عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-09-2021, 02:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (20)

من صــ 374 الى صـ
ـ 380
فهذا الشر الموجود الخاص المقيد سببه: إما عدم وإما وجود؛ فالعدم مثل عدم شرط أو جزء سبب إذ لا يكون سببه عدما محضا فإن العدم المحض لا يكون سببا تاما لوجود؛ ولكن يكون سبب الخير واللذة قد انعقد ولا يحصل الشرط فيقع الألم؛ وذلك مثل عدم فعل الواجبات الذي هو سبب الذم والعقاب ومثل عدم العلم الذي هو سبب ألم الجهل وعدم السمع والبصر والنطق الذي هو سبب الألم بالعمى والصمم والبكم وعدم الصحة والقوة الذي هو سبب الألم والمرض والضعف. فهذه المواضع ونحوها يكون الشر أيضا مضافا إلى العدم المضاف إلى العبد حتى يتحقق قول الخليل:
{وإذا مرضت فهو يشفين} فإن المرض وإن كان ألما موجودا فسببه ضعف القوة وانتفاء الصحة الموجودة وذلك عدم هو من الإنسان المعدوم بنفسه حتى يتحقق قول الحق {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وقوله: {قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} ونحو ذلك فيما كان سببه عدم فعل الواجب وكذلك قول الصحابي: وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان.
يبين ذلك أن المحرمات جميعها من الكفر والفسوق والعصيان إنما يفعلها العبد لجهله أو لحاجته فإنه إذا كان عالما بمضرتها وهو غني عنها امتنع أن يفعلها والجهل أصله عدم والحاجة أصلها العدم.
فأصل وقوع السيئات منه عدم العلم والغنى ولهذا يقول في القرآن: {ما كانوا يستطيعون السمع} {أفلم تكونوا تعقلون}؟ {إنهم ألفوا آباءهم ضالين} {فهم على آثارهم يهرعون} إلى نحو هذه المعاني. وأما الموجود الذي هو سبب الشر الموجود الذي هو خاص كالآلام مثل الأفعال المحرمة من الكفر الذي هو تكذيب أو استكبار والفسوق الذي هو فعل المحرمات ونحو ذلك.
فإن ذلك سبب الذم والعقاب وكذلك تناول الأغذية الضارة وكذلك الحركات الشديدة المورثة للألم فهذا الوجود لا يكون وجودا تاما محضا؛ إذ الوجود التام المحض لا يورث إلا خيرا كما قلنا إن العدم المحض لا يقتضي وجودا؛ بل يكون وجودا ناقصا إما في السبب وإما في المحل كما يكون سبب التكذيب عدم معرفة الحق والإقرار به وسبب عدم هذا العلم والقول عدم أسبابه من النظر التام والاستماع التام لآيات الحق وأعلامه.
وسبب عدم النظر والاستماع: إما عدم المقتضي فيكون عدما محضا وإما وجود مانع من الكبر أو الحسد في النفس {والله لا يحب كل مختال فخور} وهو تصور باطل وسببه عدم غنى النفس بالحق فتعتاض عنه بالخيال الباطل.
و " الحسد " أيضا سببه عدم النعمة التي يصير بها مثل المحسود أو أفضل منه؛ فإن ذلك يوجب كراهة الحاسد لأن يكافئه المحسود أو يتفضل عليه. وكذلك الفسوق كالقتل والزنا وسائر القبائح إنما سببها حاجة النفس إلى الاشتفاء بالقتل والالتذاذ بالزنا وإلا فمن حصل غرضه بلا قتل أو نال اللذة بلا زنا لا يفعل ذلك والحاجة مصدرها العدم وهذا يبين - إذا تدبره الإنسان - أن الشر الموجود إذا أضيف إلى عدم أو وجود فلا بد أن يكون وجودا ناقصا فتارة يضاف إلى عدم كمال السبب أو فوات الشرط وتارة يضاف إلى وجود ويعبر عنه تارة بالسبب الناقص والمحل الناقص وسبب ذلك إما عدم شرط أو وجود مانع والمانع لا يكون مانعا إلا لضعف المقتضي وكل ما ذكرته واضح بين إلا هذا الموضع ففيه غموض يتبين عند التأمل وله طرفان:
" أحدهما " أن الموجود لا يكون سببه عدما محضا. و " الثاني " أن الموجود لا يكون سببا للعدم المحض وهذا معلوم بالبديهة أن الكائنات الموجودة لا تصدر إلا عن حق موجود.
ولهذا كان معلوما بالفطرة أنه لا بد لكل مصنوع من صانع كما قال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} يقول: أخلقوا من غير خالق خلقهم أم هم خلقوا أنفسهم؟.
ومن المتكلمين من استدل على هذا المطلوب بالقياس وضرب المثال. والاستدلال عليه ممكن ودلائله كثيرة. والفطرة عند صحتها أشد إقرارا به وهو لها أبده وهي إليه أشد اضطرارا من المثال الذي يقاس به.
وقد اختلف أهل الأصول في العلة الشرعية هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف العدمي فيها مع قولهم: إن العدمي يعلل بالعدمي؟ فمنهم من قال:
يعلل به ومنهم من أنكر ذلك ومنهم من فصل بين ما لا يجوز أن يكون علة للوجود في قياس العلة ويجوز أن تكون علته له في قياس الدلالة فلا يضاف إليه في قياس الدلالة وهذا فصل الخطاب وهو أن قياس الدلالة يجوز أن يكون العدم فيه علة وجزءا من علة؛ لأن عدم الوصف قد يكون دليلا على وصف وجودي يقتضي الحكم.
وأما " قياس العلة " فلا يكون العدم فيه علة تامة؛ لكن يكون جزءا من العلة التامة وشرطا للعلة المقتضية التي ليست بتامة وقلنا: جزء من العلة التامة. وهو معنى كونه شرطا في اقتضاء العلة الوجودية وهذا نزاع لفظي فإذا حققت المعاني ارتفع. فهذا في بيان أحد الطرفين وهو أن الموجود لا يكون سببه عدما محضا.
وأما " الطرف الثاني " وهو أن الموجود لا يكون سببا لوجود يستلزم عدما فلأن العدم المحض لا يفتقر إلى سبب موجود بل يكفي فيه عدم السبب الموجود؛ ولأن السبب الموجود إذا أثر فلا بد أن يؤثر شيئا والعدم المحض ليس بشيء فالأثر الذي هو عدم محض بمنزلة عدم الأثر؛ بل إذا أثر الإعدام فالإعدام أمر وجودي فيه عدم فإن جعل الموجود معدوما والمعدوم موجودا أمر معقول أما جعل المعدوم معدوما فلا يعقل إلا بمعنى الإبقاء على العدم والإبقاء على العدم يكفي فيه عدم الفاعل والفرق معلوم بين عدم الفاعل وعدم الموجب في عدم العلة وبين فاعل العدم وموجب العدم وعلة العدم. والعدم لا يفتقر إلى الثاني؛ بل يكفي فيه الأول.
فتبين بذلك الطرفان وهو أن العدم المحض الذي ليس فيه شوب وجود لا يكون وجودا ما: لا سببا ولا مسببا ولا فاعلا ولا مفعولا أصلا فالوجود المحض التام الذي ليس فيه شوب عدم لا يكون سببا لعدم أصلا ولا مسببا عنه ولا فاعلا له ولا مفعولا أما كونه ليس مسببا عنه ولا مفعولا له فظاهر وأما كونه ليس سببا له فإن كان سببا لعدم محض فالعدم المحض لا يفتقر إلى سبب موجود وإن كان لعدم فيه وجود فذاك الوجود لا بد له من سبب ولو كان سببه تاما وهو قابل لما دخل فيه عدم؛ فإنه إذا كان السبب تاما والمحل قابلا وجب وجود المسبب فحيث كان فيه عدم فلعدم ما في السبب أو في المحل فلا يكون وجودا محضا.

فظهر أن السبب حيث تخلف حكمه إن كان لفوات شرط فهو عدم وإن كان لوجود مانع فإنما صار مانعا لضعف السبب وهو أيضا عدم قوته وكماله فظهر أن الوجود ليس سبب العدم المحض وظهر بذلك القسمة الرباعية وهي أن الوجود المحض لا يكون إلا خيرا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]