عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-10-2021, 10:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معاناتي ومشاكلي مع زوجتي الثانية

ثانيًا: عدم تشجيعها لتصرُّفاتك الإيجابيَّة:
لا نستطيع أنْ نقطفَ عناقيدَ المَدْح من ألسنة النَّاس ولا من أقرب النَّاس، إن لم يُسقِطوها في مسامعِنا من تِلقاء ألسنتهم؛ ولا معنى لأيِّ مَدِيح إنْ لم ينبع من قَلْب المادح، والمهم هنا أنْ تقفَ على الأسبابِ التي تدفَعُ بزوجتكَ لقول هذا الكلام لكَ!
لِمَ تقول امرأةٌ لزوجِها بأنَّه مُنافق؟! لا شكَّ أنَّ هُناك شِجارًا وتلاحيًا قد سبقَ ذلك القوْل منها، وهذا يعيدُني إلى النُّقطة نفسها: نُضوب المَوَدَّة! فوَراء كُلِّ مُشكلة بينكما جَفافٌ شديدٌ في المَشاعر، وهذا الجفاف له أسبابُه العَديدة، منها هذه الخِلافات والمُشاحنات المُستمرَّة بينكما.
التَّعوُّد والنَّمطيَّة في الحياة الزَّوجيَّة من السُّموم والعِلَل التي تفتكُ بجسَد العَلاقة الزَّوجيَّة، فاعمَلا على تجديد الحُب بينكما قدر المُستطاع، ولا تنتظرَا أنْ تتَّقدَ المودَّة بينكما من تِلقاء نفسها، بل اعمَلا على الدَّوام على إبقائها مُتَّقدةً، فالزَّواج حياةٌ جميلة تستحقُّ منكما التَّضحية من أجلها.
بصفةٍ عامَّة ينبغي أنْ نمتلئ بالثِّقة بالنَّفس، ولا ننتظر مَدِيحًا أو ثَناءً من أحدٍ، لأنَّ أكثرَ النَّاس يَذمُّون ولا يمدَحون، فلا تحفل بالتَّثبيط، وكُنْ دائمًا كما يقول شاعر الأطلال: "وَاثِق الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكًا".

ثالثًا: كلامها صواب لا يقبل الخَطأ:
ثمَّة عوائق تحولُ بين زوجتكَ وبين تقبُّل أفكاركَ وآرائكَ؛ منها: مَشاعِر الاستياء الَّتي تشعرُ بها مثلما تشعر أنتَ بها، ولا بُدَّ من تنقية الجوِّ العاطفي من هذه المَشاعرِ الأليمة عبْر التَّنفيس الانفِعالي، وصدِّقني متى شعرَتْ زوجتُكَ بأنَّكَ قد أصغيتَ إليها بكلِّ ودِّ واهتمام، فستكون على أتَمِّ الاستعداد للإصغاءِ إليكَ، وتفهُّم مطالبكَ، وتقبُّل آرائكَ وإنْ لم تقتنعْ بها، فأصغِ إلى زوجتكَ، دعْها تتكلَّم وتُحرِّر أفكارَها، وتُنفِّس عن مَشاعِرها دُون أنْ تناقشها في عواطفها المُتألِّمة، بخاصَّة إذا تلمَّستَ في كلامها "لُغة الشَّكوى"، دعْها تشتكي - أيُّها الفاضل - فإذا لم تصغِ أنتَ إليها، فمَن إذًا؟!
أيضًا من أسباب تصلُّب الآراء: المرحلة العُمريَّة التي تعيشها؛ ففي سنِّ الأربعين يصعُب كثيرًا تغيير الأفكار والآراء، فلتضعْ ذلك في الاعتِبار، مُضافًا إليه سِمات شخصيَّتها، وما تصطبغ به من عِناد وتصلُّب، فلا بُدَّ إذًا من انتهاجِ الحِكْمة في الحِوار، مع البُعد عن لُغة الانفعال والتَّحدِّي، ومُراعاة عامل الوَقْت والمَكان.

رابعًا: قليلة التزيُّن والتَّجمُّل والتَّبعُّل:
صدِّر لزوجتكَ الاهتمام بالتَّزيُّن والتَّجمُّل وتجمَّلْ أنتَ لها، احرصْ على نظافتكَ الشَّخصيَّة، ورائحتكَ، والعناية بلحيتكَ، والبسْ بأناقة، وتعطَّر، ولا يكُن اهتمامكَ بنفسكَ فقط عند ذهابكَ لمقرِّ عملكَ، أو لحضور حفل زفاف، أو زيارة عائليَّة!
أيضًا شراء العُطور والثِّياب وأدوات الزِّينة كهدايا ممَّا يُعالج هذه المُشكلة، لكن ثمَّة مُلاحظة على هذه النُّقطة أودُّ ذكرها هُنا، وهي المُتعلِّقة باختلاف الأذواق، أحيانًا لا تنجح فكرة شراء العُطور والثِّياب لحلِّ المُشكلة بسبب اختلاف الذَّوْق بين الزَّوجيْن، فقد يحبُّ الزَّوج مثلاً أن ترتدي زوجته القميص الأصفر، وهي لا ترى هذا اللَّون مُناسبًا لها فلا ترتديه، وقد ترتديه لمرَّة واحدة فقط مجاملةً لزوجها ثم يبقى الثَّوب الأصفر في الخِزانة بقيَّة العُمر! أو قد يشتري لها قميصًا طويلاً وهي تحبُّ القصير! أو عطرًا شرقيًّا وهي تحب العطور الفرنسيَّة وهكذا، فتبقى مثل هذه الهدايا النَّفيسة مجرَّد هدايا، ولا يُستفاد منها في حلِّ المُشكلات؛ لذا وقبل أن تشتري الهديَّة لزوجتكَ اعرفْ ذَوْقها الخاص - ولا شَكَّ أنَّكَ تعرفُه الآن بِحُكم العِشْرة - ثم حاوِل الجَمْع بينه وبين ذوقكَ؛ كي يتحقَّق الهدفُ المنشود من وَراء هذه الهديَّة.
لا تَنْسَ أيضًا إخبارَ زوجتكَ بتَفضِيلاتكَ الجماليَّة بشكلٍ واضح: "الشَّعر الطَّويل أو القصير، الثَّوب الأحمر أو الأسود، رائحة الورد أو الصَّندل"، ونحو ذلك، وامتَدِحها إذا رأيتَ فيها شيئًا يُعجِبكَ، ولا تكتفِ بالابتِسام أو بمفرداتٍ عامَّة: "إِنَّكِ لجميلة، حُلوة، قمَر!..."، ولكن أخبرها "بالتَّفاصيل" الجميلة التي أعجبتكَ بها؛ كي تلتفتَ إليها وتُركِّز عليها بالاهتمام؛ كسواد الكُحل في عينيها، أو رائحة العطر في شَعْرها، أو قميصها الحريري، ونحو ذلك! امتَدِحْها ولو كَذِبًا! فهنا موضعُ الكذب الحلال، ويا عجبًا للرِّجال؛ كيف يتحرَّون الصِّدق في مثل هذه المواضع!
ثمَّة مُشكلة قد تحولُ دُون التَّقدُّم في الإصلاح، وهي التَّعوُّد، فإنَّ إحدى عشرة سنةً من الزَّمن كفيلةٌ بترسيخ العادات السَّيِّئة التي لم يتمَّ تصحيحها منذُ البداية، فقد تعوَّدتْ زوجتُكَ على ألا تتزيَّن وتتجمَّل، ويبدو أنَّكَ لم تُنبِّهها على ذلك؛ أملاً في أن تتنبَّه من تِلقاء نفسِها! وهذا لا يحدُث غالبًا، فيثبِّت الصَّمْتُ والأملُ الكَذُوب هذا الخطأَ الفادِح على مَرِّ السِّنين؛ لذا فلا بُدَّ من الصَّبر لإحْداث التَّغيير.

خامسًا: إدمانها على المُسلسلات والأفلام:
كانت زوجتُك امرأةً عامِلة (طبيبة) وجدولها مُمتلئ بالأشغال، أمَّا الآن فهي ربَّة بيتٍ تقضي جلَّ وقتها بشكلٍ نمطيٍّ، ومُمِلٍّ، وكان من المفترض أنْ تكون لديها بدائل عن مِهنة الطِّب تقومُ بعملها بعد زَواجِها، وأنْ ترسمَ لنفسها أهدافًا لما بعدَ الزَّواج، فالزَّواج لا يُعطِّل الحياة، ولكن زوجتكَ مَن عطَّلتْ نفسَها بنفسِها، وتصرَّفت كأيِّ امرأةٍ عاميَّة لم تحظَ بفُرصةٍ للتَّعليم، فأصبح التِّلفاز شغلَها الشَّاغل! وحَلُّ هذه المُشكلة ليس في كسر جِهاز الاستِقبال، بل في تشجيعِها على الإنتاج من داخِل المَنْزل، بخاصَّة في الأمور المُتعلِّقة بالنَّاحية الطِّبيَّة، لا أعني أنْ تعودَ إلى مُزاوَلة العمل في المُستشفى، ولكن شَجِّعْها على البحثِ العلميِّ من خِلال الإنترنت، وحُضور النَّدوات الطِّبيَّة في المنطقة التي تعيشون فيها، وعادةً ما تقومُ الجامعاتُ ومَراكزُ البحث العلمي بعقْد النَّدوات والمُؤتمرات العِلميَّة، وإقامة البرامج الصِّحيَّة التَّثقيفيَّة، وتنظيم فعاليَّات لأيَّامٍ مُحدَّدة في السَّنة؛ كاليوم العالميِّ للسُّكَّري، واليوم العالميُّ للطِّفل، واليوم العالميُّ للكُلَى... إلخ، بشَكلٍ دوريٍّ، فاحرِصْ أنتَ وزوجتكَ على حُضورها ولا تكن أنانيًّا! لا تسعَ لتطوير نفسكَ ومهاراتكَ، وتحبس زوجتكَ عن الدُّنيا، فأنتَ أوُّل المُتضرِّرين، وما قلتُه هنا مجرَّد اقتراح صَغِير أمام قائمةٍ طويلة يمكنكَ أنْ تُفكِّر فيها لعِلاج زوجتكَ من إدمان الأفلام والمُسلسلات.
سؤال أُوجِّهه إليكَ: ما الذي في الأفلام يجذبُ زوجتكَ إليه أكثر ممَّا يجذبها إليكَ؟! نحتاجُ كثيرًا لمُراجعة أنفسنا قبلَ أنْ نلومَ الآخرين على تصرُّفاتهم، أليس كذلك؟!

سادسًا: لا تعيشُ بدون خادمةٍ:
إنْ كان وجودُ الخادِمة ممَّا يُسهِمُ في حَلِّ المُشكلة، فلا بأسَ بوُجودها، أمَّا إفساد الرَّحلات والسَّفر بسبب الخادِمة، فهذا الذي تُلامُ عليه زوجتكَ، وقد عَقَّبت على الموقفِ الذي حدَث معك في السفر، ومع ذلك أنصحكَ هنا بالتَّغافل قليلاً، فثمَّة أمورٌ في علاقتكما أكبر من موضوع الخادمة، وينبغي تصحيحُها أولاً، ثم يمكن عبر الحوار الهادئ الاتِّفاقُ فيما بينكما على مسألة الخدم.

سابعًا: هجرها لوالدكَ وتنقُّصكَ وأهلكَ:
اسمحْ لي عندَ هذه النُّقطة بالذَّات أنْ أقول: إنَّ شَخصيَّتكَ بحاجةٍ إلى تطويرٍ! أنتَ شخصٌ لطيف جدًّا وتتجنَّب المُشكلات، حتى أصبحتْ تستهدفكَ بسهامها! وهذا اللُّطف قد قادَكَ إلى مُنحدرٍ صَعْبٍ في التَّعامل مع الآخَرين، وإلى خَسارة بيتيْن، وآنَ الأوان لتُقوِّم نفسَكَ بنَفسِكَ، وتُصحِّح أخطاءَك، وتُطوِّر ذاتك، من خِلال الدَّورات والقِراءات، والتَّعلُّم الذَّاتي، أنصحكَ هنا بقراءة كتاب "لا تكُن لطيفًا أكثر من اللازم"؛ من تأليف: ديوك روبنسون، فإنِّي آمل أنْ يعجبكَ ويفيدكَ.
واعلَمْ - هُديت - أنَّ النساءَ غير زوجتك كثيرٌ، بعدد ما في الأرض من إناثٍ، وأمَّا والداكَ فمِمَّن لا يُعْتاضُ عنه!
والداكَ - أيُّها الأخ الكريم - خطَّان أحمران لا يُسمَحُ لأحدٍ كائنًا مَن كان بتجاوُزهما، وكان حَرِيًّا بكَ أنْ تحدِّد هذه الخطوط والحدود منذ البداية.
ما ينبغي أنْ تعيه زوجتكَ الآن أنَّها غير مُطالَبةٍ بِحُبِّ والديْك، ولكن من واجبها الصِّلة والإكرامُ والاحترامُ لهما، بقطْع النَّظر عن مشاعرها تجاههما، وافعَلْ أنتَ الشَّيءَ نفسه مع والدَيْها، اسأَلْ عنهما، وحُثَّها على التَّواصل بهما إنْ كانَا على قيد الحياة.
ومرَّةً أُخرى أقولُ لكَ: صَدِّرْ لزوجتكَ الأخلاقَ الحميدة، وحَدِّدْ مواقفكَ في تعامُلها معكَ ومع والدَيْكَ، وقوِّ شخصيَّتكَ، وتذكَّر أنَّ احترامَ الآخرين لنا منبعُه احترامنا لذَواتِنا، وعدَم السَّماح لهم بتجاوُز الحُدود المرسومة بيننا وبينهم، ثم إذا استنفدتَ كافَّة الحُلول دُون فائدة، يكونُ أمامكَ خيارَا الطَّلاق والزَّواج الثَّالث، ولكلٍّ منهما تفصيلٌ:
أوَّلاً: الطَّلاق:
مُشكلتنا الحقيقيَّة أنَّنا نُسيءُ فهْم الطَّلاق، ونتلاعبُ به، ولا نُحسِنُ استخدامه لحلِّ المُشكِلات الزَّوجيَّة، وهذا ما يدفعني للوقوف قليلاً لشَرْح هذه الكلمة التي جُرِّدت من معانيها الدَّالَّة عليها!
يُعرِّفُ بات كونرواي الطَّلاق بقوله: "الطَّلاق هو مَوْت حَضَارةٍ صغيرة، يُعلِنُ أحدُ الزَّوجين حَرْبًا على الآخَر"! وهذا التَّعريف يُلامس الواقع إلى حَدٍّ كبيرٍ متى ما كان الطَّلاق بائنًا بينونةً كُبرى، وأمَّا الطَّلاق بمفهومه الشَّرعي، فليس إلا فُرصة جديدة لإعادة إعمار هذه الحَضارة الصَّغيرة!
حين يقول ربُّ العزَّة والجَلال: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾[البقرة: 229]، فالمعنى: أنَّ فُرصتين أمامَ الأزواج للتَّفكير في مَصِير حَياتهم الزَّوجيَّة، فالطَّلاق بهذا المعنى مُجرَّد انفِصالٍ جنسيٍّ، لا أقولُ: انفصال جسدي؛ لأنَّ الزَّوجة تبقَى في البيْت بعد طَلاقها؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
فهي لا تنفصل عن زوجها بجسدِها بالكامِل، وهذا ما يُؤكِّد على أنَّ مفهومَ الطَّلاق الشَّرعيِّ ليس الفِراق الأبدي، بل فُرصةٌ طويلة لمراجعة الذَّات.
وفي "لسان العرب": "الطالِقُ من الإِبل: التي طُلِقت في المرَعى، وقيل: هي التي لا قَيْد عليها"، فالطَّلاق هو حلٌّ من قيدٍ موجع؛ كي تُفكِّر المرأة بشكلٍ أفضل، فلا تبتَئِسُ من كلمة الطَّلاق إذا سمعَتْها من زوجها!
وصحيحٌ أنَّ الطَّلاق مُؤلِمٌ نفسيًّا للمرأة، إلا أنَّه بهذا الفِهْم أشدُّ إيلامًا للرَّجل من النَّاحية الجسديَّة؛ لأنَّه يُرغِمه على العَيْش مع امرأة في بيتٍ واحدٍ من دون أنْ يمسَّها أو يلمسها لمدَّةٍ قد تصلُ إلى ثلاثة أشهُر! وهذه واحدةٌ من الحِكَمِ الرَّائعة لقَضاء المرأة عِدَّتها في بيت زوجها؛ كونه أدعى لعودة المياه إلى مَجارِيها، فدِينُنا حريصٌ على إبقاء العَلاقة الزَّوجيَّة لا على حلِّها كما يتوهَّم مَن يستعملُ هذه الكَلِمة في هدم البيُوت!
لو أنَّ النَّاس فهموا الطَّلاق على حقيقته، ولو أنَّ كلَّ زوجةٍ لزمَتْ بيتها إذا طُلِّقتْ، ما كنَّا نُعاني من ارتفاع مُعدَّلات الطَّلاق بين الأزواج بهذا الشَّكل المُخيف، وإذا فهمتَ - أيُّها الأخ الكريم - معنى الطَّلاق بهذا المعنى الذي شرحتُه لكَ آنفًا، أمكنني ساعتئذٍ أنْ أقول لكَ: جرِّب الطَّلاق كآخِر الحُلول، شريطة أنْ تَعِيَ زوجتكَ الكريمة أيضًا هذا المعنى؛ ليتحقَّق الهدَف المنشودُ من الطَّلاق كما شرَعَه الله - عزَّ وجلَّ - ثم يكون الأمرُ بعد ذلك كما يقول - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].

ثانيًا: الزَّواج الثَّاني:
قبلَ الإقْدام على زَواجٍ ثانٍ أو ثالثٍ أو رابع، لا بُدَّ من حَلِّ بعض النِّقاط الفاصلة؛ لضَمان نجاح هذا الزَّواج:
التَّعلُّم من الأخطاء السَّابقة: لقد تزوَّجتَ الثَّانية إِثْرَ خِلافاتٍ بينكَ وبين الأُولى، ولم تترُكْ لعقلكَ فُرصة التَّفكير في العَواقب، بل ألقيتَ أَزِمَّة أمركَ إلى قلبكَ وهواكَ؛ ولهذا قلتُ لكَ منذ البداية: لا تتَّخذ أيَّ قرارٍ اليوم؛ كي لا يتكرَّر الأمرُ مرَّة ثانيةً، فأنتَ تعيشُ اليوم خِلافات زوجيَّة مع الزَّوجة الثَّانية مثلما كنتَ تعيشها من قبلُ مع الأولى! فهل تريد أنْ تتزوَّج إِثْر كلِّ خِلاف؟! تخيَّرِ الزَّوجة الصَّالحة التي تُشاكلكَ قبلَ الإقبال على الزَّواج، وحَتْمًا ستقرُّ عينكَ بواحدة.
من الأسباب الأخرى التي تدفَعُني بنُصحكَ بعدَم التَّعدُّد هذا التَّفسيرُ اللَّطيف لمعنى ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]، فعند ابن كثيرٍ: "قال بعضهم: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم، قاله زيدُ بن أسلم وسفيان بن عيينة والشَّافعيُّ - رحمهم الله - وهو مأخوذٌ من قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [التوبة: 28]؛ أي: فقرًا، ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ﴾[التوبة: 28]...".
وقد أصبَحَ لديكَ عيالٌ من الزَّوجتيْن، وسيكونُ لكَ - بمشيئة الله - عيالٌ من ثالثة، فما مصيرهم؟!
الأبناء: قبل أنْ تُقرِّر الارتباطَ بامرأةٍ فكِّر في الرِّباط الذي يجمَعُ بين أبنائكَ من زوجتيكَ، فهؤلاء الصِّغار اليوم ذوو قُلوبٍ بيضاء، لا غِلَّ فيها ولا حَسَد، لكنَّهم إذا كبروا ستفسد قلوبهم، وسيعسر عليكَ الجمعُ بينهم، وعندما يكبرون ويُدرِكون حقيقةَ أحوالهم، سيلومونكَ وحدَك على هذه الفُرقة؛ وستتَسبَّب في تشويه صُورة التَّعدُّد في أذهانهم، وكنتُ قد قلتُ لكَ بضَرورة الفصْل بين حياة الزَّوجتيْن، إلا أنَّ حياةَ الأبناء ممَّا ينبغي جمْع شمله، والسَّماح لهم بزيارة بعضهم بعضًا خِلال زياراتكَ لأمَّهاتهم، وفصل مُشكلات أمَّهاتهم عن علاقاتهم ببعضهم البعض؛ لأنَّه لا ذنبَ لهم في كلِّ ما يجري.
وإذا تزوَّجتَ امرأةً ثالثة، فأخبِرْها بذلك، ولا تُقبل على الزَّواج بمنتهى الأنانيَّة، بل فَكِّرْ في مصير هؤلاء الأولاد معكَ، ومَن لا تَقبَل بأولادكَ واجتماع شَمْلِهم، فأنتَ عنها في غِنى!
القِيَم المُشترَكة: من المهم أنْ تبحثَ عن امرأةٍ تُشارككَ أفكاركَ، وتطلُّعاتكَ، واهتماماتكَ، امرأة تُشاكلكَ في تديُّنكَ وقِيَمكَ ومَبادئكَ، امرأة تُقاسمكَ الآمال والآلام والأحلام، وحَذارِ أنْ ترتبطَ بامرأةٍ على غير منهجكَ وفي نيِّتكَ إصلاحها وهِدايتها؛ لأنَّكَ مهما فعلتَ فلن تهديها؛ ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272]، ولن تُغيِّرها إلا أنْ يشاء الله؛ ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29].
العَلاقة الحميمة: إذا تزوَّجتَ وعاشَ معكَ أبناؤكَ أو أبناء الزَّوجة الثَّالثة - إذا سبَق لها الزَّواج - فمن المهمِّ رسمُ حُدود العلاقة الحميمة منذُ البداية، والاتِّفاق على أوقاتٍ مُحدَّدة لنوم الأطفال، وتخصيص غُرَفٍ خاصَّة للَّعِبِ والنَّوم؛ للإبْقاء على العلاقة الحميمة مُتَّقدةً دُون مُشكلاتٍ أو مُنغِّصات.
ولولا أنَّ هذا الشَّرح لم يكن من ذِكره بُدٌّ، لاقتضبتُ الكلام واختصرتُ الجواب، ولكن يمنَعُني ضميري عن كَتْم عِلْمٍ قد يفيد في إصلاح بيتٍ أو حلِّ مشكلةٍ، فعسى الله أنْ ينفَعَكَ به، ويصلح لكَ زوجَكَ، ويُباركَ لكَ في مالكَ وعِيالكَ، ويقرَّ عينيكَ بِمَنْ تحبُّكَ وتُرضيكَ، آمين.

والله - سبحانه وتعالى - أعلمُ بالصَّواب، والحَمْدُ لله وسَلامٌ على عِباده الذين اصْطَفَى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]