
09-09-2021, 05:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,719
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (54)
سُورَةُ الْمَائِدَةِ (9)
وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْهُ ، وَلَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِرِوَايَةِ خَالِدٍ ، وَقِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْهُ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، وَقِيلَ عَنْهُ بِإِسْقَاطِ [ ص: 366 ] الْوَاسِطَةِ ، وَقِيلَ فِي الْوَاسِطَةِ مِحْجَنٌ ، أَوِ ابْنُ مِحْجَنٍ ، أَوْ رَجَاءُ بْنُ عَامِرٍ ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، وَكُلُّهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كُلُّهُ عَلَى أَيُّوبَ ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَبُو حَاتِمٍ ، وَمَدَارُ طَرِيقِ خَالِدٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ ، وَغَفَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَقَالَ : إِنَّهُ مَجْهُولٌ ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ " .
وَقَالَ فِي " التَّقْرِيبِ " فِي ابْنِ بُجْدَانَ الْمَذْكُورِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ ، تَفْرَّدَ عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ : " الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ . وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ " .
وَقَالَ : لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُطَوَّلًا ، أَخْرَجَهُ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ ، وَسَاقَ فِيهِ قِصَّةَ أَبِي ذَرٍّ ، وَقَالَ : لَمْ يَرَوْهُ إِلَّا هِشَامٌ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، وَلَا عَنْ هِشَامٍ إِلَّا الْقَاسِمُ ، تَفَرَّدَ بِهِ مُقَدَّمُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ ، لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ : إِنَّ إِرْسَالَهُ أَصَحُّ ، انْتَهَى مِنَ التَّلْخِيصِ بِلَفْظِهِ ، وَقَدْ رَأَيْتُ تَصْحِيحَ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتِّرْمِذِيِّ ، وَأَبِي حَاتِمٍ ، وَابْنِ الْقَطَّانِ ، وَابْنِ حِبَّانَ .
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْهُ قَوْلُهُ : " فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشْرَتَهُ " ; لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ رَفَعَهَا ، لَمَا احْتِيجَ إِلَى إِمْسَاسِ الْمَاءِ الْبَشَرَةَ .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ : بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : " وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا " ، وَبِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ آنِفًا : " التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ " ، وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ الْآيَةَ ، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ بِهِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَاءِ بِهِ ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنَ التَّنَاقُضِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - : الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْأَدِلَّةِ تَعَيُّنُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ ; لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ تَنْتَظِمُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ مَتَى أَمْكَنَ ، قَالَ فِي " مَرَاقِي السُّعُودِ " : [ الرَّجَزُ ]
[ ص: 367 ] وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ مَتَى مَا أَمْكَنَّا إِلَّا فَلِلْأَخِيرِ نَسْخٌ بُيِّنَا
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ هُوَ : أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ رَفْعًا مُؤَقَّتًا لَا كُلِّيًّا ، وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ الْمَجْمَعَ عَلَيْهَا يَلْزَمُهَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ غَيْرُ مُحْدِثٍ ، وَلَا جُنُبٍ لُزُومًا شَرْعِيًّا لَا شَكَّ فِيهِ .
وَوُجُوبُ الِاغْتِسَالِ أَوِ الْوُضُوءِ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ إِمْكَانِهِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ أَيْضًا يَلْزَمُهُ لُزُومًا شَرْعِيًّا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَأَنَّ الْحَدَثَ مُطْلَقًا لَمْ يَرْتَفِعْ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَيَتَعَيَّنُ الِارْتِفَاعُ الْمُؤَقَّتُ . هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : " صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ " ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ وَقْتَ عَامِلِ الْحَالِ هُوَ بِعَيْنِهِ وَقْتُ الْحَالِ ، فَالْحَالُ وَعَامِلُهَا إِذًا مُقْتَرِنَانِ فِي الزَّمَانِ ، فَقَوْلُكَ : جَاءَ زَيْدٌ ضَاحِكًا مَثَلًا ، لَا شَكَّ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَجِيءِ فِيهِ هُوَ بِعَيْنِهِ وَقْتُ الضَّحِكِ ، وَعَلَيْهِ فَوَقْتُ صَلَاتِهِ ، هُوَ بِعَيْنِهِ وَقْتُ كَوْنِهِ جُنُبًا ; لِأَنَّ الْحَالَ هِيَ كَوْنُهُ جُنُبًا وَعَامِلُهَا قَوْلُهُ " صَلَّيْتَ " ، فَيَلْزَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْجَنَابَةَ مُتَّحِدٌ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَالَ الْمُقَدَّرَةَ لَا تُقَارِنُ عَامِلَهَا فِي الزَّمَانِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [ 39 \ 73 ] ; لِأَنَّ الْخُلُودَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ زَمَنِ الدُّخُولِ أَيْ مُقَدِّرِينَ الْخُلُودَ فِيهَا ; لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ .
فَالْمُقَارَنَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَامِلِهَا فِي الزَّمَنِ لَا شَكَّ فِيهَا ، وَإِذَا كَانَتِ الْجَنَابَةُ حَاصِلَةٌ لَهُ فِي نَفْسِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ ، فَالرَّفْعُ الْمُؤَقَّتُ الْمَذْكُورُ لَا يَسْتَقِيمُ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : " وَأَنْتَ جُنُبٌ " ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ عُذْرَهُ بِخَوْفِهِ الْمَوْتَ إِنِ اغْتَسَلَ .
وَالْمُتَيَمِّمُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مُبِيحٍ جَنُبٌ قَطْعًا ، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمَ عُذْرَهُ الْمُبِيحَ لِلتَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ خَوْفُ الْمَوْتِ أَقَرَّهُ وَضَحِكَ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ غَيْرُ جُنُبٍ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْوَجْهِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجَنَابَةِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ غَيْرُ جُنُبٍ ، كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْعَصِيرِ فِي وَقْتٍ هُوَ فِيهِ لَيْسَ بِخَمْرٍ فِي [ ص: 368 ] قَوْلِهِ : إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [ 12 \ 36 ] ، نَظَرًا إِلَى مَآلِهِ فِي ثَانِي حَالٍ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ ، هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْ لَا ؟ جَوَازُ وَطْءِ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ ، وَصَلَّتْ بِالتَّيَمُّمِ لِلْعُذْرِ الَّذِي يُبِيحُهُ ، فَعَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ .
وَكَذَلِكَ إِذَا تَيَمَّمَ وَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ ، فَعَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ .
وَكَذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ بِالتَّيَمُّمِ ، لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ ، وَبَعْدَهُ عَلَى خِلَافِهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ فَرِيضَتَانِ أَوْ لَا ؟ .
ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِهِ فَرِيضَتَانِ ، أَوْ فَرَائِضُ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَالزُّهْرِيُّ .
وَذَهَبَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَا تُصَلَّى بِهِ إِلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ ; وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَقَتَادَةَ ، وَرَبِيعَةَ ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ ، وَاللَّيْثِ ، وَإِسْحَاقَ ، وَغَيْرِهِمْ .
وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي التَّيَمُّمِ ، لَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِفَرْضٍ وَاحِدٍ ، وَظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ ، وَبِحَدِيثِ : " الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ " الْحَدِيثُ ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ : " وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا " ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [ 5 \ 6 ] .
وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ عَنْهُمَا ، أَنَّهُ قَالَ : مِنَ السُّنَّةِ أَلَّا يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا مَكْتُوبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْأُخْرَى ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ [ ص: 369 ] لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُحْدِّثِينَ ، وَالْأُصُولِيِّينَ ، أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ ، وَالْحَسَنُ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : مَتْرُوكٌ ، وَقَالَ فِيهِ مُسْلِمٌ ، فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : قَالَ لِي شُعْبَةُ : ائْتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ ، فَقُلْ لَهُ : لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ ، فَإِنَّهُ يَكْذِبُ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمَّا سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ : الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، اهـ . وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَجَلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ ، أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَرَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ قَالَ : وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - : وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى إِجْمَاعًا سُكُوتِيًا ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَكِنَّ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَسَكَتَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ فِي " التَّلْخِيصِ " ، " وَالْفَتْحِ " ، تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ عَامِرًا الْأَحْوَلَ ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَقِيلَ : لَمْ يَسْمَعْ مِنْ نَافِعٍ ، وَضَعَّفَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ حَزْمٍ وَنَقَلَ خِلَافَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " الْفَتْحِ " : بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ : لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا ، وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ .
وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَرَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَالْبَيْهَقِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ ، وَهَذَا فِيهِ إِرْسَالٌ شَدِيدٌ بَيْنَ قَتَادَةَ ، وَعَمْرٍو ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّلْخِيصِ " ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى " وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَرَوَاهُ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ وَالْحَارِثُ الْأَعْوَرُ ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الْكُبْرَى " بِالْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْمَذْكُورَانِ .
أَمَّا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : صَدُوقٌ ، كَثِيرُ الْخَطَأِ ، وَالتَّدْلِيسِ ، وَأَمَّا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ فَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رَأْيِهِ ، وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ ، وَفِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ ، وَقَالَ فِيهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا جَابِرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ [ ص: 370 ] الْهَمْدَانِيُّ ، وَكَانَ كَذَّابًا ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُفَضَّلٍ عَنْ مُغِيرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ فِي التَّيَمُّمِ ، فِي بَابِ : " التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ " وَسَكَتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْمَذْكُورِينَ ، أَعْنِي حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَأَةَ ، وَالْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي حَجَّاجٍ فِي بَابِ " الْمَنْعِ مِنَ التَّطْهِيرِ بِالنَّبِيذِ " : لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَضَعَّفَهُ فِي بَابِ : " الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ " ، وَقَالَ فِي بَابِ : " الدِّيَةِ أَرْبَاعٌ " : مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ ، وَأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَضَعَّفَ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ فِي بَابِ : " مَنْعِ التَّطْهِيرِ بِالنَّبِيذِ أَيْضًا " .
وَقَالَ فِي بَابِ : " أَصْلِ الْقَسَامَةِ " ، قَالَ الشَّعْبِيُّ : كَانَ كَذَّابًا .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : إِذَا كَانَ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ ، هَلْ يَتَيَمَّمُ لِطَهَارَةِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ الْكَائِنَةِ فِي بَدَنِهِ . فَيَكُونُ التَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ طَهَارَةِ الْخَبَثِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ ، أَوْ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا ؟ .
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَنِ الْخَبَثِ ، وَإِنَّمَا يَتَيَمَّمُ عَنِ الْحَدَثِ فَقَطْ . وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إِنَّمَا دَلَّا عَلَى ذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ : أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [ 4 \ 43 ] .
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا : التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْجَنَابَةِ ، وَأَمَّا عَنِ النَّجَاسَةِ فَلَا ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَنِ النَّجَاسَةِ إِلْحَاقًا لَهَا بِالْحَدَثِ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ .
وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ ، وَيُصَلِّي ، نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ [ الْآيَةَ [ 5 \ 15 ] ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيرِ الَّذِي يُبَيِّنُهُ لَهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ، يَعْنِي التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَبَيَّنَ كَثِيرًا مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ .
فَمِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ رَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ ، وَبَيَّنَهُ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ [ 3 \ 23 ] .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|