عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-10-2021, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الأسماء الحسنى

فقه الأسماء الحسنى(5)

أسماءُ الله -تعالى- كلُّها حُسنى


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر









امتدح الله في القرآن الكريم أسماءه العظيمة بوصفها كلها أنها حسنى، وتكرر وصفها بذلك في القرآن في أربعة مواضع: قال الله -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180)، وقال -تعالى-: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الإسراء: 110)، وقال -تعالى-: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (طه: 8)، وقال -تعالى-: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر: 24).



في هذه الآيات وصفٌ لأسمائه -سبحانه- جميعها بأنها حسنى، أي: بالغة في الحسن كماله ومنتهاه، وهي جمع (الأحسن) لا جمع (الحسن)؛ فهي (أفعل) تفضيل معرفة باللام، أي: لا أحسن منها بوجه من الوجوه، بل لها الحسن الكامل التام المطلق؛ لكونها أحسن الأسماء، وهو المثل الأعلى في قوله -سبحانه-: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الروم: 27)، أي: الكمال الأعظم في ذاته وأسمائه وصفاته؛ ولذا كانت أحسنَ الأسماء، بل ليس في الأسماء أحسن منها، ولا يَسدُّ غيرُها مسدَّها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها.

صفاتِ كمال

وأسماء الله إنما كانت حسنى لكونها قد دلّت على صفاتِ كمالٍ عظيمةٍ لله؛ فما كان من الأسماء علمًا محضًا لا يدل على صفة لم يكن من أسماء الله، وما كان منها ليس دالاً على صفات كمال، بل إما دالاً على صفات نقص أو صفات منقسمة إلى المدح والقدح لم يكن من أسماء الله؛ فأسماء الله جميعها توقيفية دالَّةٌ على صفات كمال ونعوت جلال للرَّبِّ -تبارك وتعالى-؛ فهي حسنى باعتبار معانيها وحقائقها لا بمجرد ألفاظها؛ إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح وكمال، ولَسَاغ وقوعُ الأسماء الدالة على البطش والانتقام والغضب في مقام الأسماء الدالة على الرحمة والإحسان، وبالعكس؛ فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك شديد العقاب، أو اللهم أعَطِنِي فإنَّك أنت القابض المانع، ونحو ذلك من الكلام المتنافر غيرِ المستقيم.

كلَّ اسم دالٌّ على معنى

ولهذا؛ فإنَّ كلَّ اسم من أسماء الله دالٌّ على معنى من صفات الكمال ليس هو المعنى الذي دلَّ عليه الاسم الآخر؛ فالرحمن - مثلاً- يدلُّ على صفة الرحمة، والعزيز يدلُّ على صفة العزَّة، والخالق يدلُّ على صفة الخلق، والكريم يدلُّ على صفة الكرم، والمحسن يدلُّ على صفة الإحسان، وهكذا، وإن كانت جميعُها متفقةً في الدلالة على الربِّ -تبارك وتعالى-؛ ولذا فهي من حيث دلالتها على الذات مترادفة؛ ومن حيث دلالتها على الصفات متباينة، لدلالة كل اسم منها على معنى خاص مستفاد منه.

كلُّها أسماء مدح

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «أسماء الرب -تبارك وتعالى- كلُّها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظاً مجردة لا معاني لها لم تدل على المدح، وقد وصفها الله -سبحانه- بأنها حسنى كلها؛ فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180)؛ فهي لم تكن حسنى لمجرَّد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال؛ ولهذا لما سمع بعض العرب قارئاً يقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (المائدة: 38)، {والله غفور رحيم}، قال: ليس هذا بكلام الله -تعالى-؛ فقال القارئ: أتكذِّب بكلام الله -تعالى-؟! فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله؛ فعاد إلى حفظه وقرأ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}؛ فقال الأعرابي: صدقت، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع؛ ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه».

دعاء الله بأسمائه

وعلى هذا؛ فإن دعاء الله بأسمائه المأمور به في قوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} لا يتأتى إلا مع العلم بمعانيها؛ فإنه إن لم يكن عالماً بمعانيها ربما جعل في دعائه الاسم في غير موطنه، كأن يختم طلب الرحمة باسم العذاب أو العكس؛ فيظهر التنافر في الكلام وعدم الاتساق، ومن يتدبَّر الأدعية الواردة في القرآن الكريم، أو في سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يجد أنه ما من دعاء منها يختم بشيء من أسماء الله الحسنى، إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباط وتناسب مع الدُّعاء المطلوب، كقوله -تعالى-: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127)، وقوله: {رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (المؤمنون: 109)، وقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (الأعراف: 89)، وهكذا الشأن في عامة الدعوات المأثورة.

الوصف العظيم

إن معرفة المسلم بهذا الوصف العظيم لأسماء الله -تعالى- -وهو كونها حسنى- يزيد فيه التعظيمَ لها والإجلالَ والحرص على فهم معانيها الجليلة ومدلولاتها العظيمة، ويبعده عن منزلقات المحرِّفين وتأويلات المبطلين وتخرُّصات الجاهلين.

المعاني المستفادة

ويمكن أن نلخِّص المعاني المستفادة والثمار المجنية من هذا الوصف لأسماء الله في الأمور التالية:
- الأول: أنها أسماءٌ دالَّةٌ على أحسن مسمَّى وأجلِّ موصوف، وهو الله -تبارك وتعالى- ذو الجلال والكمال والجمال.


- الثاني: أنَّ فيها إجلالاً لله وتعظيماً وإكباراً وإظهاراً لعظمته ومجده وكماله وجلاله وكبريائه -سبحانه.


- الثالث: أن كل اسم منها دال على ثبوت صفة كمال لله -عز وجل-، ولذا كانت حسنى، وصفاته -تبارك وتعالى- كلها صفات كمال، ونعوته كلها نعوت جلال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل.

- الرابع: أنها ليس فيها اسم يحتوي على الشر أو يدل على نقص؛ فالشر ليس إليه؛ فلا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته ولا يكون في شيء من أفعاله؛ فلا يضاف إليه فعلاً ولا وصفاً.

- الخامس: أن الله أمر عباده بدعائه بها بقوله: {فَادْعُوهُ بِهَا}، وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة، وهذا من أجل الطاعات وأعظم القرب.

- السادس: أن الله وعد من أحصى تسعةً وتسعين اسماً منها حفظاً وفهماً وعملاً بما تقتضيه بأن يدخله الجنَّة، وهذا من بركات هذه الأسماء، وبالله وحده التوفيق.

جادّة أهل السُّنَّة في باب الأسماء والصِّفات

إن جادَّة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات وفي الدين عموماً، جادةٌ مستقيمة وصراطهم صراط مستقيم؛ لأنه قام على تعظيم نصوص الشريعة ولزوم ما جاء في الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان؛ فيؤمنون بما ورد فيهما من أسماء الرَّبِّ وصفاته، ويُمرُّونه كما جاء، ويثبتونه كما ورد، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يُكيِّفون صفاته، ولا يمثلون شيئاً منها بشيء من صفات خلقه؛ لأنه -سبحانه- لا سميَّ له، ولا كفؤ له، ولا ندَّ، ولا يقاس بخلقه، ويؤمنون بأن رسله الذي أخبروا عنه بتلك الصفات صادقون مصدَّقون؛ فكلامهم وحيٌ من الله، ومهمتهم تبليغ رسالة الله، بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون بما تمليه عليهم عقولهم القاصرة وأفهامهم الضعيفة، وربما أيضاً بواطنُهم السيئة.

ولهذا قال الله -سبحانه-: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الصافات: 180 - 182)؛ فسبَّح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد.

هكذا الشأن في أتباعهم

وهكذا الشأن في أتباعهم المقتفين آثارهم؛ يثبتون ما أثبته رسل الله لربهم من صفات الكمال ونعوت الجلال، كتكليمه لعباده، ومحبته لهم، ورحمته بهم، وعلوه عليهم، واستوائه على عرشه، وغضبه على أعدائه وسخطه عليهم، إلى غير ذلك مما ورد من نعوت الرَّبِّ الكريمة وصفاته الجليلة، فآمنوا بذلك كله، وأَمَرُّوه كما جاء من غير تعرض لكيفية، أو اعتقاد مشابهة أو مثلية، أو تأويل يؤدي إلى تعطيل صفات ربِّ البريَّة، بل وسعتهم السنَّة المحمديَّة والطريقة المرضية، ولم يتجاوزوها إلى ضلالات بدعيةٍ أو أهواء رديَّة؛ فحازوا بسبب ذلك الرتب السَّنيَّة والمنازل العَليَّة في الدنيا والآخرة؛ فسننُهم أبين، وطريقُهم أقوم، وهديهم أرشد، بل هو الحقُّ الذي لا حقَّ سواه والهدى الذي ليس بعده إلا الضلال.

أصلان عظيمان

ومنهجهم في هذا الباب قائمٌ على أصلين عظيمين وأساسيين متينين هما: الإثبات بلا تمثيل، والتنزيه بلا تعطيل؛ فلا يمثِّلون صفات الله بصفات خلقه كما لا يمثِّلون ذاته -سبحانه- بذواتهم، ولا ينفون عنه صفات كماله ونعوت جلاله الثابتة في كتابه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهذا الإيمانُ يعدُّ أصلاً من أصول الإيمان الراسخة وأساساً من أُسُسه العظيمة التي لا إيمان لمن لم يؤمن بها؛ فمن جَحَد شيئًا من أسماء الله وصفاته ونفاها وأنكرها فليس بمؤمن، وكذلك من كيَّفها أو شبّهها بصفات المخلوقين، -سبحانه- الله عما يصفون، وتعالى الله عما يقول الظالمون.


عظيم نعمة الله

ومن عظيم نعمة الله على العبد، أن يوفِّقه لسلوك هذا النهج القويم القائم على لزوم كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن انحرافات أهل الباطل وتخرُّصات أهل الضلال، بل مَضَوْا -بحمد الله- على جادة واحدة، ولم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلُّهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنَّة كلمةً واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها أمراً واحداً، وأجروها على سَنَنٍ واحد، ولسان حال قائلهم يقول: «من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم»، وهذا الاتفاق الذي مضى عليه أهل السنة عبر التاريخ المديد، يُعدُّ من أبين الدلائل على صحَّة منهجهم واستقامة مسلكهم.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]