عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-10-2021, 10:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الغربة والاغتراب في الشعر العربي قديمًا وحديثًا

على أنَّ أعظم الغربة على المستوى الفرديِّ حينما يقع المسلِمُ أسيرًا في أيدي الأعداء، يُحيطون به من كلِّ جانب، فيحمل هَمَّيْن: همَّ الغربة في المكان، وهم الغربة في الزَّمان، لقد وقع أبو فراسٍ الحمدانيُّ أسيرًا في أيدي الأعداء، فكتب قصيدته التي يُخاطب فيها سيفَ الدولة راجيًا إيَّاه العملَ على فَكِّ قيدِه وفدائه من الأَسْر، ومُتذكِّرًا أُمَّه، مُناجيًا إيَّاها في غربته:





يَا حَسْرَةً مَا أَكَادُ أَحْمِلُهَا

آخِرُهَا مُزْعِجٌ وَأَوَّلُهَا




عَلِيلَةٌ بِالشَّآمِ مُفْرَدَةٌ

بَاتَ بِأَيْدِي العِدَا مُعَلِّلُهَا




تُمْسِكُ أَحْشَاءَهَا عَلَى حُرَقٍ

تُطْفِئُهَا، وَالْهُمُومُ تُشْعِلُهَا




إِذَا اطْمَأَنَّتْ وَأَيْنَ؟ أَوْ هَدَأَتْ

عَنَّتْ لَهَا ذُكْرَةٌ تُؤَرِّقُهَا




تَسْأَلُ عَنَّا الرُّكْبَانَ جَاهِدَةً

بِأَدْمُعٍ مَا تَكَادُ تُمْهِلُهَا[6]











إلى أن يقول:





يَا أُمَّتَا هَذِهِ مَنَازِلُنَا

نَتْرُكُهَا تَارَةً وَنُنْزِلُهَا




يَا أُمَّتَا هَذِهِ مَوَارِدُنَا

نَعَلُّهَا تَارَةً وَنَنْهَلُهَا




أَسْلَمَنَا قَوْمُنَا إِلَى نُوَبٍ

أَيْسَرُهَا فِي القُلُوبِ أَقْتَلُهَا[7]











وإذا كانت الغربةُ على المستوى الفرديِّ تشكِّل كلَّ هذا الهمِّ والحزن؛ فإنَّها على المستوى الجماعيِّ تكون أشدَّ وقْعًا على النَّفْس، وقد عرف في التاريخ الإسلاميِّ ما سُمِّي برثاء المدُن، وهو نوعٌ من الشِّعر عبَّرَ أصحابُه من الشُّعراء عن النكبات التي أصابَت الأُمَّة الإسلامية والمِحَن التي حاقَتْ بها، فأصبح أبناؤها المُخْلِصون يعيشون عيشَ الغُرباء، وينكل بهم وتراق دماؤهم، وتُهتَك أعراض نسائهم، وتُدمَّر البيوت، وتهدم المساجد، وتتكالب النكبات القاسية والشدائد العظيمة على الأُمَّة، وكذلك عندما يُقتل عظيمٌ من عظماء الأمَّة، أو بطَل من أبطالها كان يُمثِّل لها أملاً، ويعقد عليه الرَّجاء.







ونضرب هنا بعضًا من الأمثلة التي توضِّح جانِبًا من هذا الموضوع:



من ذلك أبياتٌ لشمس الدِّين الكوفي بعد سُقوط بغداد في أيدي التَّتار، والَّتي يصف فيها حالَ المسلمين في بغداد وحولها، وما فعل التَّتار من سفكٍ للدِّماء وتحريقٍ للبيوت والدور والمساجد، يَقول:





مَا لِي وَلِلأَيَّامِ شَتَّتَ خَطْبُهَا

شَمْلِي وَخَلاَّنِي بِلا خِلاَّنِي




مَا لِلمَنَازِلِ أَصْبَحَتْ لاَ أَهْلُهَا

أَهْلِي وَلا جِيرَانُهَا جِيرَانِي




أَيْنَ الَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ وَلِعِزِّهِمْ

ذُلاً تَخِرُّ مَعَاقِدُ التِّيجَانِ




كَانُوا نُجُومَ مَنِ اقْتَدَى فَعَلَيْهِمُ

يَبْكِي الْهُدَى وَشَعَائِرُ الإِيمَانِ[8]
















يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.29%)]