عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-09-2021, 03:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,379
الدولة : Egypt
افتراضي الطرق السليمة في نشر اللغة العربية

الطرق السليمة في نشر اللغة العربية
د. ريمه الخاني




إن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق، ولأسرار وحكم يعلمها خالقُ البشر والقوى، اختارَ هذه اللغة وعاءً لكتابه الخالد؛ كما أشار إليه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وكانت اللغة العربية قد بَلَغت قبل البَعثة المحمَّدية أوج كمالها في التعبير البليغ السامي عن جميع مقومات الحياة، وأوج مجدها في الفصاحة والنتاج الأدبي؛ شعرًا ونثرًا، وظهرت روائع إنتاجها في الأشعار والأمثال والقصص.

ومع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها، وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمين، وإن للغة العربية فضلًا كبيرًا على نشر حضارة الفكر العربي الإسلامي، وتَقدُّم العلوم والفنون والآداب المختلفة، ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلُّها، كما ظهرت علوم اللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة التي كانت أساسًا لتفسير نصوص القرآن وفَهمها، ومن أجله أيضًا ظهرت علوم منهجِيَّة؛ مثل علوم التاريخ والأخبار والأسانيد وغيرها، كما تقدَّمت - تطبيقًا لتعاليم القرآن - علومٌ كثيرة؛ مثل الرحلات والجغرافيا والسِّيَر، واستُحدِثَت علوم الطب والكيمياء والاجتماع... وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن؛ مثل التجويد والتلاوة، إلى جانب علوم عديدة إسلامية.

ويتضح من هذا كلِّه مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به من قوة بيانها، وأصالة ألفاظها وأصواتها، وموسيقا كلماتها، ووفرة معانيها، ولمَّا كانت العلوم الإسلامية كلُّها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية، فيَجِب اغترافُها من مناهلها الفيَّاضة الأصلية؛ ألا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي، فلا يتحقَّق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية التي هي وعاؤهما الأصلي، وإذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن؛ إذ جاء فيه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، و ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، و﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

وإن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية؛ لما فيها من معانٍ سامية ومفاهيمَ أصيلة، وإذا قُدِّمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمةً إلى اللغات الأجنبية، فستفتقد روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن، وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية.

ومن ناحية أخرى، إن نشر اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التي تُساعِد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية؛ لأنها تحملُ في طَيَّاتها القيم الروحيَّة التي يمنحها الإسلام لكل مسلم، كما تكمن فيها روح الأُلفة والمودة والأخوّة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق، ومنح الله سبحانه وتعالى المسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض؛ بحيث يسعى كل مسلم ليقرأها ويفهمها، بل يتحدث بها، وإنها أيضًا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية.

ومن هنا يمكن أن نقول: إن اللغة العربية تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي؛ لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي، وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية، وإن اللغة العربية - بطاقتها وتراثها - لَجديرةٌ بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان، وعونًا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعاتها، وإن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورًا هامًّا في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي يمر بها العالم العربي والإسلامي[1].

محاور الموضوع:
1- لماذا نحتاج للتجديد في تعليم اللغة العربية؟
2- جولة سريعة في الطرق التعليمية السريعة الآن.
3- الطريقة الفضلى في تعليم العربية.
• • •

1- لماذا نحتاج للتجديد في تعليم اللغة العربية؟
حقيقة، واجهنا دعوات كثيرة، تدفع للتفكير في طرق تعليمية جديدة للعربية.

كانت من قِبل ماليزيا والهند وبلدان الخليج على عمومها، ولعل الدعوة نعتبرها ناقصة؛ لأنها على نفقة الباحث والأكاديمي الذي سيجتهد لتقديم الدراسة المطلوبة، كما تفضل الدكتور بهجت قبيسي[2]، مستغرِبًا توقيتها، في زمن محرج، وفي وقت تسيل فيه الدماء العربية.

كيف نحافظ على كتاب قطعت اليد التي تمسك به مثلًا؟
باختصار يهمنا عبر تلك الدراسة طريقة تدريس اللغة العربية عمومًا، وكيف نجعلها متطورة بتطور العصر والتفكير العصري.

2- جولة سريعة في الطرق التعليمية السريعة الآن:
حقيقة، تجتهد بلدان الغرب لتطوير تعليم اللغة بتلقائية وعفوية وعصرية فائقة، وخاصة الإنكليزية، بحيث تجمع بين القراءة والكتابة والسماع والحوار.

وهو الأسلوب الفعال الذي يقوم عليه تعليم أي لغة، ولعل العيب الذي يكرس قصور نشرها خللٌ في توازن عناصرها تعليميًّا، وبذات الوقت، مدى احترام الشعوب المرتبطة باللغة أيضًا، فالبلاد الضعيفة لن تفكر بتعلم لغتها، بل لو فكرت يومًا ستبحث عن سبب وجيه لذلك.

سبب علمي، سبب سياسي، سبب اجتماعي، سبب ديني؛ فالسبب الأول هو للوصول لاختصاص علمي فكري ما، والثاني لأن الدولة الفلانية قوية؛ يمكنها أن تقدم عروضَ عمل جيدة، أو لسبب اجتماعي، كاللجوء، وديني كالشعوب الأخرى المسلمة التي تتعلم العربية؛ بُغية الإلمام بلغة القرآن، (رغم أن هناك من يحفظه بلا معرفة لما وراء ذلك).

ولعلنا نستشهد بمحاولات حول ذلك كانت بسيطة وهامة، وجدناها في صفحات مدرسين من مصر، وهي التعليم الصوري؛ بحيث نستثمر الخارطة الذهنية في البرمجة اللغوية العصبية ونقدم مخطَّطًا لكل قاعدة نحوية.
• • •

اجتهادات المدرسين:

لقد اطَّلعنا على اجتهادات المدرسين في القطر المصري الشقيق؛ حيث وجدنا أنهم قسموا تعليم القراءة إلى هجائي وصوري، وجزئي وكلي، ولعل الجزئي يعني الأبجدي، كما كان قديمًا في الكُتَّاب، أو التعليم في المسجد، والكُلِّي الذي يعتمد على الصورة.

والاستنتاج، وما خلصنا إليه من خلال سماعنا لما يتردد في حديث المعلمين، أن الثاني أكثرُ متعة وأقلُّ دقة، والأول أكثر دقة وأقل متعة، والسؤال هنا كيف نجمع بين حسنات الاثنين؟[3]

لعلنا وجدنا - من خلال بعض الممارسة العملية - أنه يمكننا الجمع بين الطريقتين، بحيث يتعلم الطالب الأحرف، ويطبق من خلال الصور معرفتها صوريًّا وكتابة ومكانًا... إلخ؛ وذلك - كما أسلفنا - للجمع بين المتعة والفائدة.

وهذا يُشبه - إلى حد ما - الجمع ما بين التعليم الحواري الذي يعتمد الأسئلة المؤتمتة[4]، والتعليم السَّرْدِيِّ الذي يرتكز على كمِّ الحفظ الذي حصل عليه الطالب، وقوة الذاكرة ومرانها.

ولعل الجمع بين النمطين هام جدًّا، وذلك لأن لكل مادة طريقتها الخاصة في الدراسة، فالمواد الأدبية والتاريخية... إلخ، تحتاج من الطالب الذاكرة والمران الحفظي.

والثانية طريقة علمية، تحتاج للنقاش، والحوار، والمنطق، والاستنتاج المنطقي.

ولعل الطريقة التطبيقية العمليَّة هي أهم ما يهم دارسي اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهذا ما قاله مدرس اللغة العربية الإندونيسي؛ د. نصر الدين إدريس جوهر؛ المدرس في جامعة سونن أمبيل الحكومية بإندونيسيا.[5]

يقول فيها:
إذا كانت طرائق تدريس اللغة الأجنبية كثيرة ومتعددة، وليس منها ما هي مُثلَى ومناسبة لكل المواقف التعليمية، فمعنى ذلك أنه ينبغي على معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها ألا يتقيَّد بطريقة معينة دون غيرها؛ وإنما ينتقي منها ما يناسب الموقف التعليمي الذي يجد نفسه فيه.

وهناك عدة أسس يمكن أن يلجأ إليها المعلم وهو يختار طريقة التدريس المناسبة، وهي:
أ- المجتمع الذي تُدرس فيه العربية كلغة ثانية.
ب- أهداف تدريس العربية كلغة ثانية.
ت- مستوى الدارسين وخصائصهم.
ث- اللغة القومية للدارسين.
ج- إمكانيات تعليم اللغة.
ح- مستوى اللغة العربية المراد تعليمها؛ فصحى، عامية... إلخ.

وهذا قول حق يمكننا إسقاطه على تعليمنا المتكلس حقيقة، والذي لا يراعي الحالات الخاصة التي تتعلم ببطء، أو التي يناسبها أسلوب معين من التعليم، وحَرِيٌّ بالمعلم الحاذق معرفة أغلبية النمط التعليمي في صَفِّه، ليجعلها منهجًا، فالدرس المطبوع في الكُرَّاس الورقي لا يلغي اجتهاد المعلم، وقد وصلني عن طالب أن بينه وبين معلمته صلة روحية وعلمية فريدة؛ بحيث يكتب لها في آخر كراسته الكتابية ما هو محتاج إليه؛ من عطف أو عناية أو أسلوب يستطيع فيه الوصول لمبتغاه، فتساعده المدرسة بقدر ما تستطيع.

أليس المدرس مُربِّيًا ثانيًا، وليس معلمًا فقط؟

لعل ما اقترحه الدكتور محيي الدين الألوائي عن تهيئة الجو العربي المناسب لتعليم اللغة هو الأهم لنجاح التدريس، وهذا ما قاله؛ فكيف لتدريسها محلِّيًّا؟ أليس هذا أولى في تكريس الجو المناسب بين الألفة والمحبة؟

إن عامل الاحتفاظ بعربية جوِّ الدروس، في الفصول أو قاعات التعليم، من أهم العوامل التي تساعد الطلاب الأجانب على معايشة جو اللغة العربية، والتأثر بخواص هذه اللغة نُطقًا واستعمالًا في أرضية واقعية؛ ولهذا يجب أن تكون الطريقة التي يقوم عليها تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها هي الطريقة المباشرة؛ بأن تكون لغة التخاطب والتعليم بين المدرس والطالب في قاعات الدروس هي اللغة العربية فقط دون الالتجاء إلى الترجمة، أو استخدام اللغات الأجنبية.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]