عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-09-2021, 02:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة نقدية لآراء المرزباني في (الموشح) عن أبي العتاهية

أمَّا النَّوى - إن صحَّ التعبير - فلم يقع حِسِّي على شيءٍ منه لأبي العتاهية، غير هذا الذي أوردَه المرزباني في كتابه "الموشَّح"، والذي فَتَّشتُ عنه في "ديوان أبي العتاهية"، فلم أجِدْ مِمَّا أورده غير قوله:





يَا وَاهًا لِذِكْرِ اللَّ

هِ يَا وَاهًا وَيَا وَاهَا




لَقَدْ طَيَّبَ ذِكْرُ اللَّ

هِ بِالتَّسْبِيحِ أَفْوَاهَا[13]











إنَّ معظم شعره سهلٌ وذو قيمة.







وقد يكون في طبعه بعضُ صَنْعة، سواء فيما رُوِي له عن زُهْده، أو قَبْل ذلك.







لكن هذا لا يَجْعلنا نُسلِّم للمرزباني فيما قاله عنه، وكأنَّه يعمُّ غالب شعرِه بسخافة اللَّفظ وسَماجة المعنى، وهلْهَلَة النَّسْج، فيثور عليه، ثم ينقل لنا قول إبراهيم النَّحْوي عن محمد بن يزيد قوله: كان أبو العتاهية مع اقتدارِه في قول الشِّعر وسُهولته عليه يُكْثِر عثارَه، وتصاب سَقطاته، وكان يلحن في شِعرِه، ويَرْكَب جميع الأعاريض[14]، فهو وإن كان فيه بعضُ ذلك، فهذا لا يُبيح لنا أن نتصيَّدَ سقطاته، ونُسلِّط عليها الضَّوء؛ مِمَّا يُسيء إلى سمعة الرَّجُل كشاعرٍ بارز من شُعَراء العصر العبَّاسي الأول، هذا العصر المَلِيء بأفخم الشُّعراء وأعلاهم صيتًا.







والرِّواية التي نقَلَها المرزباني من عدَّة أوجُه عن أبي العتاهية، وهي قوله:





أَلاَ يَا عُتْبَةُ السَّاعَهْ

أَمُوتُ السَّاعَةَ السَّاعَهْ[15]











فإنَّ الرجل مُقِرٌّ بِضَعف هذا البيت وركاكَتِه، وإلاَّ لَما استَحْيا في الرِّواية التي نقلت عن الزُّبير بن بكَّار التي حدَّثَ بها محمد بن موسى عن محمد بن يحيى[16].







فكان واجب المرزباني على حاله مِن مكانةٍ عظيمة، ولكِتابه من شُهْرةٍ وصيت، أنْ يُنصِفَ الرَّجُل، فلا يذكر هذه الرِّوايات كلها وبعدَّة طرق؛ مِمَّا يُدخِل إلى النفس ما يدخل من ذمٍّ لِهَذا الشَّاعر بأيِّ صورةٍ كانت، خاصة أنَّه مالَ في آخر حياته إلى الزُّهد والتقَشُّف، وخالطَ بشاشة قلبه الورَعُ والتَّقوى، فكان يجدر أن يَذْكر هذه الرِّواية الأخيرة التي تنصُّ على استحياء الشَّاعر من البيت المذكور، وإن كان - ولا بدَّ - فاعلاً فلْيَبتدئ رأيه هو، ولا يَكْتفي بالنَّقل، وإن كان قد أغنانا بأمانته في نَقْلِها جَميعًا.







ورغم أنَّ المرزباني أنصفَ الشَّاعر بعض الشيء، واستحسنَ قوله:





حَلاَوَةُ عَيْشِكَ مَمْزُوجَةٌ

فَمَا تَأْكُلُ الشَّهْدَ إِلاَّ بِسُمّ[17]











إلا أنَّ استحسانه شبيهٌ بالاستِهْجان، وهو شهدٌ مَمْزوجٌ بِسُمٍّ من عدَّة أوجه:



الأوَّل: قوله: واستحسنَ قومٌ.. وهذا يَعْني أنَّه ليس منهم، وهو غير مُقرٍّ بِهذا.







الثاني: التعقيب عليه، وَلِي في هذا رأيٌ أَذْكره في حينه.







الثالث: أنَّ هذا النَّقد أو هذا التعقيب ذكَرَه الدكتور "منير سلطان" في كتابه "المرزباني والموشَّح" أنَّ صاحب هذا النصِّ أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمار، أبو العبَّاس الثقفي، وليس المرزباني، كما فَهِم ذلك الكثيرُ منهم، و"زكي مبارك" مستندًا إلى أنَّ المرزباني يلتزم بِتَصدير آرائه بـ: قال الشيخ أبو عبيدالله - رحمه الله تعالى - أما بقيَّة النُّصوص من الكتاب فهي مروِيَّات عن الآخرين، ولا تُمثِّل رأيه، وإلاَّ كان رأيُه هو رأْيَ العلماء والنُّحاة، والرُّواة والنُّقاد، وكل من أورد له نصًّا في الموشَّح[18].







الرابع: أيًّا ما كانت صحَّة النِّسبة للثَّقفي أو المَرْزباني، فإنَّ عبارة التَّعقيب التي تقول: "والعبارة غير مرضيَّة؛ لأنَّا لَم نرَ أحدًا أكلَ شهدًا بِسُم"، فهي في نظَرِهم ربَّما تُعَدُّ من الغموض، وأقول: هي صحيحةٌ لو كان بين الشَّطْرين أو الجملتين كمالُ انقِطاع، أو كان الشَّهد هو المادَّةَ المحسوسة (المعروفة)، والسمُّ كذلك.







لكنَّ الجملتَيْن كأنَّهما جملةٌ واحدة؛ لِكَمال الاتِّصال بينَهما، فما الشَّهد إلاَّ حلاوة العيش، وما السُّمّ إلاَّ أكدارُه، ولا بُدَّ في الحياة أن تَسير هكذا، ليسَتْ على وتيرةٍ واحدة، كما يقول الشَّافعيُّ:





الدَّهْرُ يَوْمَانِ ذَا أَمْنٌ وَذَا خَطَرُ

وَالعَيْشُ عَيْشَانِ ذَا صَفْوٌ وَذَا كَدَرُ[19]











وإلاَّ لتطرَّق الملل والسَّأمُ إلى نُفوسنا.







أمَّا بالنِّسبة لِمَأخذه على قول أبي العتاهية:





وَلَرُبَّمَا سُئِلَ البَخِي

لُ الشَّيْءَ لاَ يَسْوَى فَتِيلاَ











وقوله في مدح يزيد بن منصور:





وَاللهِ رِبِّ مِنًى وَالرَّاقِصَاتِ بِهَا

لَأَشْكُرَنَّ يَزِيدًا حَيْثُمَا كُنْتُ




مَا قُلْتُ فِي فَضْلِهِ شَيْئًا لِأَمْدَحَهُ

إِلاَّ وَفَضْلُ يَزِيدٍ فَوْقَ مَا قُلْتُ [20]











فإنَّه في مكانه، ففي القول الأوَّل مثلاً، فإنَّ الفعل (ساوى) مُضارِعُه (يساوي)، وليس (يَسْوى).







وفي القول الثاني فإنَّ العَلَم (يزيد) ممنوعٌ من الصرف؛ لعلتين، هما: العلَمِيَّة وشبَهُه بوزن الفعل، وقد نوَّنَه ثم جرَّه بكسر، وهذا خطأٌ نَحْوي فادح.







لكن هل غاب عن المرزبانِيِّ، وهو الَّذي قيل عنه: "أشعَرُ العلماء، وأعلم الشُّعراء" أنَّه يُباح للشعراء ما لا يباح لغيرهم من صَرْفِ ما لا يَنْصرف، أو قَصْر الممدود، أو مدِّ المقصور، وغير ذلك؟!







ولقد عَدَّ الدكتور "شوقي ضيف" كلَّ ما نثَرَه المرزبانيُّ من سقَطات، فهي إمَّا ضرورات شعريَّة رآها الشُّعراء، وإما لُغَات شاذَّة رأَوْها أيضًا في هذا الشِّعر، وظَنُّوا أنَّ مِن حقِّهم مجاراتَها، وإمَّا اشتقاقات وأبنية استحدَثوها على ضوء المقاييس اللغويَّة التي تلقَّوها[21].







ومِمَّا أُخِذ على المرزباني أنه يَسوق مآخِذَ بدون أن يتعقَّبَها بنقدٍ أو تَمْحيص، وأحيانًا يضيف إليها كلمةً صغيرة تعيِّن رأيه، وهذا واضحٌ فيما نقَلَه عن أحمد بن عمار[22] في أربعة مواضع لأبي العتاهية، منها:





يَا وَيْحَ قَلْبِي لَوَ انَّهُ أَقْصَرْ

مَا كَانَ عَيْشِي كَمَا أَرَى أَكْدَرْ











وقوله:





أَلاَ مَا لِسَيِّدَتِي مَا لَهَا

دَلاَلٌ؟ فَأَحْمِلَ إِدْلاَلَهَا[23]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]