عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-09-2021, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,945
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نص المعارضة وإعادة إنتاج المعنى.. دراسة في معارضات الإحيائيين

ويتشابه النصان في المقدمة الغزلية. ولكنهما يختلفان في ما عدا ذلك ففي حين يصف المتنبي ارتحال الظعائن، ويطلب المجد ينتهي بمدح كافور (وهو غرض الأساسي) فإن البارودي يشكو الهوى والشيب والأصحاب، لينتهي إلى الفخر الذاتي (وهو غرض قصيدته) فلم يبق له إلا أن ينظم في الموضوعات الأثيرة لديها،المرتبطة بتربته الحياتيه المعمقة وما عاناه من غدر الأصدقاء،ومع اختلاف غرضي القصيدتين يلاحظ أن هناك حوار داخلى في المناطق المشتركة بينهما على نحو ما نراه في قول البارودي:



أطالبُ أيامى بما ليسَ عندَها

وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وُجْدُهُ






فهو صدى لقول المتنبي:



وأتعب خلق الله من زاد همه

وقصر عما تشتهي النفس وجده








ثم يعود الباروي للفخر الذاتي مستعينا بالاقتباس الصريح من النص الغائب:



وما أنا بالمغلوبِ دونَ مرامهِ

ولكنَّهُ قد يخذلُ المرءَ جهدهُ




وما أبتُ بالحرمانِ إلاَّ لأنَّنى

"أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ ما لا تَوَدُّهُ»








وإذا كان المتنبي يلح في قصيدته على أهمية المال ودوره في بناء مجد الإنسان حيث لامجد لمن قل ماله كتمهيد لمديح كافور، فإن تسامي البارودي يظهر في نأيه المطلق عنحديث المال، مع التركيز على ذاتيته فخرا وشكوى بصورة تبرز شخصيته في القصيدة.

وينبغي ملاحظة أن التحول في الصيغ والتراكيب أمر أساسي سواء أكان المعنى في البيت المعارض موافق أم مخالف لسابقه،إذ عليها المعول في التمييز بين البيتين،لذلك وجدنا حرصا من المعارضين على أن يبدءوا قصائدهم في كثير من الأحيان بأساليب وصياغات مخالفة لتلك التي في قصائد سابقيهم، ويظهر ذلك بصورة جلية في معارضات البارودي.لذلك كانت التراكيب والصيغ أقل مظاهر الاشتراك في نص المعارضة،ومن ذلك قول شوقي:



لك الله من مطعونة بقنا النوى

شهيدة حرب لم تقارف لها إثما








معارضا لقول المتنبي:



لك الله من مفجوعة بحبيبها

قتيلة شوق غير ملحقها وصما








فبيت شوقي السابق يذكرنا بما ضربه عبد القاهر في دلائله مثلا للسلخ،وذلك إذا عمد عامد إلى بيت شعر فوضع مكان كل لفظة لفظا في معناه،كمثل أن يقول في قوله:



دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي




ذر المآثر لا تذهب لمطلبها

واجلس فإنك أنت الآكل اللابس"[30]








برغم اختلاف ظرف الفقيدتين في القصيدتين، نلحظ أن الاشتراك في التراكيب هو الذي أظهر بيت وقي بهذه الصورة من التقليد الخالي من روح الشعر،وربما ارتبط ذلك بطبيعة نظرته للتراث باعتباره رصيدا جماعيا مشترك له الحق في الإفادة منه بطريقته.



وفي معارضته لأبي تمام نرى بعض التراكيب المكررة نصا من النص المعارض مثل "الدم السرب،الريح الأربع،القنا السلب،جحفل لجب....."وكلها من قبيل النعت وترتبط بنهايات الأبيات. وقس على ذلك قوله: إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى.



وقول المتنبي:إلى مثل ما كان الفتى مرجع الفتى.



مع ملاحظة أن الحركة الاسترجاعية في قول شوقي حركة خطية، في حين أنها دائرية في قول المتنبي، ومن ثم فهي أكثر دلالة على التكرار والمعاودة.



ثانيا على المستوى الثاني للمعاني(معنى المعنى)



من المعروف أن عبد القاهر في نظريته للمعنى جعل الكلام على ضربين:" ضرب تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده،...ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل "[31]،وقد أطلق على الضرب الأول مصطلح المعنى أو المعاني الأوائل وعلى الضرب الثاني معنى المعنى، وهو المقصود في هذا المستوى للنظر في مدى تعامل النص المعارض مع سابقه على مستوى معنى المعني أو التخييل. وتتمثل أهمية هذا المستوى في أنه أخص خصوصيات المبدع وبها يتم تميزه،لذا لا يستطيع النص المعارض الاستعانة بصورة ما من نص سابق بغير تصرف ما يحدثه في الصورة.ويمكننا لأن نتوقف عند بعض ظواهر التداخل التخييلي بين نص المعارضة باعتباره وسيلة من وسائل المعنى ولكن بصورة تجاوزية بالتركيز على المعنى لا على الوسيلة المنتجة له:

ومن ذلك ما نراه في معارضة البارودي للمتنبي:



أودّ من الأيام ما لا تودّهُ

وأشكو إليها بيننا وهي جُنْدُهُ








نجد أن تشخيص الأيام في بيت المتنبي أعطى الفاعلية لها بصورة تبرز مدى تضادها معه،وهو ما لا يتوافر في بيت البارودي:



رضيتُ من الدنيا بما لا أودُّه

ُ وأيُّ امرئ يقوى على الدهر زَنْدُهُ








فقد قام بتفريغ البيت المعارض من حيويته بإسناد الفعل لذاته في الشطر الأول وإن كان قد اصطنع صورة أخرى في الشطر الثاني،محدثا تنوعا في شطري البيت الذين يقومان على الخبر والإنشاء بخلاف بيت المتنبي القائم على العطف بصورة تبرز استمرارية مجابهة الأيام له.



فمن المعروف أن بناء لغة الشعر يقوم على الانحراف الذي يمثل الشرط الضروري لكل شعر،والشعر لا يحتفل بمجر أداء المعنى بل بشكل المعنى،فما بالك بمن نزع عن الشعر رداءه وأعادة إلى العادي من المعاني والأساليب.



وفي قول شوقي:



ومكانُ الكتابِ يُغريك ريّا

وردِِه غائبا،فتدنو للمسِ








نجد أن ظلال الصورة مستمدة من قول البحتري:



يَغْتَلى فِيهِم ارتيابيَ حَتَّى

تتقرَّاهُمُ يدايَ بِلَمْسِ








مع فارق كبير لصالح البحتري الذي حاول أن يستنفر جُماع أحاسيسه باللون والصوت والحركة واللمس.. ليُعيد إنتاج "الشكل" الإيقوني المادي لمعركة أنطاكية عبر تشكيل بَصَري- لفظي.مسندا التجربة لذاته، في حين كان انفصال شوقي عن التجربة باسناده الضمير للمخاطب جعله من فصلا عن التجربة بصورة توضح الفارق بين نص يقوم على تجربة واقعية وآخر يقوم على تجربة لغوية معارضة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]