عرض مشاركة واحدة
  #74  
قديم 30-09-2021, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,801
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (72)

سُورَةُ الْمَائِدَةِ (27)
صـ 456 إلى صـ 460


الأول : أن هذا لا يكفي في الدلالة على الخصوص ; لأن الأصل استواء الناس في الأحكام الشرعية إلا بدليل ، وقوله " نفلنيه " ليس بدليل ; لاحتمال أنه نفل كل من وجد قاطع شجر ، أو قاتل صيد بالمدينة ثيابه ، كما نفل سعدا ، وهذا هو الظاهر .

الثاني : أن سعدا نفسه روي عنه تعميم الحكم ، وشموله لغيره ، فقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود عن سليمان بن أبي عبد الله قال : " رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه ، فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم هذا الحرم ، وقال : " من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه " ; فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن إن شئتم أن أعطيكم ثمنه أعطيتكم " ، وفي لفظ : " من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه " ، وروى هذا الحديث أيضا الحاكم وصححه ، وهو صريح في العموم وعدم الخصوص بسعد كما ترى ، وفيه تفسير المراد بقوله : " نفلنيه " وأنه عام لكل من وجد أحدا يفعل فيها ذلك .

وتضعيف بعضهم لهذا الحديث بأن في إسناده سليمان بن أبي عبد الله غير مقبول ; لأن سليمان بن أبي عبد الله مقبول ، قال فيه الذهبي : تابعي موثق ، وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : مقبول .

والمقبول عنده كما بينه في مقدمة تقريبه : هو من ليس له من الحديث إلا القليل ، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، فهو مقبول حيث يتابع ، وإلا فلين الحديث ، وقال فيه ابن أبي حاتم : ليس بمشهور ، ولكن يعتبر بحديثه . اهـ .

وقد تابع سليمان بن أبي عبد الله في هذا الحديث عامر بن سعد عند مسلم ، وأحمد ، ومولى لسعد ، عند أبي داود ، كلهم عن سعد - رضي الله عنه - فاتضح رد تضعيفه مع ما قدمنا من أن الحاكم صححه ، وأن الذهبي قال فيه : تابعي موثق .

والمراد بسلب قاطع الشجر أو قاتل الصيد في المدينة أخذ ثيابه ، قال بعض العلماء : حتى سراويله .

والظاهر ما ذكره بعض أهل العلم من وجوب ترك ما يستر العورة المغلظة ، والله تعالى أعلم .

وقال بعض العلماء : السلب هنا سلب القاتل ، وفي مصرف هذا السلب ثلاثة أقوال :

[ ص: 457 ] أصحها : أنه للسالب كالقتيل ، ودليله حديث سعد المذكور .

والثاني : أنه لفقراء المدينة .

والثالث : أنه لبيت المال ، والحق الأول .

وجمهور العلماء على أن حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه ، أن قدره اثنا عشر ميلا من جهات المدينة لا يجوز قطع شجره ، ولا خلاه ، كما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يهش هشا رفيقا " أخرجه أبو داود والبيهقي ، ولم يضعفه أبو داود ، والمعروف عن أبي داود - رحمه الله - أنه إن سكت عن الكلام في حديث فأقل درجاته عنده الحسن .

وقال النووي في " شرح المهذب " بعد أن ساق حديث جابر المذكور : رواه أبو داود بإسناد غير قوي لكنه لم يضعفه . اهـ ، ويعتضد هذا الحديث بما رواه البيهقي بإسناده عن محمد بن زياد قال : " كان جدي مولى لعثمان بن مظعون ، وكان يلي أرضا لعثمان فيها بقل وقثاء ، قال : فربما أتاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نصف النهار ، واضعا ثوبه على رأسه يتعاهد الحمى ، ألا يعضد شجره ، ولا يخبط ، قال : فيجلس إلي فيحدثني ، وأطعمه من القثاء والبقل ، فقال له يوما : أراك لا تخرج من هاهنا ، قال : قلت : أجل ، قال : إني أستعملك على ما هاهنا فمن رأيت يعضد شجرا أو يخبط فخذ فأسه وحبله ، قال : قلت : آخذ رداءه ، قال : لا " وعامة العلماء على أن صيد الحمى المذكور غير حرام ; لأنه ليس بحرم ، وإنما هو حمى حماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخيل وإبل الصدقة والجزية ، ونحو ذلك .

واختلف في شجر الحمى ؛ هل يضمنه قاطعه ؟ والأكثرون على أنه لا ضمان فيه ، وأصح القولين عند الشافعية وجوب الضمان فيه بالقيمة ، ولا يسلب قاطعه ، وتصرف القيمة في مصرف نعم الزكاة والجزية .
المسألة الثالثة عشرة : اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد وج ، وقطع شجره ، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى : أكره صيد وج ، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم .

[ ص: 458 ] واختلفوا فيه على القول بحرمته ، هل فيه جزاء كحرم المدينة أو لا شيء فيه ؟ ولكن يؤدب قاتله ، وعليه أكثر الشافعية .

وحجة من قال بحرمة صيد وج ما رواه أبو داود ، وأحمد ، والبخاري في " تاريخه " ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " صيد وج محرم " الحديث .

قال ابن حجر في " التلخيص " : سكت عليه أبو داود ، وحسنه المنذري ، وسكت عليه عبد الحق ، فتعقبه ابن القطان بما نقل عن البخاري ، أنه لم يصح ، وكذا قال الأزدي .

وذكر الذهبي ، أن الشافعي صححه ، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه ، وقال ابن حبان في رواية المنفرد به ، وهو محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي ، كان يخطئ ، ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره ، فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف ، وقال العقيلي : لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف ، وقال النووي في " شرح المهذب " : إسناده ضعيف .

وذكر البخاري في " تاريخه " في ترجمة عبد الله بن إنسان : أنه لا يصح .

وقال ابن حجر في " التقريب " في محمد بن عبد الله بن إنسان الثقفي الطائفي المذكور : لين الحديث ، وكذلك أبوه عبد الله الذي هو شيخه في هذا الحديث قال فيه أيضا : لين الحديث ، وقال ابن قدامة في " المغني " في هذا الحديث في صيد وج : ضعفه أحمد ، ذكره الخلال في كتاب " العلل " ، فإذا عرفت هذا ظهر لك أن حجة الجمهور في إباحة صيد وج وشجره ، كون الحديث لم يثبت ، والأصل براءة الذمة ، ووج : بفتح الواو وتشديد الجيم ، أرض بالطائف ، وقال بعض العلماء : هو واد بصحراء الطائف ، وليس المراد به نفس بلدة الطائف ، وقيل : هو كل أرض الطائف ، وقيل : هو اسم لحصون الطائف ، وقيل : لواحد منها ، وربما التبس وج المذكور بوح بالحاء المهملة وهي ناحية نعمان .

فإذا عرفت حكم صيد المحرم ، وحكم صيد مكة والمدينة ووج مما ذكرنا ، فاعلم أن الصيد المحرم ، إذا كان بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم ، أو كان على غصن ممتد في الحل ، وأصل شجرته في الحرم ، فاصطياده حرام على التحقيق تغليبا [ ص: 459 ] لجانب حرمة الحرم فيهما .

أما إذا كان أصل الشجرة في الحل ، وأغصانها ممتدة في الحرم ، فاصطاد طيرا واقعا على الأغصان الممتدة في الحرم ، فلا إشكال في أنه مصطاد في الحرم ; لكون الطير في هواء الحرم .

واعلم أن ما ادعاه بعض الحنفية ، من أن أحاديث تحديد حرم المدينة مضطربة ; لأنه وقع في بعض الروايات باللابتين ، وفي بعضها بالحرتين ، وفي بعضها بالجبلين ، وفي بعضها بالمأزمين ، وفي بعضها بعير وثور ، غير صحيح لظهور الجمع بكل وضوح ; لأن اللابتين هما الحرتان المعروفتان ، وهما حجارة سود على جوانب المدينة ، والجبلان هما المأزمان ، وهما عير وثور والمدينة بين الحرتين ، كما أنها أيضا بين ثور وعير ، كما يشاهده من نظرها ، وثور جبيل صغير يميل إلى الحمرة بتدوير خلف أحد من جهة الشمال .

فمن ادعى من العلماء أنه ليس في المدينة جبل يسمى ثورا ، فغلط منه ; لأنه معروف عند الناس إلى اليوم ، مع أنه ثبت في الحديث الصحيح .

واعلم أنه على قراءة الكوفيين : فجزاء مثل الآية ، بتنوين " جزاء " ورفع مثل فالأمر واضح ، وعلى قراءة الجمهور فجزاء مثل بالإضافة ، فأظهر الأقوال أن الإضافة بيانية ، أي جزاء هو مثل ما قتل من النعم ، فيرجع معناه إلى الأول ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور ، وذلك في قوله : إذا اهتديتم [ 5 \ 105 ] ; لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد ، وممن قال بهذا حذيفة ، وسعيد بن المسيب ، كما نقله عنهما الألوسي في " تفسيره " ، وابن جرير ، ونقله القرطبي عن سعيد بن المسيب ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، ونقل نحوه ابن جرير عن جماعة من الصحابة ، منهم ابن عمر ، وابن مسعود .

فمن العلماء من قال : إذا اهتديتم ، أي : أمرتم فلم يسمع منكم ، ومنهم من قال : يدخل الأمر بالمعروف في المراد بالاهتداء في الآية ، وهو ظاهر جدا ولا ينبغي [ ص: 460 ] العدول عنه لمنصف .

ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد ، أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ 103 \ 1 ، 2 ، 3 ] ، فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل ، وقد دلت الآيات كقوله تعالى : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [ 8 \ 25 ] ، والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر ، عمهم الله بعذاب من عنده .

فمن ذلك ما خرجه الشيخان في " صحيحيهما " عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش - رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعا مرعوبا يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها ، فقلت : يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ ، قال : نعم إذا كثر الخبث " .

وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل القائم في حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا ، وهلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعا " ، أخرجه البخاري والترمذي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]