عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 30-09-2021, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (18)

من صــ 360 الى صــ 366


وباعتبار كونه معلوما له ثبوت علمي وسلب هذا الثبوت العلمي: عدم هذا الثبوت؛ فلم ينقض هذا قولنا: نقيض العدم ثبوت وأما الحب فإنه صفة قائمة بالمحب. فإنك تشير إلى عين خارجة وتقول: هذا الحي صار محبا بعد أن لم يكن محبا. فتخبر عن الوجود الخارجي.
فإذا كان نقيضها عدما خارجيا كانت وجودا خارجيا.
وفي الجملة: فكون الحب والبغض صفة ثبوتية وجودية معلوم بالضرورة. فلا يقبل فيه نزاع ولا يناظر صاحبه إلا مناظرة السوفسطائية. قلت: وإذا كان الحب والبغض ونحوهما من الصفات المضافة المتعلقة بالغير: صفات وجودية. ظهر الفرق بين الصفات التي هي إضافة ونسبة. وبين الصفات التي هي مضافة منسوبة.
فالحمد والشكر من القسم الثاني؛ فإن الحمد أمر وجودي متعلق بالمحمود عليه. وكذلك الشكر أمر وجودي متعلق بالمشكور عليه. فلا يتم فهم حقيقتهما إلا بفهم الصفة الثبوتية لهما التي هي متعلقة بالغير.
وتلك الصفة داخلة في حقيقتهما. فإذا كان متعلق أحدهما أكبر من متعلق الآخر وذلك التعلق إنما هو عارض لصفة ثبوتية لهما. وجب ذكر تلك الصفة الثبوتية في ذكر حقيقتهما. والدليل على هذا: أن من لم يفهم الإحسان امتنع أن يفهم الشكر
فعلم أن تصور متعلق الشكر داخل في تصور الشكر. قلت: ولو قيل: إنه ليس هذا إلا أمرا عدميا. فالحقيقة إن كانت مركبة من وجود وعدم وجب ذكرهما في تعريف الحقيقة. كما أن من عرف الأب من حيث هو أب. فإن تصوره موقوف على تصور الأبوة التي هي نسبة وإضافة. وإن كان الأب أمرا وجوديا.
فالحمد والشكر متعلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. وإن لم يكن هذا المتعلق عارضا لصفة ثبوتية. فلا يفهم الحمد والشكر إلا بفهم هذا المتعلق. كما لا يفهم معنى الأب إلا بفهم معنى الأبوة الذي هو التعلق. وكذلك الحمد والشكر أمران متعلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. وهذا التعلق جزء من هذا المسمى. بدليل أن من لم يفهم الصفات الجميلة لم يفهم الحمد. ومن لم يفهم الإحسان لم يفهم الشكر.
فإذا كان فهمها موقوفا على فهم متعلقهما فوقوفه على فهم التعلق أولى. فإن التعلق فرع على المتعلق. وتبع له. فإذا توقف فهمهما على فهم المتعلق الذي هو أبعد عنهما من التعلق. فتوقفه على فهم التعلق أولى. وإن كان التعلق أمرا عدميا. والله أعلم.

قال له الشيخ تقي الدين ابن تيمية: - قوله: {وأحل الله البيع} قد أتبع بقوله {وحرم الربا} وعامة أنواع الربا يسمى بيعا. والربا - وإن كان اسما مجملا - فهو مجهول. واستثناء المجهول من المعلوم يوجب جهالة المستثنى فيبقى المراد إحلال البيع الذي ليس بربا.

فما لم يثبت أن الفرد المعين ليس بربا لم يصح إدخاله في البيع الحلال. وهذا يمنع دعوى العموم. وإن كان الربا اسما عاما فهو مستثنى من البيع أيضا. فيبقى البيع لفظا مخصوصا. فلا يصح ادعاء العموم على الإطلاق. قال ابن المرحل: - هذا من باب التخصيص. وهنا عمومان تعارضا وليس من باب الاستثناء. فإن صيغ الاستثناء معلومة.
وإذا كان هذا تخصيصا لم يمنع ادعاء العموم فيه. قال الشيخ تقي الدين: - هذا كلام متصل بعضه ببعض وهو من باب التخصيص المتصل. وتسميه الفقهاء استثناء كقوله: له هذه الدار ولي منها هذا البيت. فإن هذا بمنزلة قوله: إلا هذا البيت. وكذلك لو قال: أكرم هؤلاء القوم ولا تكرم فلانا وهو منهم. كان بمنزلة قوله: إلا فلانا. وإذا كان كذلك صار بمنزلة قوله: أحل الله البيع إلا ما كان منه ربا.
فمن ادعى بعد هذا أنه عام في كل ما يسمى بيعا فهو مخطئ. قال ابن المرحل: أنا أسلم أنه إنما هو عام في كل بيع لا يسمى ربا. قال له الشيخ تقي الدين: وهذا كان المقصود. ولكن بطل بهذا دعوى عمومه على الإطلاق؛ فإن دعوى العموم على الإطلاق ينافي دعوى العموم في بعض الأنواع دون بعض. وهذا كلام بين. وادعى مدع. أن فيه قولين.
أحدهما: أنه عام مخصوص. والثاني: أنه عموم مراد. فقال الشيخ تقي الدين: فإن دعوى أنه عموم مراد: باطل قطعا فإنا نعلم أن كثيرا من أفراد البيع حرام. فاعترض ابن المرحل: بأن تلك الأفراد حرمت بعدما أحلت.
فيكون نسخا. قال الشيخ تقي الدين: - فيلزم من هذا أن لا نحرم شيئا من البيوع بخبر واحد ولا بقياس. فإن نسخ القرآن لا يجوز بذلك. وإنما يجوز تخصيصه به. وقد اتفق الفقهاء على التحريم بهذه الطريقة.
قال ابن المرحل: رجعت عن هذا السؤال؛ لكن أقول هو عموم مراد في كل ما يسمى بيعا في الشرع. فإن البيع من الأسماء المنقولة إلى كل بيع صحيح شرعي. قال الشيخ تقي الدين: البيع ليس من الأسماء المنقولة؛ فإن مسماه في الشرع والعرف هو المسمى اللغوي؛ لكن الشارع اشترط لحله وصحته شروطا. كما قد كان أهل الجاهلية لهم شروط أيضا بحسب اصطلاحهم. وهكذا سائر أسماء العقود مثل الإجارة والرهن والهبة والقرض والنكاح. إذا أريد به العقد وغير ذلك: هي باقية على مسمياتها.
والنقل إنما يحتاج إليه إذا أحدث الشارع معاني لم تكن العرب تعرفها. مثل الصلاة والزكاة والتيمم. فحينئذ يحتاج إلى النقل. ومعاني هذه العقود ما زالت معروفة. قال ابن المرحل: أصحابي قد قالوا: إنها منقولة. قال الشيخ تقي الدين: لو كان لفظ البيع في الآية المراد به البيع الصحيح الشرعي لكان التقدير: أحل الله البيع الصحيح الشرعي.
أو أحل الله البيع الذي هو عنده حلال. وهذا - مع أنه مكرر - فإنه يمنع الاستدلال بالآية. فإنا لا نعلم دخول بيع من البيوع في الآية حتى نعلم أنه بيع صحيح شرعي. ومتى علمنا ذلك استغنينا عن الاستدلال بالآية.
قال ابن المرحل: - متى ثبت أن هذا الفرد يسمى بيعا في اللغة.

قلت: هو بيع في الشرع؛ لأن الأصل عدم النقل وإذا كان بيعا في الشرع دخل في الآية. قال الشيخ تقي الدين: هذا إنما يصح لو لم يثبت أن الاسم منقول أما إذا ثبت أنه منقول. لم يصح إدخال فرد فيه. حتى يثبت أن الاسم المنقول واقع عليه.
وإلا فيلزم من هذا أن كل ما سمي في اللغة صلاة وزكاة وتيمما وصوما وبيعا وإجارة ورهنا: أنه يجوز إدخاله في المسمى الشرعي بهذا الاعتبار. وعلى هذا التقدير:
فلا يبقى فرق بين الأسماء المنقولة وغيرها. وإنما يقال: الأصل عدم النقل إذا لم يثبت. بل متى ثبت النقل فالأصل عدم دخول هذا الفرد في الاسم المنقول حتى يثبت أنه داخل فيه بعد النقل.
فصل:
قال الله عز وجل في أول السورة: {الحمد لله رب العالمين} فبدأ بهذين الاسمين: الله والرب. و " الله " هو الإله المعبود فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا يقال: الله أكبر. الحمد لله سبحان الله لا إله إلا الله و " الرب " هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة.

ولهذا يقال: {رب اغفر لي ولوالدي} {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب. فالاسم الأول يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه وما خلق له وما فيه صلاحه وكماله وهو عبادة الله والاسم الثاني يتضمن خلق العبد ومبتداه وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية والربوبية تستلزم الألوهية أيضا. والاسم " الرحمن " يتضمن كمال التعليقين وبوصف الحالين فيه تتم سعادته في دنياه وأخراه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]