عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-09-2021, 07:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,837
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إمامُ الأخلاق صلى الله عليه وسلم

أيُّ تقديسٍ للحق أيُّ احترامٍ للحياة والأحياء؟




كَمالُ خَلائِقٍ وكمالُ خَلقٍ
ومَا شَغلَ الهواجسَ كالكمالِ




وصدق الله: ï´؟ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ï´¾ [آل عمران: 164].








فإذا كتاب الله أثنى مفصحًا
كان القصورُ قصارَ كل فصيح




والله، وبالله، وتالله، لا نعرف أحدًا كمَّله الله بكل فضيلة، ونزَّهه عن كل رذيلة، مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم!




فلن ترى في وصفه مثيلًا
مستوجبًا ثنائي الجميلا





ما فضيلةٌ إلا وهي صفته، وإتمام مكارم الأخلاق مـن مَهمة بعثته.



سئلت أُمُّنا عائشة رضي الله عنها عن خُلُقه، فقالت: «كان خلقُه القرآن»[3]، ما خُلٌق سَنِيٌّ دعا القرآن له إلا كان أولَ عامل به، وداع إليه، وما خُلُق سيئٍ حذَّر منه القرآنُ إلا كان أولَ مجتنبٍ له، ومحذرٍ منه، وحالُه: ï´؟ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ï´¾ [هود: 88].



في وجهه قسماتٌ قد دللن على *** ما ضَمَّهُ القلبُ من أخلاقِ قرآن


كان صلى الله عليه وسلم أرجحَ الناس عقلًا، وأفضلَهم رأيًا، وأعظمَهم ذكاءً، ما عقول الأذكياء في جنْب عقله إلا كحبة رمل بين رمال الدنيا، وحسبه قول المولى: ï´؟ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 113].


ولقد قرَّبه الله وحباه، واصطفاه واجتباه، وزكَّاه وكفاه، زكَّاه في عقله فقال: ï´؟ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ï´¾ [النجم: 2]، وزكَّاه في نُطقه، فقال:ï´؟ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ï´¾ [النجم: 3]، وفي استقامته، فقال: ï´؟ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ï´¾ [النجم: 4]، وفي جليسه، فقال: ï´؟ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ï´¾ [النجم: 5]، وزكَّى فؤاده، فقال: ï´؟ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ï´¾ [النجم: 11]، وزكَّاه في بصره، فقال: ï´؟ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ï´¾ [النجم: 17]، وزكَّاه في صدره، فقال: ï´؟ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ï´¾ [الشرح: 1]، وفي مكانته، فقال: ï´؟ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ï´¾ [الشرح: 2]، وزكَّاه في ذِكره، فقال: ï´؟ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ï´¾ [الشرح: 4]، وزكَّاه في حلمه، فقال: ï´؟ بالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 128]، وزكَّاه كلَّه، فقال: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 107]، وتوَّجَه بتاج الكمال، ووسام الشرف، فقال:ï´؟ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ï´¾ [القلم: 4].


فَلَو سُئلَتْ كلُّ الفضائل في الورَى
لمن تنتمي؟ ما أصلُها؟ أين توجدُ؟



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفروا الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية



الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.







أما بعد:



فيقول مستشرق لم يَملك نفسَه أمام تلك العظمة: «ما أحوجَنا اليوم إلى رجُلٍ كمحمَّد! يحلُّ مشاكل العالم وهو يَحتسي فنجان قهوة»[4].







نعم، فالشَّمس ليس تجلِّيها بمجحودٍ، فلو لم يكن بالوحي خيرَ الأنبياء، لكان بسيرته وخُلُقه أعظمَ العُظماء، فقد جُمِعَت فيه الخصال المفرَّقة



تفيض كفيْض الديمة المتدفِّقة







تردُّ خليَّات القلوب مشوقةً



وتهمي على فرع الأراك مطوّقة



وما كلِمي إلاَّ إليْها موجَّهٌ



وما هِمَّتي إلاَّ بها متعلقة



وإنِّي وإن أسْهبتُ لستُ ببالغٍ *** مداها ولو نازَعْتُ سَحبانَ منطِقَه



كان صلى الله عليه وسلم عظيمَ الأخلاق، كريم السجايا، مُهَذَّب الطِّباع، نقيَّ الفِطرَة، يقظ المشاعر، مشبوب الفؤاد، جَمَّ الحياء، حَيَّ العاطفة، جميل السِّيرة، طاهر السريرة، أُلبس إِهابَ الهَيبة، وتُوِّج تاجَ السِّيادة، وضُمِّخ بأذكى خَلوقٍ أذكى الأخلاق، وأُحِلَّ دارَ المُدَاراة، وأُعطِيَ لقطع مفازة الدنيا جَوادَ الجُودِ، فهو هلالُ شهرِ الكمال، وأميرُ جيشَ الجود، ورُوحُ جُثمانِ الكون، وحشاشةُ نفسِ الملكة[5].


مكانُك مِن قلبي وعيني كلاهما
مكانُ السُوَيدَا من فؤادي وأقربُ


وذِكْرُك في نفسي وإنْ شفَّها الظَّما
ألذُّ من الماء الزلالِ وأعذبُ









إي واللهِ، وبالله، وتالله!



دماءٌ مزجناها بحبِّ محمدٍ *** وأكبادُنا من شوقها تتوقدُ





فاللهم ارزُقنا الشوقَ إلى لقياه، وشرفَ محبته والذبِّ عنه، وعن سُنَّتِه في الدنيا، وشرفَ جِواره والقربِ منه والشُّرب من حَوضه في الآخرة.







يقول صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ»[6].







وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»؟[7].







وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْروٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاقًا»[8].








فَأَسْعَدُ أَهْلِ الأَرْضِ تَابِعُ خَطْوِهِ
وَمَنْ زَاغَ عَنْهُ هَالِكٌ فِي الهَوَالِكِ




كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا»، فَقَالَ لَهُمْ: «اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ»، فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: «فَاشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ، أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً»[9].

وفي رواية: فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: «أَعْطُوهُ»، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً»[10].


نفسي وما ملكت يدي
والوالدان له فدا




وعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهُوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيِّ ادْعُ لِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَقَالَ: يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ، فَدَعَوْتُهُ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ، هَذَا لَكَ»، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «رَضِيَ مَخْرَمَةُ»[11].

بمديحِهِ العَطِرِ المُنيفِ تَعَطَّرَتْ
وتطهَّرَتْ وتنوَّرْتَ أوْزَانِي




كان صلى الله عليه وسلم يعودُ المريض، ويُجيب دعوةَ المملوك، ويجلسُ على الأرض، ويَلبَسُ الخشِن، ويأكلُ البشع، ويَبيتُ اللياليَ طاويًا، يتقلبُ في قفرِ الفقر، ولسانُ الحال يناديه: يا محمد، نحن نَضِنُّ بك عن الدنيا، لا بها عنك.









إذا قيل فيك الشِّعْرُ جاء مُهَذَّبًا
جَليَّ المعاني ليس فيه عَويصُ





فهنيئًا لـ ï´؟ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ï´¾ [الأعراف: 157].



صلى عليه ربُّنا وسلَّما *** ما استقبلتْ أوديةٌ غيثَ السما




ï´؟ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ï´¾ [النور: 54].









فكُن في اتّباع المصطفى مثل عصبةٍ
وراء خبيرٍ في مُلَغَّم بقعةِ


فمن ينحرفْ يردَ ومن يتبعْ يفُزْ
وبين الردى والفوز زحفٌ بخطوةِ





ï´؟ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ï´¾ [الأحزاب: 21].








صلاح القدوة صلاح الأتباع، وإن صلَحت العين صلَح سواقيها.



وإنْ رشد المربِّي كان موسى *** وإنْ هو ضل كان السامريا





ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار.







ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا وسِعت كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهمْ عذابَ الجحيم.







اللهم أقلْ عثراتنا، واغفِر زلاتنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.







[1] أخرجه ثعلب في المجالس ص (78).



[2] رواه البخاري في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، باب حسن الخلق والسخاء، وما يُكره من البخل (8/ 13).


[3]أخرجه أحمد في مسنده، من حديث سعد بن هشام (42/ 183، 43/ 15)، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.


[4] موسوعة الغزو الفكري والثقافي وأثره على المسلمين (10/ 218).


[5] موافق المرافق لابن الجوزي ص (91).


[6] رواه البخاري في صحيحه (3557)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 189).


[7] رواه البخاري في صحيحه (6031)، باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا (8/ 13).


[8] رواه البخاري في صحيحه (3559)، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 189).


[9] رواه مسلم في صحيحه (1601)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب من استسلف شيئًا، فقضى خيرًا منه، وخيركم أحسنكم قضاءً (3/ 1225).


[10] رواه البخاري في صحيحه (2305)، باب وكالة الشاهد والغائب جائزة (3/ 99).



[11] مجموع الحديث جاء في روايات للبخاري في صحيحه، الأولى (5862)، باب المزرر بالذهب (7/ 155)، والثانية (2657)، باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه (3/ 172)، والثالثة (2599)، باب كيف يقبض العبد والمتاع (3/ 160).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]