عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-09-2021, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (17)

من صــ 353 الى صــ 359


فيكون بطريق الاشتراك بين هذا المعنى الشخصي وبين المعنى النوعي.
وهكذا كل اسم عام غلب على بعض أفراده يصح استعماله في ذلك الفرد بالوضع الأول العام فيكون بطريق التواطؤ وبالوضع الثاني فيصير بطريق الاشتراك.

ولفظ " النفاق " من هذا الباب. فإنه في الشرع إظهار الدين وإبطان خلافه. وهذا المعنى الشرعي أخص من مسمى النفاق في اللغة فإنه في اللغة أعم من إظهار الدين. ثم إبطان ما يخالف الدين إما أن يكون كفرا أو فسقا.
فإذا أظهر أنه مؤمن وأبطن التكذيب فهذا هو النفاق الأكبر الذي أوعد صاحبه بأنه في الدرك الأسفل من النار. وإن أظهر أنه صادق أو موف أو أمين وأبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك. فهذا هو النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقا.
فإطلاق النفاق عليهما في الأصل بطريق التواطؤ. وعلى هذا؛ فالنفاق اسم جنس تحته نوعان. ثم إنه قد يراد به النفاق في أصل الدين مثل قوله {إن المنافقين في الدرك الأسفل} و {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} والمنافق هنا: الكافر. وقد يراد به النفاق في فروعه. مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
{آية المنافق ثلاث} وقوله {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا} وقول ابن عمر: فيمن يتحدث عند الأمراء بحديث. ثم يخرج فيقول بخلافه " كنا نعد هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نفاقا " فإذا أردت به أحد النوعين. فإما أن يكون تخصيصه لقرينة لفظية مثل لام العهد؛ والإضافة. فهذا لا يخرجه عن أن يكون متواطئا كما إذا قال الرجل: جاء القاضي.
وعنى به قاضي بلده لكون اللام للعهد. كما قال سبحانه: {فعصى فرعون الرسول} أن اللام هي أوجبت قصر الرسول على موسى لا نفس لفظ " رسول ".
وإما أن يكون لغلبة الاستعمال عليه فيصير مشتركا بين اللفظ العام والمعنى الخاص. فكذلك قوله {إذا جاءك المنافقون} فإن تخصيص هذا اللفظ بالكافر إما أن يكون لدخول اللام التي تفيد العهد والمنافق المعهود: هو الكافر.
أو تكون لغلبة هذا الاسم في الشرع على نفاق الكفر. وقوله صلى الله عليه وسلم {ثلاث من كن فيه كان منافقا} يعني به منافقا بالمعنى العام وهو إظهاره من الدين خلاف ما يبطن. فإطلاق لفظ " النفاق " على الكافر وعلى الفاسق إن أطلقته باعتبار ما يمتاز به عن الفاسق.
كان إطلاقه عليه وعلى الفاسق باعتبار الاشتراك. وكذلك يجوز أن يراد به الكافر خاصة. ويكون متواطئا إذا كان الدال على الخصوصية غير لفظ " منافق " بل لام التعريف.
وهذا البحث الشريف جار في كل لفظ عام استعمل في بعض أنواعه إما لغلبة الاستعمال أو لدلالة لفظية خصته بذلك النوع. مثل تعريف الإضافة أو تعريف اللام. فإن كان لغلبة الاستعمال صح أن يقال: إن اللفظ مشترك. وإن كان لدلالة لفظية كان اللفظ باقيا على مواطأته. فلهذا صح أن يقال " النفاق " اسم جنس تحته نوعان. لكون اللفظ في الأصل عاما متواطئا.
وصح أن يقال: هو مشترك بين النفاق في أصل الدين وبين مطلق النفاق في الدين. لكونه في عرف الاستعمال الشرعي غلب على نفاق الكفر.
بحث ثان
وهو أن الحمد والشكر بينهما عموم وخصوص.

فالحمد أعم من جهة أسبابه التي يقع عليها؛ فإنه يكون على جميع الصفات والشكر لا يكون إلا على الإحسان. والشكر أعم من جهة ما به يقع فإنه يكون بالاعتقاد والقول والفعل. والحمد يكون بالفعل أو بالقول أو بالاعتقاد. أورد الشيخ الإمام زين الدين ابن المنجا الحنبلي: أن هذا الفرق إنما هو من جهة متعلق الحمد والشكر لأن كونه يقع على كذا ويقع بكذا خارج عن ذاته فلا يكون فرقا في الحقيقة والحدود إنما يتعرض فيها لصفات الذات لا لما خرج عنها.
فقال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية: - المعاني على قسمين: مفردة ومضافة. فالمعاني المفردة: حدودها لا توجد فيها بتعلقاتها. وأما المعاني الإضافية فلا بد أن يوجد في حدودها تلك الإضافات. فإنها داخلة في حقيقتها. ولا يمكن تصورها إلا بتصور تلك المتعلقات فتكون المتعلقات جزءا من حقيقتها فتعين ذكرها في الحدود.
والحمد والشكر معلقان بالمحمود عليه والمشكور عليه. فلا يتم ذكر حقيقتهما إلا بذكر متعلقهما. فيكون متعلقهما داخلا في حقيقتهما. فاعترض الصدر ابن المرحل: بأنه ليس للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية.
فلا يكون للحمد والشكر من متعلقهما صفة ثبوتية. فإن المتعلق صفة نسبية. والنسب أمور عدمية. وإذا لم تكن صفة ثبوتية لم تكن داخلة في الحقيقة. لأن العدم لا يكون جزءا من الوجود. فقال الشيخ تقي الدين: قولك: ليس للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية. ليس على العموم.
بل قد يكون للمتعلق من المتعلق صفة ثبوتية وقد لا يكون. وإنما الذي يقوله أكثر المتكلمين: ليس لمتعلق القول من القول صفة ثبوتية. ثم الصفات المتعلقة نوعان: أحدهما: إضافة محضة. مثل الأبوة والبنوة والفوقية والتحتية ونحوها.
فهذه الصفة هي التي يقال فيها: هي مجرد نسبة وإضافة. والنسب أمور عدمية. والثاني صفة ثبوتية مضافة إلى غيرها كالحب والبغض والإرادة والكراهة والقدرة وغير ذلك من الصفات فإن الحب صفة ثبوتية متعلقة بالمحبوب. فالحب معروض للإضافة بمعنى أن الإضافة صفة عرضت له؛ لا أن نفس الحب هو الإضافة. ففرق بين ما هو إضافة وبين ما هو صفة مضافة. فالإضافة يقال فيها: إنها عدمية.
قال: وأما الصفة المضافة فقد تكون ثبوتية كالحب. قال ابن المرحل: الحب أمر عدمي. لأن الحب نسبة والنسب عدمية. قال الشيخ تقي الدين: كون الحب والبغض والإرادة والكراهة أمرا عدميا باطل. بالضرورة.
وهو خلاف إجماع العقلاء. ثم هو مذهب بعض المعتزلة في إرادة الله. فإنه زعم أنها صفة سلبية. بمعنى أنه غير مغلوب ولا مستكره. وأطبق الناس على بطلان هذا القول. وأما إرادة المخلوق وحبه وبغضه فلم نعلم أحدا من العقلاء قال: إنه عدمي. فأصر ابن المرحل على أن الحب - الذي هو ميل القلب إلى المحبوب - أمر عدمي. وقال: المحبة: أمر وجودي.
قال الشيخ تقي الدين: - المحبة هي الحب. فإنه يقال: أحبه وحبه حبا ومحبة. ولا فرق. وكلاهما مصدر. قال ابن المرحل: وأنا أقول: إنهما إذا كانا مصدرين فهما أمر عدمي. قال له الشيخ تقي الدين: الكلام إذا انتهى إلى المقدمات الضرورية فقد انتهى وتم.
وكون الحب والبغض أمرا وجوديا معلوم بالاضطرار؛ فإن كل أحد يعلم أن الحي إن كان خاليا عن الحب كان هذا الخلو صفة عدمية. فإذا صار محبا فقد تغير الموصوف وصار له صفة ثبوتية زائدة على ما كان قبل أن يقوم به الحب.
ومن يحس ذلك من نفسه يجده كما يجد شهوته ونفرته ورضاه وغضبه ولذته وألمه. ودليل ذلك: أنك تقول: أحب يحب محبة. ونقيض أحب: لم يحب. ولم يحب صفة عدمية ونقيض العدم الإثبات. قال ابن المرحل: هذا ينتقض بقولهم: امتنع يمتنع؛ فإن نقيض الامتناع: لا امتناع.
وامتناع صفة عدمية. قال الشيخ تقي الدين: الامتناع أمر اعتباري عقلي؛ فإن الممتنع ليس له وجود خارجي. حتى تقوم به صفة. وإنما هو معلوم بالعقل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]