عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-09-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,905
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وراء الباب المغلق (قصة)

دخلتُ ويا ليتني لم أدخل!
كانت الغرفة عتيقة، تحمل الجدران لونًا خمريًّا كالبيوت التي ولَّى عليها الزمان، ولا يوجد بالحجرة سوى كرسي مرتفع المسند، وظهره باتجاه الباب، فلا أرى إن كان هناك أحد جالس أم لا، ويبدو أنَّ أمام الكرسي مدفأة من التي يُلقى فيها الخشبُ فتشتعل النيران.

أأنا هنا لأحترِق؟ يا ويلي! إنَّ المشهد مخيفٌ كذاك الذي نراه بأفلام الرُّعب، ربما رأيتُ فيلمًا قبل أن أنام، وهذا ما جعل هذا الكابوس يراودني؟ ماذا أفعل؟!

أقترب كما يحدثُ في الأفلام؟ أم أجعل ناظري وخطاي وكل ما أملكه يحملني خارجًا كي لا أموت رعبًا؟ أنا أحترِم الموت وطرقه، ويخزيني جدًّا أن تنتهي حياتي بالموت رعبًا جراء فيلم شاهدتُه، يا للخزي!

أدرتُ ناظري باتجاه الباب لأخرج، لم أكد أفعل هذا حتى سمعتُ صوتًا يناديني:
"لا لا، لا لا تقولي: إنَّها النهاية!".
"انتظري، فحتى وإن كان فيلمًا راعبًا، ففي نهايته دومًا يعرفون الحقيقة، ألا تريدين أن تعلمي الحقيقة؟".

كان هذا ما قاله الصَّوت.
تعجبتُ، أهناك حقيقة؟ أليس كل هذا حلمًا؟

"انظري إليَّ".
أدرتُ ناظري ببطء شديد كما يحدث في الأفلام، كأنِّي أتوقَّع أن أرى الوَحْش الذي سيعذِّبني برؤيتي له، ويستمتِع بطعمي.

ولكن لم يكن وحشًا.
في الحقيقة لم يكن فيلمًا.
لا، بل من الواضح أنَّه لم يكن حُلمًا!

كانت سيدة في الخمسين من عمرها على ما أعتقد، ترتدي ثيابًا بسيطة ولكنَّها أنيقة، فستانًا يحمل اللونَ الزهري والأبيض كأنها فتاة في العشرين، وقد ضفرَت شعرها، ويبدو أنه طويل للغاية.

"لا تفكِّري في ثيابي، بل فكِّري في شكلي".
يا للهول! "كيف عرفتِ ما أفكِّر به؟!".
"لو أنَّكِ تمعنين النَّظر لعرفتِ".

حاولت إمعانَ النظر كما أخبرَتْني، ولكنْ هناك شيء، صوتها يبدو مألوفًا جدًّا، كأنِّي أعرفها منذ زمن، مهلًا لا تقولي لي: إنَّها...

"أنا أنتِ".
حملقتُ فيها بذهول لا يمكن وصفه.

كيف أنتِ أنا وأنا لم أبلغ حتى الثلاثين من العمر؟ أهي هلاوس حُلم أم ماذا يحدث؟
وبما أنَّك تعرفين ما أفكِّر فيه، إذًا لن أتحدَّث، فلتجاوبي!

ابتسمت، لم تنطق، ولكنِّي سمعتُ صوتها يملأ كلَّ خليَّة منِّي، كأنها بداخلي!

قالت لي: إنَّني كنت أتجوَّل في عقلي، وإنَّ كل مشهد عبارة عن تصرُّفي في وقتٍ ما، ولكن كثيرًا ما يحدثُ أن أخلط هذه التصرُّفات ببعضها؛ فأغضب وقتَ السَّماح، وأحزن وقتَ الفرح، وهكذا.

لذا دبَّر عقلي أو "أنا الكبيرة" هذا الأمر؛ أن يأخذني في جولة وأن يريني نفسي في كلِّ موقف، وكيف لا أتفاعل مع أي شخص فيه حتى لو كان أنا! وكيف أنَّه يجب عليَّ محاولة التوفيق بين اختياراتي؛ فأختار تأدية كل شعورٍ وكل مشهد في وقته الملائم، وأنه سيكون هكذا الأفضل، وسيزيل عن عاتقي مجهودًا ذهنيًّا كبيرًا في التفكير الذي لا طائل من ورائه.

كان كلامها مقنعًا، وكانت الجولة للحقيقة ممتِعة وراعبة! لكنِّي وعدتُها أن أريح عقلي وأريحَها هي التي بدا عليها الكثير من الإجهاد، وأحاول أن أحسِن اختيارَ التصرفات وردود الأفعال.

حين وعدتها تموَّج كلُّ شيء أمامي في دوَّامة كبيرة! كأن هناك إعصارًا يأخذ كلَّ ما هو أمامي إلا أنا، ينطلِق منه الشعاع الأبيض ذاك الذي جعلني أغمض عينيَّ بشدة، كأني غبتُ عن الوعي.

بعد قليل، فتحتُ عينيَّ لأرى اللون الأبيض من جديد، لم يكن ساطعًا.

"ألا زلتُ في حُلمي؟".
صمتَ تفكيري قليلًا لأنِّي أنظر لسقف غرفتي.

نظرتُ حولي، فإذا بي أجدُ حجرتي التي طالما أحببتُها بزخرفاتها على الجدران، وعلى يساري كوب الكاكاو الذي لم أحتَسِ منه شيئًا، فقد غلَبني الإرهاق.

وعن يميني مجلَّة فكاهية وبها صورة امرأة، كانت سيِّدة في الخمسين من عمرها على ما أعتقد، ترتدي ثيابًا بسيطة ولكنها أنيقة، فستانًا يحمل اللون الزهري والأبيض كأنها فتاة في العشرين، وقد ضفرَت شعرها، ويبدو أنه طويل للغاية.

شعرتُ بشكلٍ ما أنِّي رأيتُها من قبل، لكن لا أتذكَّر جيدًا أين رأيتُها يا ترى.


ربما في وقتٍ ما سأتذكَّر، نهضتُ لأرتِّب الفراش، خُيِّل إليَّ للحظة أنَّ السيدة في الصورة تبتسم لي، "ولكنِّي أذكر أنها لم تكن تبتسم؟!".

"يا إلهي أهو فيلم رعب؟".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]