عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-10-2021, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الأسماء الحسنى

فقه الأسماء الحسنى(3)

اقتضاء أسماء الله لآثارها من الخلق والتكوين


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر




إن من أجلّ المقامات وأنفع الأمور التي توجب للعبد الرفعة وتعينه على حسن المعرفة بالله، وتحقيق محبته ولزوم الثناء عليه، النظر والتأمُّل في اقتضاء الأسماء الحسنى والصفات العليا لآثارها من الخلق والتكوين، وأن العالم كله بما فيه من سموات وأرض وشمس وقمر وليل ونهار، وجبال وبحار، وحركات وسكنات؛ كل ذلك من بعض آثارها ومقتضياتها، «فهي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى وحقائقها، وتنادي عليها وتدل عليها، وتخبر بها بلسان النطق والحال.

فلست ترى شيئًا أدلَّ على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها ونعوت كماله وحقائق أسمائه، وهذا من أجلّ المعارف وأشرفها، وكل اسم من أسماء الله -سبحانه- له صفة خاصة؛ فإن أسماءه أوصافُ مدحٍ وكمال، وكلّ صفة لها مُقتضٍ وفعلٌ، إمَّا لازم وإما متعدٍّ؛ ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه، وهذا في خلقه وأمره وثوابه وعقابه، وكل ذلك آثار الأسماء الحسنى وموجباتُها، ويستحيل تعطيل مفعوله عن أفعاله، وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه، وأسمائه وصفاته عن ذاته.

الإنكارُ على من عطله

ولهذا جاء في القرآن الكريم الإنكارُ على من عطله عن أمره ونهيه وثوابه وعقابه، وأن قائل ذلك نسب الله إلى ما لا يليق به وإلى ما يتنزه عنه، وأن ذلك حكم سيئ ممن حكم به عليه، وأن من نسبه إلى ذلك فما قدره حقَّ قدره، ولا عظَّمه حق تعظيمه كما قال -تعالى- في حق منكري النبوة وإرسال الرسل وإنزال الكتب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 91)، وقال -تعالى- في حق منكري المعاد والثواب والعقاب: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} (الزمر: 67)، وقال في حق من جوَّز عليه التسوية بين المختلفين؛ كالأبرار والفجار والمؤمنين والكفار: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} (الجاثية: 21)؛ فأخبر أن هذا حكم سيِّء لا يليق به، تأباه أسماؤه وصفاته، وقال -سبحانه-: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون: 115 - 116) أي: عن هذا الظن والحسبان الذي تأباه أسماؤه وصفاته، ونظائر هذا في القرآن كثيرة؛ ينفي فيها عن نفسه خلاف موجَبِ أسمائه وصفاته؛ إذ ذلك مستلزم تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها.

أنفع ما يكون للعبد

وعليه فإن من أنفع ما يكون للعبد في هذا الباب مطالعةَ مقتضيات الأسماء الحسنى، والتأمل في موجباتها، وحُسنِ دلالتها على كمال مبدعها وعظمة خالقها، وأنه -سبحانه- أتقنها وأحكمها غاية الإتقان والإحكام {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (الملك: 3)، وكل اسم من أسماء الله الحسنى يقتضي آثاره من الخلق والتكوين.

فاسمه (الحميد المجيد) يمنع ترك الإنسان سدى مهملاً معطلاً لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يثاب ولا يعاقب، وكذلك اسمه (الحكيم) يأبى ذلك، وكذلك اسمه (الملك)، واسمه (الحي) يمنع أن يكون معطلاً من الفعل، بل حقيقة الحياة الفعل؛ فكل حيٍّ فعَّال، وكونه -سبحانه- خالقاً قيوماً من موجبات حياته ومقتضياتها، واسمه (السميع البصير) يوجب مسموعاً ومرئياً، واسمه (الخالق) يقتضي مخلوقاً، وكذلك (الرزاق)، واسمه (الملك) يقتضي مملكة وتصرُّفاً وتدبيراً وإعطاءً ومنعاً، وإحساناً وعدلاً، وثواباً وعقاباً، واسم (البرّ المحسن المعطي المنان) ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها، واسم (الغفار التواب العفو) يقتضي وجود جناية من الأمم تغفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها، وهكذا الشأن في أسمائه الحسنى جميعها.

آثار الأسماء والصفات

ومن تأمل في سريان آثار الأسماء والصفات في الأمر والعالم هداه إلى الإيمان بكمال الرب -سبحانه- في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة، وأنه -سبحانه- له في كل ما قضاه وقدَّره الحكمة البالغة والآياتُ الباهرة والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاءُ محبتهم له وذكرهم له وشكرِهم له وتعبدهم له بأسمائه الحسنى.

كلُّ اسمٍ له تعبد مختص

فكلُّ اسمٍ له تعبد مختص به- علماً ومعرفة وحالاً- ولا يتحقق شيء من هذا إلا بمثل هذا النظر والتدبر النافع في كل اسم وما يقتضيه، وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر؛ فلا تحجبه عبوديةُ اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع، أو التعبُّد بأسماء التودد والبر واللطف والإحسان عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك.

طريقة الكُمَّل

وهذه طريقة الكُمَّل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقَّة من القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180)، والدعاء بها يتناول دعاء المسألة ودعاء الثناء ودعاء التعبد، وهو -سبحانه- يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، وهو -جل وعلا- يحبّ أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه؛ فإن ذلك من لوازم كماله، وفتح -سبحانه- لعباده أبواب معرفته والتبصر بأسمائه وصفاته، فدعا عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين:


- أحدهما: النظر في مفعولاته؛ فإنها أدلُّ شيء على أسمائه وصفاته.

- والثاني: التفكر في آياته وتدبرها.

الأول تفكرٌ في آياته المشهودة، والثاني تدبُّر لآياته المتلوَّة، وكلٌّ منهما بابٌ واسعٌ في معرفة الربِّ المجيد والإله الحميد، فسبحان من تعرَّف إلى خلقه بأنواع
التعرُّفات، ودلهم عليه بأنواع الدلالات، وفتح لهم إليه الطرقات جميعها، ثم نصب إليه الصراط المستقيم، وعرَّفهم به ودلهم عليه {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 42).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]