
12-09-2021, 06:43 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (5)
من صــ 260 الى صــ 289
وسئل:
عن حديث نعيم المجمر قال: " كنت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم الكتاب حتى بلغ {ولا الضالين}.
قال: آمين وقال الناس: آمين ويقول: كلما سجد: الله أكبر فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم " وكان المعتمر بن سليمان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها ويقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حديث ثابت في الجهر بها. ذكر الحاكم أبو عبد الله: أن رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات. فهل يحمل {ما قاله أنس: وهو صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يذكر بسم الله الرحمن الرحيم} على عدم السماع؟ وما التحقيق في هذه المسألة والصواب؟.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، أما حديث أنس في نفي الجهر فهو صريح لا يحتمل هذا التأويل فإنه قد رواه مسلم في صحيحه فقال فيه: {صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها} وهذا النفي لا يجوز إلا مع العلم بذلك لا يجوز بمجرد كونه لم يسمع مع إمكان الجهر بلا سماع. واللفظ الآخر الذي في صحيح مسلم: {صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر أو قال: يصلي ببسم الله الرحمن الرحيم} فهذا نفي فيه السماع ولو لم يرو إلا هذا اللفظ لم يجز تأويله بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ جهرا ولا يسمع أنس لوجوه: أحدها: أن أنسا إنما روى هذا ليبين لهم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله إذ لا غرض للناس في معرفة كون أنس سمع أو لم يسمع إلا ليستدلوا بعدم سماعه على عدم المسموع فلو لم يكن ما ذكره دليلا على نفي ذلك لم يكن أنس ليروي شيئا لا فائدة لهم فيه ولا كانوا يروون مثل هذا الذي لا يفيدهم. الثاني: أن مثل هذا اللفظ صار دالا في العرف على عدم ما لم يدرك فإذا قال: ما سمعنا أو ما رأينا لما شأنه أن يسمعه ويراه كان مقصوده بذلك نفي وجوده وذكر نفي الإدراك دليل على ذلك.
ومعلوم أنه دليل فيما جرت العادة بإدراكه. وهذا يظهر (بالوجه الثالث وهو أن أنسا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى أن مات وكان يدخل على نسائه قبل الحجاب ويصحبه حضرا وسفرا وكان حين حج النبي صلى الله عليه وسلم تحت ناقته يسيل عليه لعابها أفيمكن مع هذا القرب الخاص والصحبة الطويلة أن لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها مع كونه يجهر بها هذا مما يعلم بالضرورة بطلانه في العادة. ثم إنه صحب أبا بكر وعمر وعثمان وتولى لأبي بكر وعمر ولايات ولا كان يمكن مع طول مدتهم أنهم كانوا يجهرون وهو لا يسمع ذلك فتبين أن هذا تحريف لا تأويل. لو لم يرو إلا هذا اللفظ فكيف والآخر صريح في نفي الذكر بها وهو يفضل هذه الرواية الأخرى. وكلا الروايتين ينفي تأويل من تأول قوله: يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أنه أراد السورة فإن قوله: يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية لا بسورة الفاتحة التي أولها بسم الله الرحمن الرحيم إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه.
وأيضا فإن افتتاح الصلاة بالفاتحة قبل السورة هو من العلم الظاهر العام الذي يعرفه الخاص والعام كما يعلمون أن الركوع قبل السجود وجميع الأئمة غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان يفعلون هذا ليس في نقل مثل هذا فائدة ولا هذا مما يحتاج فيه إلى نقل أنس وهم قد سألوه عن ذلك وليس هذا مما يسأل عنه وجميع الأئمة من أمراء الأمصار والجيوش وخلفاء بني أمية وبني الزبير وغيرهم ممن أدركه أنس كانوا يفتتحون بالفاتحة ولم يشتبه هذا على أحد ولا شك؛ فكيف يظن أن أنسا قصد تعريفهم بهذا وأنهم سألوه عنه. وإنما مثل ذلك مثل أن يقال: فكانوا يصلون الظهر أربعا والعصر أربعا والمغرب ثلاثا أو يقول: فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر ويخافتون في صلاتي الظهرين أو يقول: فكانوا يجهرون في الأوليين دون الأخيرتين. ومثل حديث أنس حديث عائشة الذي في الصحيح أيضا {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين} إلى آخره وقد روى {يفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين} وهذا صريح في إرادة الآية؛ لكن مع هذا ليس في حديث أنس نفي لقراءتها سرا؛ لأنه روى " فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " وهذا إنما نفى هنا الجهر.
وأما اللفظ الآخر " لا يذكرون " فهو إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتفائه وذلك موجود في الجهر فإنه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا.
وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن له بين التكبير والقراءة سكتة يمكن فيها القراءة سرا؛ ولهذا استدل بحديث أنس على عدم القراءة من لم ير هناك سكوتا كمالك وغيره؛ لكن قد ثبت في الصحيحين من {حديث أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: كذا وكذا} إلى آخره. وفي السنن من حديث عمران وأبي وغيرهما: أنه كان يسكت قبل القراءة. وفيها أنه كان يستعيذ وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسا أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت فيكون نفيه للذكر وإخباره بافتتاح القراءة بها إنما هو في الجهر وكما أن الإمساك عن الجهر مع الذكر سرا يسمى سكوتا كما في حديث أبي هريرة فيصلح أن يقال: لم يقرأها ولم يذكرها؛ أي جهرا؛ فإن لفظ السكوت ولفظ نفي الذكر والقراءة: مدلولهما هنا واحد.
ويؤيد هذا {حديث عبد الله بن مغفل. الذي في السنن: أنه سمع ابنه يجهر بها فأنكر عليه وقال: يا بني إياك والحدث وذكر أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يجهرون بها} فهذا مطابق لحديث أنس وحديث عائشة اللذين في الصحيح.
وأيضا فمن المعلوم أن الجهر بها مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها كالجهر بسائر الفاتحة لم يكن في العادة ولا في الشرع ترك نقل ذلك بل لو انفرد بنقل مثل هذا الواحد والاثنان لقطع بكذبهما إذ التواطؤ فيما تمنع العادة والشرع كتمانه كالتواطؤ على الكذب فيه. ويمثل هذا بكذب دعوى الرافضة في النص على علي في الخلافة وأمثال ذلك.
وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ليس في الجهر بها حديث صريح ولم يرو أهل السنن المشهورة: كأبي داود والترمذي والنسائي شيئا من ذلك وإنما يوجد الجهر بها صريحا في أحاديث موضوعة يرويها الثعلبي والماوردي وأمثالهما في التفسير. أو في بعض كتب الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره بل يحتجون بمثل حديث الحميراء.
وأعجب من ذلك أن من أفاضل الفقهاء من لم يعز في كتابه حديثا إلى البخاري إلا حديثا في البسملة وذلك الحديث ليس في البخاري ومن هذا مبلغ علمه في الحديث كيف يكون حالهم في هذا الباب أو يرويها من جمع هذا الباب: كالدارقطني والخطيب وغيرهما فإنهم جمعوا ما روي وإذا سئلوا عن صحتها قالوا: بموجب علمهم.
كما قال الدارقطني لما دخل مصر. وسئل أن يجمع أحاديث الجهر بها فجمعها قيل له: هل فيها شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف. وسئل أبو بكر الخطيب عن مثل ذلك فذكر حديثين حديث معاوية لما صلى بالمدينة وقد رواه الشافعي رضي الله عنه قال: حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره.
أن أنس بن مالك قال: صلى معاوية بالمدينة فجهر فيها بأم القرآن فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا.
وقال الشافعي أنبأنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار: أي معاوية؟ سرقت الصلاة؟ وذكره. وقال الشافعي أنبأنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده عن معاوية والمهاجرين والأنصار بمثله أو مثل معناه لا يخالفه وأحسب هذا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول وهو في كتاب إسماعيل ابن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده عن معاوية. وذكر الخطيب أنه أقوى ما يحتج به وليس بحجة كما يأتي بيانه.
فإذا كان أهل المعرفة بالحديث متفقين على أنه ليس في الجهر حديث صحيح ولا صريح فضلا أن يكون فيها أخبار مستفيضة أو متواترة امتنع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها كما يمتنع أن يكون كان يجهر بالاستفتاح والتعوذ ثم لا ينقل.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|