن من اليائسينَ مِن أن تُرزَق بولد.
• الآية 56، والآية 57: ﴿قَالَ﴾ إبراهيم - نافياً القنوط عن نفسه -:﴿وَمَنْ يَقْنَطُ﴾ يعني إنه لا يَيْئَسُ ﴿مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ عن طريق الحق، الذين لا عِلمَ لهم برَبِّهم، وكمال قدرته وسعة رحمته، ثم ﴿قَالَ﴾ لهم: ﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ يعني: فما الأمر الخطير الذي جئتم مِن أجْله أيها المُرسَلونَ مِن عند الله؟
• الآية 58، والآية 59، والآية 60: ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾: يعني إنّ اللهَ أرْسَلَنا لإهلاك قوم لوط المجرمين، ﴿إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾: يعني إلا لوطًا وأهله المؤمنين به فلن نُهلكهم، بل سَنُنَجِّيهم جميعاً ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ يعني: إلا زوجته الكافرة، فقد قضينا - بأمْر اللهِ لنا - بإهلاكها مع الباقينَ في العذاب.
• من الآية 61 إلى الآية 66: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾: أي فلمّا وصل الملائكة المُرسَلونَ إلى دار لوطٍ عليه السلام: ﴿قَالَ﴾ لهم: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾: يعني إنكم قوم غير معروفين، (وكأنه خافَ منهم، وظنّ أنهم أرادوا به سُوءاً)، فـ﴿قَالُوا﴾: ﴿بَلْ﴾ أي لا تَخَفْ، فقد ﴿جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾: أي جئنا نُخبرك بالعذاب الذي كان يَشُكُّ فيه قومك (حينَ كنتَ َتَعِدُهم به)، ثم قالوا له - ليَزيدوا مِن اطمئنانه -: ﴿وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾: أي وجئناك بالحق مِن عند اللهِ تعالى ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فيما أخبرناك به.
﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾: أي فاخرج مِن قريتك أنت وأهلك المؤمنون ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾: أي بعد مرور جُزء من الليل (يعني قبل الفجر بكثير)، لتتمكنوا مِن البُعد عن قريتكم، ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ أي: امشِ أنت وراءهم، حتى لا يَتخلف منهم أحد ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ وراءه، حتى لا يرى العذاب فيُصيبه ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ أي:وأسرِعوا إلى حيثُ أمَركم الله (وقد قيل إنهم أُمِرُوا بالذهاب إلى الشام، وقيل إنه كان معهم دليلٌ يَدُلُّهم إلى أين يَتوجهون، واللهُ أعلم).
♦ ثم قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ﴾: يعني: وأوحى اللهُ إلى لوطٍ ﴿ذَلِكَ الْأَمْرَ﴾ وهو: ﴿أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ﴾ يعني: إنّ قومك مُهلَكونَ جميعاً ﴿مُصْبِحِينَ﴾ أي عند طلوع الصبح، (واعلم أنّ دابر القوم: آخِرَهم، لأنه إذا هَلَكَ آخرُ القوم، فقد هَلَكَ أوَّلهم).
• الآية 67: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ﴾ إلى لوط - حين عَلِموا بمن عنده من الضيوف - وهم ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ أي فَرِحُونَ بضيوفه، ليَفعلوا بهم الفاحشة.
• الآية 68، والآية 69: ﴿قَالَ﴾ لهم لوط: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي﴾ وهُم في حمايتي ﴿فَلَا تَفْضَحُونِ﴾: أي فلا تفضحوني أمام أهل القرية ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي خافوا عقابه ولا تتعرضوا لهم، ﴿وَلَا تُخْزُونِ﴾: أي ولا تهينوني وتذلوني بإيذائكم لضيوفي (لأنهم كانوا يَعتبرون أنّ إهانة الضيّف هي مَذَلَّة وعار في حق مُضِيفه).
• الآية 70: ﴿قَالُوا﴾ أي قال له قومه: ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ يعني ألم نَنْهَكَ عن استضافة أحد من الرجال أو حمايتهم مِنّا، لأنَّنا نريد بهم الفاحشة؟
• الآية 71: ﴿قَالَ﴾ لهم لوط: ﴿هَؤُلَاءِ﴾ - أي بنات القرية جميعاً - ﴿بَنَاتِي﴾ فتزوَّجوهنّ ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ يعني إن كنتم تريدون قضاء شهوتكم، (وسَمَّاهُنّ بناته، لأنّ نَبِيّ الأُمّة بمَنزلة الأب لهم، ويدل على ذلك قراءة عبد الله ابن مسعود - رضي اللهُ عنه - في سورة الأحزاب: (وأزواجه أُمَّهاتهم وهو أبٌ لهم)).
• الآية 72، والآية 73، والآية 74: ﴿لَعَمْرُكَ﴾ (هذا قَسَمٌ مِن اللهِ تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفًا له)، فكأنه تعالى يقول له: وحَياتك يا محمد ﴿إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾: يعني إنّ قوم لوط لَفي ضلالٍ أزالَ عقولهم ورُشدهم، فهم يَترددون كالسُكارَى لا يريدون إلا الفاحشة، (واعلم أنّ الخالق سبحانه يُقسم بمَن يشاء وبما يشاء، أمّا المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله)، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾: أي فصاحَ بهم مَلَكٌ من الملائكة (قيل إنه جبريل عليه السلام)، ﴿مُشْرِقِينَ﴾ أي (وقت شروق الشمس)، ثم أخبَرَ تعالى بما حدث لهم بعد صيحة المَلَك، فقال: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي قلَبْنا قريتهم التي كانوا يَعيشون فيها ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ وهي حجارة صَلبة شديدة الحرارة.
• الآية 75، والآية 76، والآية 77: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ يعني إنّ في قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام (مِن إنجاب إبراهيم للولد رغم كِبَر سِنِّه وعُقم امرأته، ومِن إهلاك قوم لوط وإنجاء المؤمنين) ﴿لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾: أي لَعِظاتٍ للمُتأمِّلين المُعتبِرين، ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ يعني: وإنّ قريتهم لَفي طريقٍ ثابت يراها المسافرون المارُّونَ بها، (وكانت قريش تَمُرّ بها أثناء رحلتها إلى الشام)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي كَوْن قرية لوط واضحةٌ للمسافرين وفيها آثار الهلاك ﴿لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ حتى لا يَتجرأوا على مَعصية رب العالمين.
♦ واعلم أنّ المُتوسِّمين هم الناظرون نظر تفكُّر وتأمُّل لمعرفة الأشياء بسِماتها وعلاماتها، ولَعَلَّ اللهَ سبحانه قد خَتَمَ الآيات بلفظ "المؤمنين" للتنبيه على أنّ المتوسّمين هم المؤمنون، واللهُ أعلم.
• الآية 78، والآية 79: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ أي: ولقد كان أصحابُ المدينةِ المُلتفَّةِ الشجر - وهم قوم شعيب - ﴿لَظَالِمِينَ﴾ لأنفسهم بالكفر والغش في الميزان ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾، ﴿وَإِنَّهُمَا﴾: يعني: وإنّ مَساكن قوم لوط وقوم شعيب:﴿لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ أي في طريقٍ واضح يَمُرُّ بهما الناس في سَفَرهم فيَعتبروا بهم.
• من الآية 80 إلى الآية 84: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: ولقد كذَّبَ سكان "وادي الحِجْر" - وهم ثمود - الذين كذبوا صالحًا عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذِّبينَ لجميع المُرسَلين (لأنّ مَن كَذَّبَ نبيًا من الأنبياءَ، فقد كذَّبَهم كلهم، إذ دَعْوتهم واحدة، وهي التوحيد)، ﴿وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا﴾ أي: وأعطينا ثمود آياتنا الدالة على صحة ما جاءهم به صالح عليه السلام (ومِن ضِمنها الناقة)، (وقد يكون المقصود بالآيات هنا: أنها الآيات المُرتبطة بالناقة، لأنها خرجتْ من صخرة، ولأنها كانت تقف أمام كل بيت ليَحلب أهله منها ما شاءوا وغير ذلك، ويُحتمَل أن يكون هناك آيات أخرى أعطاها اللهُ لصالح غير الناقة، واللهُ أعلم)، ﴿فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ لا يَتفكرون فيها، ولا يَعتبرون بها، ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ يَسكنون فيها ﴿آَمِنِينَ﴾ مِن أن تَسقط عليهم أو تُخَرَّب، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾: أي وقت الصباح مُبَكِّرين ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾: أي فلم تنفعهم أموالهم وحصونهم في الجبال، ولم تدفع عنهم مِن عذابَ اللهِ شيئاً حينَ نَزَلَ بهم.
• الآية 85، والآية 86: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي لم يَخلقهما سبحانه عَبَثًا، بل خَلَقهما للاستدلال بهما على كمال قدرته، وعلى أنه وحده الخالق الرازق الذي لا تجب العبادة إلا له، وليُعلِمَ عباده أنّ الذي خلق السماوات والأرض قادرٌ على أن يُحيى الموتى، وأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض، ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ﴾ التي تقوم فيها القيامة ﴿لَآَتِيَةٌ﴾ لا مَحالة، لِتُوَفَّى كل نفسٍ بما عملتْ، ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾: أي فتجاوَز - أيها الرسول - عَمَّا يقوله المُشركون في حقك، واعفُ عنهم عفواً ليسَ بعده انتقام (عفواً لا يَترك بعده أثراً في القلب من الحقد والغيظ على مَن أساء إليك)، فـ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ الذي أمَرَكَ بهذا الصفح ﴿هُوَ الْخَلَّاقُ﴾ لكل شيء، ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأعمال خَلْقه، وسيُعيدُهم كما بدأهم، ليُحاسب المُكلَّفين منهم ويَجزيهم بما عملوا، ويَجزيك على عفوك بما تَقِرّ به عَيْنك، ويَسعَد به قلبك، فاصبر واحتسب الأجر عند ربك.
• من الآية 87 إلى الآية 91: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ﴾ أي: ولقد أعطيناك - أيها النبي - ﴿سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾ وهي الفاتحة (إذ هي سَبع آيات تُكَرَّر في كل ركعة)، ﴿وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾: أي: وأعطيناك القرآنَ العظيم (وإنما ذَكَرَ الفاتحة أولاً - مع أنها من القرآن العظيم - لإظهار فضلها وشرفها، إذ هي أعظم سورة في كتاب الله، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم) (انظر صحيح سنن أبي داوود ج: 2/71).
♦ فالقرآن - الذي أعطاهُ اللهُ لك أيها النبي - هو خيرٌ لك مِمَّا هُم فيه من المال والجاه، ولذلك فـ ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾: أي لا تنظر بعينيك مُتطلِّعاً ﴿إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾: يعني إلى ما مَتَّعْنا به أصنافًا من كفار قريش مِن مُتَع الدنيا، فلا يَخدعْكَ ذلك، فإنَّ هذا كلُّه متاعٌ قليل، وسوف يَزولُ عنهم عن قريب، ثم يُعَذَّبونَ في جهنم وبئس المصير، ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾: أي لا تحزن على كُفرهم وتكذيبهم لك، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي تواضَعْ للمؤمنين واعطِف عليهم ولو كانوا فقراء، فإنّ الخير فيهم وليس في أولئك الكَفرة الأغنياء، ﴿وَقُلْ﴾ لقومك ﴿إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾: يعني إني أنا المُنذِر المُوَضِّح لِمَا فيه هداية الناس أجمعين، ومُنذِرُكم - أيها المُعانِدون - أن يُنزِلَ اللهُ بكم العذابَ الأليم ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا﴾ أي كما أنزلَ سبحانه العذابَ ﴿عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ وهم طائفةٌ من اليهود والنصارَى، قسَّموا التوراة والإنجيل، فآمَنوا ببعضها وكَفروا ببعضها، وأظهروا بعضها للناس، وأخفوا عنهم بعضها، فعاقبهم اللهُ تعالى، وهُم ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ﴾ أي جعلوا القرآن أجزاءً، فآمَنوا ببعضه، وكفروا بما لا يُناسب أهوائهم منه، (وكذلك المشركين الذين قسَّموا القرآن، فقالوا إنه شِعر وسِحر وغير ذلك، وصَرَّفوه بحسب أهوائهم، ليَصُدُّوا الناسَ عن الهُدى).
• الآية 92، والآية 93: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ ﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي سيَسألهم ربهم يوم القيامة عن تقسيمهم للقرآن بافتراءاتهم، وعن عبادتهم للأصنام، وغير ذلك من المعاصي والآثام..
• الآية 94: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي: فاجهَر أيها النبي بدعوة الحق - التي أمَرك اللهُ بها - وأعلِنها للناس، ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ فلا تَهتم بعِنادهم، وامضِ في طريق دَعْوتك، فقد برَّأكَ اللهُ مِمَّا يقولون.
♦ واعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قضى فترةً من الزمن مُستخفياً بدعوته هو وأصحابه في دار "الأَرْقَم ابن أبي الأَرْقَم" حتى نَزَلَ قول اللهِ تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾، فخرج صلى الله عليه وسلم وأعْلَنَ الإسلامَ ودعا إليه.
• الآية 95، والآية 96: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ﴾ أي حفظناك مِن شر ﴿الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ أي الساخرينَ من زعماء قريش، وهم ﴿الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ﴾ في عبادتهم (كالأصنام وغيرها)، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ عاقبة عملهم في الدنيا والآخرة.
• الآية 97، والآية 98، والآية 99: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ مِن الاستهزاء والسُخرية، ومِن المُبالغة في الكفر والعناد، ثم أرشده تعالى إلى ما يُخَفف عنه ذلك الألم النفسي، فقال له: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾: أي فالجأ إلى ربك عند ضِيق صدرك، وسَبِّح بحمده (أي أكثِر مِن قول: سبحان الله وبحمده، (وهي تعادل في المعنى: (سبحان الله والحمد لله)، فأمّا كلمة (سبحان الله): فمَعناها أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به، وأمَّا معنى (الحمد لله): أنك تشكرُ اللهَ تعالى على نِعَمه، وتُثنِي على جلاله وكماله)، ﴿وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ أي المُصَلِّين المُتذللين للهِ تعالى، فإنّ الصلاة الخاشعة تكفيك ما أهَمَّك وتوسع صدرك، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ أي استمِرَّ في عبادة ربك حتى يأتيك اليقين (وهو الموت)، فإنّ القبر أول منازل الآخرة، وبمَوت الإنسان ودخوله في الدار الآخرة: يُصبح إيمانه يَقيناً خالصاً، (وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْرَ ربه، فاستمَرّ في عبادته تعالى حتى توفاه الله).
♦ واعلم أنّ العبادة لها تعريفات كثيرة، ولكننا نَذكر منها أنها هي (أداء الطاعة بِذُلّ وحُبّ للهِ تعالى)، واعلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - كما في صحيح البخاري -: (مَن قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة: غُفِرَتْ ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر) (وزَبَد البحر هي الرَغوةً الطافية فوق سطح البحر).
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
♦ واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.