عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-10-2021, 06:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في معنى قول الله تعالى:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}

بحث في معنى قول الله تعالى:{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}
سليم سيدهوم


الإعراب:
1ـ إعراب (ذلك):
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): وموضع {ذلك} رفع؛ لأنه خبر ابتداء على قول من قال: هذا القرآن، ذلك الكتاب.
2ـ إعراب (الكتاب):
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): و{الكتاب} رفع يسميه النحويون عطف البيان نحو قولك: هذا الرجل أخوك، فـ(الرجل) عطف البيان، أي: يبين من الذي أشرت إليه.
والاسم من ذلك "ذا" والكاف زيدت للمخاطبة ولا حظ لها في الإعراب، قال سيبويه: لو كان لها حظ في الإعراب؛ لقلت: " ذاك نفسه زيد"، وهذا خطأ لا يجوز إلا هذاك نفسه زيد.
ولذلك "ذانك" يشهد أن الكاف لا موضع لها؛ لو كان لها موضع لكان جراً بالإضافة، والنون لا تدخل مع الإضافة.
واللام تزاد مع "ذلك" للتوكيد، أعني: توكيد الاسم؛ لأنها إذا زيدت أسقطت معها "ها" تقول: "ذلك الحق" و"ذاك الحق" و"ها ذاك الحق".
ويقبح "هذلك الحق"؛ لأن اللام قد أكدت معنى الإشارة، وكسرت اللام للالتقاء السّاكنين، أعني الألف من "ذا" واللام التي بعدها، وكان ينبغي أن تكون ساكنة، ولكنها كسرت لما قلناه.
وكذلك يجب أن يكون موضع ذلك رفعاً فيمن جعل ذلك خبراً عن {الم}.
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ورفع الكتاب يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان.

3ـ إعراب (لا ريب) قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى لّلمتّقين}
قال: {لا ريب فيه هدًى لّلمتّقين}، وقال: {فلا إثم عليه} فنصبهما بغير تنوين، وذلك أن كل اسم منكور نفيته بـ"لا" وجعلت "لا" إلى جنب الاسم فهو مفتوح بغير تنوين، لأن "لا" مشبهة بالفعل، كما شبهت "أن" و"ما" بالفعل.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) وموضع {لا ريب} نصب، قال سيبويه: "لا" تعمل فيما بعدها فتنصبه، ونصبها لما بعدها كنصب "إن" لما بعدها إلا أنها تنصبه بغير تنوين
4ـ إعراب (فيه):قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) و{فيه} في موضع خبرها وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و(لا) بمنزلة الفعل. وإنما حذفت التنوين منه؛ لأنك جعلته و"لا" اسما واحدا، وكل شيئين جعلا اسماً لم يصرفا، والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها، وجعل غير متمكن. والاسم الذي بعد "لا" في موضع نصب عملت فيه "لا".
5ـ إعراب (هدى للمتقين): وأما قوله تعالى: {هدىً لّلمتّقين...}: فإنه رفع من وجهين، ونصب من وجهين:-
إذا أردت بـ "الكتاب" أن يكون نعتًا لـ "ذلك" كان الهدى في موضع رفع؛ لأنه خبر لـ "ذلك"؛ كأنك قلت: ذلك هدًى لا شكّ فيه.
وإن جعلت {لا ريب فيه} خبره، رفعت أيضاً {هدىً} تجعله تابعاً لموضع: {لا ريب فيه} كما قال الله عزّ وجلّ: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ} كأنه قال: وهذا كتاب، وهذا مبارك، وهذا من صفته كذا وكذا.
وفيه وجه ثالث من الرفع: إن شئت رفعته على الاستئناف لتمام ما قبله، كما قرأت القرّاء: {الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدًى ورحمةٌ للمحسنين} بالرفع والنصب، وكقوله في حرف عبد الله: (ءألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخٌ) وهي في قراءتنا: {شيخاً}.
فأما النصب في أحد الوجهين: فأن تجعل "الكتاب" خبرًا لـ"ذلك" فتنصب "هدًى" على القطع؛ لأن "هدًى" نكرة اتصلت بمعرفة قد تمّ خبرها فنصبتها؛ لأن النكرة لا تكون دليلاً على معرفة.
وإن شئت نصبت "هدىً" على القطع من الهاء التي في "فيه"؛ كأنك قلت: لا شك فيه هادياً.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: وموضع {هدى} نصب، ومعناه: بيان، ونصبه من وجهين:
أحدهما: أن يكون منصوباً على الحال من قولك: القرآن، ذلك الكتاب هدى، ويجوز أن يكون انتصب بقولك: {لا ريب فيه} في حال هدايته، فيكون حالًا من قولك: لا شك فيه هادياً.
ويجوز أن يكون موضعه رفعاً من جهات:
إحداها أن يكون خبراً بعد خبر، كأنه قال: هذا ذلك الكتاب هدى، أي: قد جمع أنه الكتاب الذي وعدوا به وأنه هدى، كما تقول: هذا حلو حامض، تريد: أنه قد جمع الطعمين،
ويجوز أن يكلون رفعه على إضمار "هو"، كأنه لما تم الكلام فقيل: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه}، قيل: هو هدى.
ويجوز أن يكون رفعه على قولك: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} كأنك قلت: ذلك الكتاب حقّاً؛ لأن لا شك فيه بمعنى حق، ثم قال: بعد ذلك:{فيه هدى للمتقين}). [معاني القرآن: 1/67-70]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :و{هدًى} يحتمل من حيث العربيّة أن يكون مرفوعًا على النعت، ومنصوبًا على الحال
.

تصنيف أقوال العلماء في قول الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)


القراءات:
1ـ الوقف علىلا ريب فيه) أولى
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :ومن القرّاء من يقف على قوله: {لا ريب} ويبتدئ بقوله: {فيه هدًى للمتّقين} والوقف على قوله تعالى: {لا ريب فيه} أولى للآية الّتي ذكرنا، ولأنّه يصير قوله: {هدًى} صفةً للقرآن، وذلك أبلغ من كون: {فيه هدًى}.
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : قد قرأ بعض القراء {فيه هدى} فأدغم الهاء الأولى في هاء {هدى}؛ لأنهما التقتا وهما مثلان، وزعموا أن من العرب من يؤنث "الهدى"، ومنهم من يسكن هاء الإضمار للمذكر، قال الشاعر:

فظلت لدى البيت العتيق أخيله.......ومطواي مشتاقان له أرقان
وهذه في لغة أسد السراة، زعمواكثير). [معاني القرآن: 1/15-18]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
فأما قراءة {فيه هدى} بإدغام الهاء في الهاء، فهو ثقيل في اللفظ، وهو جائز في القياس؛ لأن الحرفين من جنس واحد إلا أنه يثقل في اللفظ؛ لأن حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام، والحرفان من كلمتين، وحكى الأخفش أنها قراءة.
المسائل التفسرية:
1ـ معنى (ذلك الكتاب):

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة لا ريب فيه هدى يقول لا شك فيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/39]2ـ معنى (الكتاب):

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين}.
قال عامّة المفسّرين: تأويل قول اللّه تعالى: {ذلك الكتاب} هذا الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ الكوفيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ذلك الكتاب} قال:« هو هذا الكتاب ».
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، قال: « {ذلك الكتاب} هذا الكتاب ».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، في قوله: {ذلك الكتاب} قال: « هذا الكتاب ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ذلك الكتاب} هذا الكتاب قال: قال ابن عبّاسٍ{ذلك الكتاب} هذا الكتاب ».
فإن قال قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون ذلك بمعنى هذا؟ وهذا لا شكّ إشارةٌ إلى حاضرٍ معاينٌ، وذلك إشارةٌ إلى غائبٍ غير حاضرٍ ولا معاينٍ؟
قيل: جاز ذلك لأنّ كلّ ما تقضّى وقرب تقضّيه من الأخبار فهو وإن صار بمعنى غير الحاضر، فكالحاضر عند المخاطب؛ وذلك كالرّجل يحدّث الرّجل الحديث، فيقول السّامع: إنّ ذلك واللّه لكما قلت، وهذا واللّه كما قلت، وهو واللّه كما ذكرت. فيخبر عنه مرّةً بمعنى الغائب إذ كان قد تقضّى ومضى، ومرّةً بمعنى الحاضر لقرب جوابه من كلام مخبره كأنّه غير منقضٍ، فكذلك ذلك في قوله: {ذلك الكتاب} لأنّه جلّ ذكره لمّا قدّم قبل ذلك الكتاب {الم} الّتي ذكرنا تصرّفها في وجوهها من المعاني على ما وصفنا، قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد هذا الّذي ذكرته وبيّنته لك الكتاب. ولذلك حسن وضع ذلك في مكان هذا، لأنّه أشير به إلى الخبر عمّا تضمّنه قوله: {الم} من المعاني بعد تقضّي الخبر عنه {الم}، فصار لقرب الخبر عنه من تقضّيه كالحاضر المشار إليه، فأخبر عنه بذلك لانقضائه ومصير الخبر عنه كالخبر عن الغائب.
وترجمه المفسّرون أنّه بمعنى هذا لقرب الخبر عنه من انقضائه، فكان كالمشاهد المشار إليه بهذا نحو الّذي وصفنا من الكلام الجاري بين النّاس في محاوراتهم، وكما قال جلّ ذكره: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار هذا ذكرٌ} فهذا ما في ذلك إذا عنى بها هذا.
وقد يحتمل قوله جلّ ذكره: {ذلك الكتاب} أن يكون معنيًّا به السّور الّتي نزلت قبل سورة البقرة بمكّة والمدينة، فكأنّه قال جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد اعلم أنّ ما تضمّنته سور الكتاب الّتي قد أنزلتها إليك هو الكتاب الّذي لا ريب فيه. ثمّ ترجمه المفسّرون بأنّ معنى ذلك: هذا الكتاب، إذ كانت تلك السّور الّتي نزلت قبل سورة البقرة من جملة جميع كتابنا هذا الّذي أنزله اللّه عزّ وجلّ على نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكان التّأويل الأوّل أولى بما قاله المفسّرون؛ لأنّ ذلك أظهر معاني قولهم الّذي قالوه في ذلك.
وقد وجّه معنى ذلك بعضهم إلى نظير معنى بيت خفاف بن ندبة السّلميّ:

فإن تك خيلي قد أصيب صميمها.......فعمدًا على عينٍ تيمّمت مالكا.
أقول له والرّمح يأطر متنه.......تأمّل خفافًا إنّني أنا ذلكا

كأنّه أراد: تأمّلني أنا ذلك. فزعم أنّ {ذلك الكتاب} بمعنى هذا نظير ما أظهر خفافٌ من اسمه على وجه الخبر عن الغائب وهو مخبرٌ عن نفسه، فكذلك أظهر ذلك بمعنى الخبر عن الغائب، والمعنى فيه الإشارة إلى الحاضر المشاهد.
والقول الأوّل أولى بتأويل الكتاب لما ذكرنا من العلل.
وقد قال بعضهم: {ذلك الكتاب} يعني به التّوراة والإنجيل، وإذا وجّه تأويل ذلك إلى هذا الوجه فلا مؤنة فيه على متأوّله كذلك لأنّ ذلك يكون حينئذٍ إخبارًا عن غائبٍ على صحّةٍ). [جامع البيان: 1/231-228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين (2)}
قوله: {ذلك الكتاب}
- به عن عكرمة: {ذلك الكتاب}قال: «هذا الكتاب ». قال: وهكذا فسّره سعيد ابن جبيرٍ والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان وزيد بن أسلم.قوله: {الكتاب}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ- يعني أبا بكرٍ- عن الحسن في قول اللّه: الكتاب قال: «القرآن ». قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/34-33]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن، عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه: {الم ذلك الكتاب}[البقرة: 2] قال: « {الم} [البقرة: 1] : حرف اسم اللّه، و {الكتاب} [البقرة: 2] : القرآن، {لا ريب فيه}[البقرة: 2] : لا شكّ فيه» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/286] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين })
-أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد قال: «من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وآيتان في نعت الكافرين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين ومن أربعين آية إلى عشرين ومائة في بني إسرائيل».
-وأخرج وكيع عن مجاهد قال:« هؤلاء الآيات الأربع في أول سورة البقرة إلى {المفلحون} نزلت في نعت المؤمنين واثنتان من بعدها إلى {عظيم} نزلت في نعت الكافرين وإلى العشر نزلت في المنافقين
-وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال:« أربع آيات من فاتحة سورة البقرة في الذين آمنوا وآيتان في قادة الأحزاب ».
-وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود {الم} حرف اسم الله و{الكتاب} القرآن {لا ريب} لا شك فيه.
-وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ذلك الكتاب} قال: «هذا الكتاب»
-وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن عكرمة، مثله.
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين (2)}
الاسم من ذلك الذال والألف، وقيل الذال وحدها، والألف تقوية، واللام لبعد المشار إليه وللتأكيد، والكاف للخطاب، وموضع ذلك رفع كأنه خبر ابتداء، أو ابتداء وخبره بعده، واختلف في ذلك هنا فقيل: هو بمعنى «هذا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك أنه قد يشار بـ «ذلك» إلى حاضر تعلق به بعض الغيبة وب «هذا» إلى غائب هو من الثبوت والحضور بمنزلة وقرب.
وقيل: هو على بابه إشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل: ما قد كان نزل من القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ أي الكتاب الذي هو القدر،وقيل: إن الله قد كان وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، فأشار إلى ذلك الوعد.
وقال الكسائي: «ذلك إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد».
وقيل: إن الله قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد كتابا، فالإشارة إلى ذلك الوعد. وقيل: إن الإشارة إلى حروف المعجم في قول من قال الم حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها.
ولفظ الكتاب مأخوذ من «كتبت الشيء» إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض ككتب الخرز بضم الكاف وفتح التاء وكتب الناقة.
ورفع الكتاب يتوجه على البدل أو على خبر الابتداء أو على عطف البيان.

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتّقين (2)}
قال ابن جريج: قال ابن عبّاسٍ: «{ذلك الكتاب}: هذا الكتاب». وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان، وزيد بن أسلم، وابن جريجٍ: أنّ ذلك بمعنى هذا، والعرب تقارض بين هذين الاسمين من أسماء الإشارة فيستعملون كلًّا منهما مكان الآخر، وهذا معروفٌ في كلامهم.
و {الكتاب} القرآن. ومن قال: إنّ المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التّوراة والإنجيل، كما حكاه ابن جريرٍ وغيره، فقد أبعد النّجعة وأغرق في النّزع، وتكلّف ما لا علم له به.


3ـ معنى (لا ريب فيه):

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا ريب فيه}
وتأويل قوله: {لا ريب فيه} لا شكّ فيه،.
- كما حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن المحاربيّ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {لا ريب فيه}، قال: «لا شكّ فيه ».
- حدّثني سلاّم بن سالمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا خلف بن ياسين الكوفيّ، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عطاءٍ: {لا ريب فيه} قال: «لا شكّ فيه ».
- حدّثني أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، قال: «{لا ريب فيه} لا شكّ فيه ».
- حدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا ريب فيه} لا شكّ فيه.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لا ريب فيه} قال: « لا شكّ فيه ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ{لا ريب فيه} يقول لا شكّ فيه ».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {لا ريب فيه} يقول: « لا شكّ فيه».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: {لا ريب فيه} يقول: « لا شكّ فيه».وهو مصدرٌ من قولك: رابني الشّيء يريبني ريبًا. ومن ذلك قول ساعدة بن جؤيّة الهذليّ..

فقالوا تركنا الحيّ قد حصروا به.......فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم
ويروى: حصروا، وحصروا، والفتح أكثر، والكسر جائزٌ. يعني بقوله: حصروا به أطافوا به، ويعني بقوله، {لا ريب فيه} لا شكّ فيه، وبقوله: أن قد كان ثمّ لحيم يعني قتيلاً، يقال، قد لحم إذا قتل.
والهاء الّتي في فيه. عائدةٌ على الكتاب، كأنّه قال: لا شكّ في ذلك الكتاب أنّه من عند اللّه هدًى للمتّقين).[جامع البيان: 1/233-231]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا ريب فيه}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، ثنا حريز بن عثمان عن عبد الرحمن ابن أبي عوفٍ، عن عبد الرّحمن بن مسعودٍ الفزاريّ، عن أبي الدّرداء قال: «الرّيب- يعني الشّكّ- من الكفر ». قال أبو محمّدٍ: «ولا أعلم في هذا الحرف اختلافًا بين المفسّرين منهم ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو مالكٍ، ونافعٌ مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباحٍ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وإسماعيل بن أبي خالد»). [تفسير القرآن العظيم: 1/34]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا ريب فيه} قال: «لا شك فيه ».
-وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال «ال {ريب} الشك من الكفر ».
-وأخرج الطستي في مسائل ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له:« أخبرني عن قوله عز وجل {لا ريب فيه} قال: لا شك فيه قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت ابن الزبعرى وهو يقول: ليس في الحق يا أمامة ريب * إنما الريب ما يقول الكذوب ».
-وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {لا ريب فيه} قال:« لا شك فيه».
-وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله). [الدر المنثور: 1/129-127]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : {ولا ريب فيه} معناه: لا شكّ فيه ولا ارتياب به والمعنى أنه في ذاته لا ريب فيه وإن وقع ريب للكفار.
وقال قوم: لفظ قوله لا ريب فيه لفظ الخبر ومعناه النهي.
وقال قوم: هو عموم يراد به الخصوص أي عند المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف.

والرّيب: الشّكّ، قال السّدّيّ عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا ريب فيه}: لا شكّ فيه.
وقاله أبو الدّرداء وابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ وأبو مالكٍ ونافعٌ مولى ابن عمر وعطاءٌ وأبو العالية والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ وقتادة وإسماعيل بن أبي خالدٍ. وقال ابن أبي حاتمٍ: لا أعلم في هذا خلافًا.
[وقد يستعمل الرّيب في التّهمة قال جميلٌ:



بثينة قالت يا جميل أربتني ....... فقلت كلانا يا بثين مريب...


واستعمل -أيضًا-في الحاجة كما قال بعضهم:
قضينا من تهامة كلّ ريبٍ ....... وخيبر ثمّ أجمعنا السّيوفا]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :ومعنى الكلام: أنّ هذا الكتاب -وهو القرآن-لا شكّ فيه أنّه نزل من عند اللّه، كما قال تعالى في السّجدة: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين} [السّجدة: 1، 2]. [وقال بعضهم: هذا خبرٌ ومعناه النّهي، أي: لا ترتابوا فيه].

4ـ معنى (هدى للمتقين):
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هدًى}.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال، حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ: {هدًى} قال، «هدًى من الضّلالة».
- حدّثني موسى بن هارون، قال، حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {هدًى للمتّقين} يقول: « نورٌ للمتّقين ».
والهدى في هذا الموضع مصدرٌ من قولك هديت فلانًا الطّريق إذا أرشدته إليه. ودللته عليه، وبيّنته له، أهديه هدًى وهدايةً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]