عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-10-2021, 10:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي الغربة والاغتراب في الشعر العربي قديمًا وحديثًا

الغربة والاغتراب في الشعر العربي قديمًا وحديثًا
أ. طاهر العتباني








مفهوم الغربة والاغتراب عبر العصور الأدبية لدى شعراء العربية:









لقد ظلَّ مفهوم الغربة يتردَّد صَداه عند كثيرٍ من الشُّعراء المُسلِمين على مَدار التَّاريخ الإسلاميِّ كلَّما حلَّت نكبةٌ، أو وقعَتْ واقعةٌ يَشْعر فيها الشَّاعر المسلِمُ بالوحشة والغُربة، فيعزف على أوتار شِعرِه مُصوِّرًا حاله أو حال أمَّتِه إبَّان نَكْبة من النَّكبات، أو مُلِمَّة من الملمَّات.







ونضرب هنا أمثلةً نُدلِّل بها على امتداد هذه الرُّوح وهذه الرُّؤية لمفهوم الغربة في شِعْرنا القديم؛ تأكيدًا وتَمثيلاً لهذه الرُّؤية الشعريَّة والفَنِّية في الشِّعر الإسلامي.







ومن ذلك أبياتُ مالك بن الريب التَّميمي التي كتَبَها يَرْثي بها نفْسَه، ويشكو غربتَه وهو يَموت غريبًا وحيدًا؛ حيث لا يَراه أهلُه ولا أبناؤه، بل يفرد في الصَّحراء غريبًا وحيدًا، يقول مالك بن الريب التميميُّ في قصيدته تلك:





يَقُولُونَ لا تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَنِي

وَأَيْنَ مَكَانُ البُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا




غَدَاةَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ

إِذَا أَدْلَجُوا عَنِّي وَخَلَّفْتُ ثَاوِيَا




وَأَصْبَحَ مَالِي مِنْ طَرِيفٍ وَتَالِدٍ

لِغَيْرِي، وَكَانَ الْمَالُ بِالأَمْسِ مَالِيَا[1]











وكذلك قصيدة ابن زُرَيق البغداديِّ الَّتي تحدَّث فيها عن غُربته في بلاد الأندلُس بعد أن تركَ بغداد طلَبًا للرِّزق ومات غريبًا بالأندلس بعد أن ترك قصيدة هي من عيون الشِّعر العربي، يقول في أوَّلِها مخاطِبًا زوجته بعد أن ألَمَّ به المرض وأقعدَه، وشعر بِدُنوِّ أجَلِه:





لاَ تَعْذِلِيهِ فَإِنَّ العَذْلَ يُولِعُهُ

قَدْ قُلْتِ حَقًّا، وَلَكِنْ لَيْسَ يَسْمَعُهُ




جَاوَزْتِ فِي لَوْمِهِ حَدًّا أَضَرَّ بِهِ

مِنْ حَيْثُ قَدَّرْتِ أَنَّ اللَّوْمَ يَنْفَعُهُ




فَاسْتَعْمِلِي الرِّفْقَ فِي تَأْنِيبِهِ بَدَلاً

مِنْ عَذْلِهِ، فَهْوَ مُضْنَى القَلْبِ مُوجَعُهُ[2]











إلى أن يقول في بعض أبياتها:





أَسْتَوْدِعُ اللهَ فِي بَغْدَادَ لِي قَمَرًا

بِالكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ




وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي لَوْ يُوَدِّعُنِي

صَفْوُ الْحَيَاةِ وَأَنِّي لاَ أُوَدِّعُهُ[3]











وهو على مدار القصيدة يَشْكو حالَه، ويَصِف غربتَه بعيدًا عن داره وأهله.







وعلى مستوى الغربة الشخصيَّة التي عبَّر عنها شعراء العربيَّة على مدار تاريخ الشِّعر العربي، نَجِد أبيات المتنبِّي التي يَشْكو فيها غربتَه بِمِصر بعد أنْ ترَكَ بلاط سيف الدَّولة الحمداني، الذي كان بالنِّسبة إلى المتنبِّي بِمَثابة البطَل الذي يقتحم الملمَّات، ويُنكِّل بالأعداء، ثُم ها هو ذا المتنبِّي يلمُّ به المرَضُ مع غُربته وانفراده بِمِصْر دون صديقٍ أو أنيس أو سميرٍ يُواسيه ويُخفِّف بعضًا من هذه الغربة، يقول المتنبِّي مُخاطِبًا الحُمَّى:





أَبِنْتَ الدَّهْرِ عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ

فَكَيْفَ وَصَلْتِ أَنْتِ مِنَ الزَّحَامِ




جَرَحْتِ مُجَرَّحًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ

مَكَانٌ لِلسُّيُوفِ وَلا السِّهَامِ[4]











وفي أبياته التي هَجا فيها كافورًا الإخشيديَّ يبدأ القصيدة بذِكْر غُربته وبُعده عن أحبَّتِه - في دولة الحمدانيِّين - ويمرُّ العيد وهو كاسِفُ البال حزين:





عِيدٌ، بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ

بِمَا مَضَى؟ أَمْ لِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ؟




أَمَّا الأَحِبَّةُ فَاْلبَيْدَاءُ دُونَهُمُ

فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ[5]
















يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]